الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    تحرير محيط مدرسة للا سلمى من الاستغلال العشوائي بحي المطار    الجزائر و"الريف المغربي" .. عمل استفزازي إضافي أم تكتيك دفاعي؟    حقوقيون مغاربيون يحملون الجزائر مسؤولية الانتهاكات في مخيمات تندوف        لفتيت يستعرض التدابير الاستباقية لمواجهة الآثار السلبية لموجات البرد    الاتحاد الأوروبي يمنح المغرب 190 مليون أورو لإعادة بناء المناطق المتضررة من زلزال الحوز    الرجاء والجيش يلتقيان تحت الضغط    في سابقة له.. طواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية يعبر صحراء الربع الخالي    السكوري يلتقي الفرق البرلمانية بخصوص تعديلات مشروع قانون الإضراب    تعزيز وتقوية التعاون الأمني يجمع الحموشي بالمديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية    الوالي التازي يترأس لجنة تتبع إنجاز مشروع مدينة محمد السادس "طنجة تيك"    الإنترنت.. معدل انتشار قياسي بلغ 112,7 في المائة عند متم شتنبر    المدعو ولد الشنوية يعجز عن إيجاد محامي يترافع عنه.. تفاصيل مثيرة عن أولى جلسات المحاكمة    ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة    لاعبتان من الجيش في تشكيل العصبة    تكريم منظمة مغربية في مؤتمر دولي    المغرب يفقد 12 مركزاً في مؤشر السياحة.. هل يحتاج إلى خارطة طريق جديدة؟    ليبيا: مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي يجدد التأكيد على أهمية مسلسلي الصخيرات وبوزنيقة    غرق مركب سياحي في مصر يحمل 45 شخصاً مع استمرار البحث عن المفقودين    "البيجيدي": الشرعي تجاوز الخطوط الحمراء بمقاله المتماهي مع الصهاينة وينبغي متابعته قانونيا    ريال مدريد يعلن غياب فينسيوس بسبب الإصابة    «الأيام الرمادية» يفوز بالجائزة الكبرى للمسابقة الوطنية بالدورة 13 لمهرجان طنجة للفيلم    في لقاء عرف تفاعلا كبيرا .. «المجتمع» محور لقاء استضافت خلاله ثانوية بدر التأهيلية بأكادير الكاتب والروائي عبد القادر الشاوي    تكريم الكاتب والاعلامي عبد الرحيم عاشر بالمهرجان الدولي للفيلم القصير بطنجة    بعد رفض المحامين الدفاع عنه.. تأجيل محاكمة "ولد الشينوية"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    نقابة تنبه إلى تفشي العنف الاقتصادي ضد النساء العاملات وتطالب بسياسات عمومية تضمن الحماية لهن    استئنافية فاس تؤجل محاكمة حامي الدين إلى يناير المقبل    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي        إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام        تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..    الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفصل الدراسي في المدرسة العمومية بالمغرب بين العنف والعنف المضاد
نشر في هسبريس يوم 28 - 06 - 2018

لعل أبرز ما وسم بحر الموسم الدراسي 2017م/2018م، أشرطة ثلاثة انتشرت كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الإعلام المختلفة، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة، ويتعلق الأمر ب:
1- حادثة تعنيف أستاذ من طرف تلميذه بشكل هستيري في غاية الفظاعة والشناعة والاشمئزاز بالثانوية التأهيلية سيدي داود بورزازات بتاريخ: 5 نونبر 2017م.
2- حادثة تعنيف أستاذة بشكل مأساوي يدمي القلب بالثانوية التأهيلية الحسين بن علي بمدينة الدار البيضاء، بتاريخ:22 نونبر 2017م.
3-حادثة تعنيف تلميذة بشكل جنوني هستيري أيضا من طرف أستاذها بالثانوية الإعدادية الإمام مالك بمدينة خريبكة بتاريخ 21 ماي 2018م .
حوادث ثلاث ليست في حقيقة الأمر إلا الأشجار التي تخفي غابات من الآلام والمعاناة، إذ ما خفي أعظم كما يقال، حوادث بقدر ما أثارت نقاشا مجتمعيا حارقا، بقدر ما كشفت عن حقائق خطيرة تدق ناقوس الخطر، بحكم أن الأمر لم يبق مجرد حالات خاصة قد تقع هنا وهناك بشكل عفوي تلقائي، بل إنها أصبحت ظاهرة سوسيوتربوية تحتم إخضاعها لآليات وميكانيزمات البحث السوسيوبوجي الراشد من أجل تدارك الوضع ما أمكن قبل فوات الأوان، ومن أجل وضع النقط على الحروف، وتسمية الأشياء بمسمياتها، وتحميل مسؤولية هذا الانهيار القيمي لمن يجب أن يتحملها، يتعلق الأمر بحقائق ثلاث على الأقل:
1- الحقيقة الأولى: إن الفصل الدراسي الذي كان ذات زمن فضاء للتواصل الإيجابي والتفاعل البناء، وكان محرابا ربانيا لاكتساب العلوم والمعارف، ولغرس قيم الجدية والاستقامة والانضباط والاحترام والعفة واليقظة والبذل والصدق وغيرها من القيم الربانية النبيلة، صار للأسف الشديد حلبة للصراع وتبادل اللكمات والرفسات والطعنات التي وإن لم تؤد إلى الموت الزؤام فإنها تسبب حتما في عاهات نفسية مستدامة وجراح غائرة لن تعالجها وصفات أطباء العيادات الخاصة، و لن تضمدها جلسات مدربي التنمية الذاتية.
2- الحقيقة الثانية: إن العلاقة بين طرفي العملية التعليمية_التعلمية (الأستاذ/التلميذ) لم تعد _كما كانت بالأمس البعيد والقريب_ تنبني على أسس المحبة والتقدير والاحترام الذي يصل أحيانا حد التقديس، بل صارت قائمة على الحقد والضغينة والإقصاء والتحقير والرغبة الجامحة في الانتقام.
3- الحقيقة الثالثة: إن واقع العنف والعنف المضاد صار واقعا مرا فظيعا يتحدى حدود الجنس واللون والسن والجغرافيا... بمعنى أن منظومتنا التعليمية صارت بمذاق العلقم في كل جهات وأقاليم المملكة الشريفة، وصار كل أطرافها (ذكور، إناث، أطفال، مراهقين، شباب، كهول...) ملزمين بتجرع مراراتها...
هذه الحقائق الثلاث التي لا تحتاج إلى كبير عناء، ولا إلى خبرات ومهارات تحليلية خارقة من أجل استنتاجها، تقود بالضرورة إلى نتائج كثيرة يمكن اختصارها إجمالا في نتائج ثلاث:
1- النتيجة الأولى: إن مهنة التدريس التي كانت حلما ورديا يداعب شفاه وأخيلة الأطفال منذ مراحل العمر الأولى، فقدت كل جاذبيتها، وكل حرارتها ورمزيتها، وصارت مهنة من لا مهنة له، بحكم أن رجل التعليم الذي كان رمزا للصلاح والاستقامة والبناء الجاد والتغيير الراشد، صار عرضة لشتى أنواع الإهانة والهدر والاستباحة والاحتقار، بل صار جسده مستباحا وحياته على كف عفريت، للأسف من طرف تلاميذ تحولوا في زمن التكنولوجيا هذا إلى وحوش كاسرة.
ولعل ما يزيد الطين بلة كما يقال، هو أن الترسانة القانونية المؤطرة للمنظومة ككل، لا تنصف الأستاذ بالمرة، بل إنها تدينه باستمرار، لأن وقوع هذه الحوادث يعني وفق منطقها غير السليم أنه لا يمتلك المؤهلات التربوية ولا المهارات البيداغوجية التي تمكنه من تدبير وتسيير أمور فصله الدراسي بشكل جيد (تلميذ ورزازات أدين بدرهم رمزي فقط)، وتستمر الحياة المدرسية بشكل عاد لأن الأستاذ هو المسؤول عن المصير المقرف الذي لقيه ذات حصة من حصص الدعم المجانية بطبيعة الحال.
2- النتيجة الثانية: نحن أمام معركة نتائجها محسومة مسبقا، المنتصر فيها منهزم يقينا، الأستاذ والتلميذ صارا طرفي نزاع: أيهما أقوى عضليا ؟ أيهما يستطيع طرح خصمه أرضا بالضربة القاضية ؟ أيهما يستطيع كسر شوكة خصمه وهزيمة كبريائه ؟ للأسف أسئلة غير مستساغة لا عقلا ولا نقلا، وغير مقبولة لا قانونا ولا شرعا... لذلك وجب الاعتراف بأن الأمر أكبر من كل ما نتصور، الأمر يتعلق بمخطط ماكر دُبِّرَ بِلَيْلٍ من أجل نسف المدرسة العمومية ومن أجل القضاء التام عليها، في مقابل تشجيع ودعم التعليم الخصوصي في السر والعلن، الرسالة واضحة: المدرسة العمومية صارت كما ترون، والبديل المحتوم هو التعليم الخصوصي...
3- النتيجة الثالثة: رجل التعليم واسطة عقد المنظومة ككل، كان عبر التاريخ رمز الغد الأفضل، رمز التغيير، رمز الوعي والنضج والفداء، رمز البذل والعطاء، رمز النبل والصفاء... وكان يحظى تبعا لذلك بكل تقدير وبكل تبجيل لأنه كاد فعلا أن يكون رسولا على حد تعبير أمير الشعراء... كل هذه الرمزية ضُربتْ قصدا عُرْضَ الحائط، وصار للأسف الشديد الحائط القصير الذي تحمله الوزارة الوصية مسؤولية فشل المنظومة التعليمية، صار بطلا لا يشق له غبار لطرائف ونواذر البخل والكسل والتسيب والتحرش والخيانة، صار بالجملة عرضة لشتى ألوان الإهانة والهدر والاستباحة والتحقير...
خلاصة القول إن واقع العنف والعنف المضاد الذي أصبح الفصل الدراسي في المدرسة المغربية العمومية مسرحا له، صورة جد معبرة تؤكد الأزمة الخانقة التي تعيشها المنظومة التعليمية المغربية، أزمة لم تزدها مختلف الوصفات التي ظلت تخضع لها منذ ما سمي بالاستقلال إلا استفحالا، مما يقودنا حتما إلى نتيجة مفادها أن وراء الأكمة ماوراءها، الأمر يتعلق بغياب مطلق لإرادة سياسية حقيقية في الإصلاح، بل إن الأمر يتعلق بِنِيَّةٍ مُبَيَّتَةٍ لضرب المدرسة العمومية في الصميم، ومعنى ذلك أننا ملزمون بالحديث عن "نجاح في صناعة الإفشال"، وليس عن "فشل في الإصلاح" كما يحلو لشعراء القبيلة أن يروجوا مكرا وخداعا وتمويها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.