أيها الشاب النبيل عوفيت وسلمت، وسلمت قدماك، فقد كنت مفخرة كرة القدم المغربية ومدرسة أخلاقية جادة مثابرة دفاعا عن القميص وعن العلم.. تلك كانت حالة من الحالات النادرة جدا في تاريخ كرة القدم المغربية وحتى العالمية، حالة يخسر فيه منتخب وطني مباراة حاسمة على أرضية دولية في مسابقة عالمية، ثم يخرج الجمهور فرحا فخورا منتشيا مطمئنا متفائلا، بفضل وجود رجال يقاتلون في معترك آخر دفاعا عن شرف الوطن..اطمئنان وثقة في المستقبل كان نور الدين أمرابط، ابن المغرب البار وابن الريف الشهم، أحد صناعهما الأفذاذ. يعجز الوصف أمام قدرات هذا الشاب اللاعب المتفاني لإسعاد الجماهير والبلاد ككل، في مباريات كأس العالم روسيا 2018، وتحديدا في المباراة أمام برتغال رولاندو؛ بل إن قواميس التحليل الرياضي لا تسعف لحل معادلة لاعب لعب في كل شبر من المستطيل. أينما نولي وجوهنا في الملعب في ساحة "المعركة" نجد جسما سريعا يتطاير أمام الكرة، جسما يتحرك كإلكترون موجب يطوف ويدور، تارة مدافعا مخلصا مرمى الأسود من خطر محدق، وتارة موزعا في الوسط، وطورا ظهيرا أيمن يمرر لمرمى الخصم، وطورا آخر يترنح يسارا مؤازرا زميلا في ورطة، وأحيانا كثيرة في قلب الهجوم لحل معادلة تسديد أهداف التعادل أو النصر. ابن الريف هذا، الذي نحكي قصة نجاحه في إسعاد قلوب المغاربة وغير المغاربة، ولد وتربى وعاش في الغربة خارج ديار البلاد، وهو الآن في عقده الثالث، ورغم ذلك كله صدحت قدماه لغة حب الوطن والبلاد.. تحدث عرق جبينه وهو يسيل سخيا على وجنتيه بكلام في عشق الراية الحمراء في قلبها نجم أخضر بتعابير خاصة، خاطبتنا أقدامه المتسارعة بدون كلل أو ملل أو تخاذل خطابا المحبة والوفاء والإخلاص والأمانة. الحياء يقتضي ألا نصفه أو نشبهه بالآلة أو "الماكينا" رغم قوتها وسرعتها، لأنه انتصر بالإنسان الذي في داخله، بإنسانيته وروحه وقلبه وإيمانه الراسخ الذي لا تعرفه الآلات مهما تطورت وأقنعت في الأداء. شاب مغربي أصيل نشأ في أوساط الجالية المغربية في الخارج، علمنا درسا بليغا وأبلغنا رسالة قوية قمة في الوفاء والوطنية رغم البعد عن أرض المملكة..إنه درس الاعتراف والافتخار بالانتماء، بل والاستعداد الدائم للسعي بكل قوة إلى خدمة هذا الانتماء بإتقان والتزام رغم الآلام والأعطاب والوعكات..إنه جندي من نوع خاص لخدمة البلاد وإسعاد الجماهير. لكل تلك الدموع التي كانت سخية بعد الهزيمة، لكل تلك القلوب التي كسرت بسبب النتيجة، لكل الأوفياء رد نور الدين امرابط بالوفاء للمغاربة، فكان أقل ما يمكن أن يقدم له، اعترافا وامتنانا له، هو أن تمد الأيادي لتحمل الشاب النبيل إلى أعلى منصات الطالعين.