ما لبث أن أعلن السويسري جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، الأربعاء، عن إسناد تنظيم مونديال 2026 للملف الأمريكي الشمالي المشترك بين الولاياتالمتحدة والمكسيك وكندا، إلا وشعر كل محب ومؤيد ومسؤول عن الملف المغربي بغصة في الحلق أعادت إلى الأذهان حلما سبق أن تبدد للبلد العربي أربع مرات من قبل. ولم تفلح التغييرات التي أدخلت على عملية اختيار البلد المضيف لهذا الحدث الكبير (هذه هي المرة الأولى التي تصوت فيها الاتحادات الوطنية إلى جانب الفيفا)، ولا الدعم الكبير على المستويين الشعبي والرسمي الذي حظي به الملف المغربي، في الحيلولة دون تكرار الإحباط نفسه الذي خلفه الفشل في تنظيم بطولات العالم السابقة في 1994 و1998 و2006 و2010. وبهذا تكتب نهاية المشوار الذي بدأت تتضح ملامحه منذ 2 يونيو الماضي، اليوم الذي منحت فيه اللجنة الفنية تقييما أعلى للملف الأمريكي الشمالي المشترك من نظيره المغربي (منحته 402.8 نقطة من إجمالي 500 مقابل 274.9 نقطة للملف المغربي). ومن وجهة النظر الفنية، كانت النقطة الخاصة بالبنية التحتية تحديدا هي التي منحت التفوق للملف الأمريكي، وذلك بعدما وضعت الولاياتالمتحدة تصورا لا يمكن رفضه يتضمن عددا هائلا من الملاعب والفنادق وشبكات المواصلات، وهي العناصر التي اكتفت المغرب بالتعهد بتوفيرها في غضون ثمانية أعوام. وعلى سبيل المثال، لا يوجد أي ملعب من ال14 التي استعرضها الملف المغربي، جاهز لاستقبال مباريات في الوقت الحالي: خمسة منها في طور التحديث، وال9 الباقين سيتم بناؤها. كما أبرزت لجنة التقييم بالفيفا أن المدن ال10 التي كانت ستستضيف المونديال، باستثناء الدارالبيضاء ومراكش، لا تمتلك في الوقت الحالي السعة الفندقية اللازمة لاستضافة حدث كبير بحجم كأس العالم الذي سيحظى لأول مرة في تاريخ البطولة بمشاركة 48 منتخبا. ولا يجب نسيان أمور أخرى لا تتعلق بالجانب الفني والتي سقطت من الملف المغربي، مثل المشاكل التي يمكن أن يواجهها مثليو الجنس "LGBT"، لا سيما أن القانون الجنائي للمغرب يعاقب أي شخص يمارس الشذوذ الجنسي. وعلى الرغم من أن الفيفا أبرز بأن الملف المغربي يفي بكل شروط الحد الأدنى لتنظيم المونديال، فإنه ينطوي على مخاطر واضحة في نقاط أخرى أكثر أهمية، بينما قدم الملف الأمريكي ضمانات أكبر، وتعهد بمداخيل تعادل ضعف التي قدرها الملف المغربي (14 مليارا و300 مليون دولار مقابل 7 مليارات و200 مليون دولار). أسباب فشل الملف المغربي في هذه المرة تبتعد كل البعد عن الجوانب الرياضية أو التنظيمية، حيث إن الطابع الجغرافي السياسي هو الذي هيمن على عملية التصويت التي سبقها بعدة أشهر نشاط دبلوماسي مكثف من جانب كبار المسؤولين في الملفين المتنافسين. فالمغرب، الذي تعامل منذ الوهلة الأولى مع ملف تنظيم المونديال على أنه مسألة قومية، كانت لديه استراتيجية واضحة: توطيد علاقته بشكل مبدئي مع جيرانه الأفارقة والعرب (ما يعني نحو 65 اتحادا وطنيا)، ثم البحث عن أصوات حلفائه من دول الغرب والدول التي لديها خلافات سياسية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ إلا أن الشك بدأ يتسرب لنفوس المسئولين المغاربة حول إمكانية حصولهم على هذا الدعم، بعدما نشر الرئيس الأمريكي تدوينة له في 27 أبريل الماضي كتب فيها "سيكون من المؤسف أن الدول التي ندعمها دائما تكون جماعة ضغط أو 'لوبي' ضد ملف ترشح الولاياتالمتحدة. لماذا نستمر في مساعدة هذه الدول التي لا تدعمنا؟". وجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث أسفرت سياسة الضغط الأمريكي التي اتبعها ترامب في إعلان العديد من الاتحادات الإفريقية عن دعمها للملف الأمريكي، إضافة إلى تأييد بعض الدول العربية لملف "يونايتد 2026"؛ وهو الأمر الذي أضعف كثيرا من حظوظ الملف المغربي الذي خسر في النهاية بعدما حصد 65 صوتا مقابل 134 فاز بها الملف الأمريكي الشمالي المشترك بين الولاياتالمتحدة والمكسيك وكندا. وبعد 30 عاما من هزيمتها الأولى أمام الولاياتالمتحدة على تنظيم مونديال 1994، الذي تم اختيار البلد المضيف له في عام 1988، عاد المغرب ليشرب من الكأس نفسها مجددا أمام الخصم نفسه، ليتأجل حلم البلد العربي في الفوز بشرف تنظيم المونديال، كثاني بلد إفريقي يحظى بهذا التكريم، إلى إشعار آخر. *إفي