أعلن معتقلو "حراك الريف" الذين تتم محاكمتهم باستئنافية الدارالبيضاء، اليوم الأربعاء، مقاطعتهم لباقي الجلسات التي بلغت مرحلة تقديم مرافعات الطرف المدني بعد الانتهاء من الاستماع للشهود. وقرر المعتقلون منذ أكثر من سنة، خلال الجلسة التي عقدت اليوم بغرفة الجنايات في الملف الذي يتابع فيه 49 متهما، وفق مذكرة كتابية سلمت لرئيس الهيئة علي الطرشي، مقاطعة ما تبقى من جلسات المحاكمة، تعبيرا منهم عن احتجاجهم على مسارها. وقال ناصر الزفزافي، أيقونة "حراك الريف" الذي قام بتلاوة المذكرة، إن الانتظارات البدئية للمعتقلين فمن هذه المحاكمة تتجلى في أن تكون عادلة ومنصفة؛ وذلك عبر التزام المحكمة بالحياد، وانحيازها فقط إلى جانب الحق والحقيقة، وعدم السماح لأي جهة كانت أن تجعلها أداة لتصفية حساباتها ضد طرف آخر؛ مهما كان شأن هذه الجهة أو نفوذها. وأضاف: "لم يكن أملنا يصل إلى حد الانتظار من هذه المحكمة أن تعلن بكل الجرأة المطلوبة مباشرة بعد اطلاعها على الملفات عن وجود خلفية سياسية تحكمت في ملف دعاوى الاعتقالات في ما يتعلق بقضيتنا، وما يستتبعه ذلك من إعلان عن بطلان أساس الدعاوى، والحكم بإخلاء سبيل المعتقلين". وتابع "أيقونة الحراك" كلمته مخاطبا المحكمة بالقول: "لقد كان أملنا على الأقل أن تعتبرنا المحكمة كطرف مكافئ للطرف المدعي، وبذلك تفتح لنا صدرها وتستمع إلى تظلماتنا ذات الصلة بالخروقات والانتهاكات التي شابت مسطرة الاعتقال والحراسة النظرية والتحقيق، وتأخذها مأخذ الجد، وتفتح تحقيقا استعجاليا في شأنها. كذلك أن تسمح لنا بتقديم كل ما لدينا من أدلة نعتبرها تثبت براءتنا، وتثبت بطلان دعاوى الاعتقالات؛ وذلك انطلاقا من كون المحكمة هي بمثابة الحكم المحايد الذي من المفروض أن يتعامل مع الأطراف على حد سواء من دون ميل أو انحياز إلى طرف على حساب طرف آخر مهما كان شأنه". وانتقد الموقعون على الرسالة التي يعلنون من خلالها مقاطعتهم للجلسات ما أسموه "النهج غير المحايد للمحكمة"، وأكدوا أن أطوار الجلسات ستعرف "استئثار النيابة العامة بالكلمة وتفرض نفسها سيدة المحكمة، وتفرض جميع قراراتها، على حساب أعضاء دفاعنا الذين كانت جل ملتمساتهم محل الرفض كما يرغب طرف الادعاء، وغالبا ما تقاطع مداخلاتهم من طرف المحكمة، بينما تسمح لممثل الحق العام بأخذ راحته في الكلمة، بل حتى إنها تتغاضى عن هفواته التي تصدر عنه من قبيل وصف المعتقلين بكونهم يحملون جينات التمرد ووصفهم بالمجرمين… إلخ". وأشار هؤلاء إلى أن المحكمة "لم تستطع إخفاء انحيازها إلى طرف الادعاء وحكمها المسبق تجاه معتقلي حراك الريف على خلفية أن كل من يبدي اعتزازه برموز الريف وتاريخه وخصوصياته يعد انفصاليا ويشكك في وطنيته، وعلى هذا الأساس كانت تحاكم المعتقلين، فحمل أعلام الريف أو صور الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي أو الأعلام الأمازيغية أو أحدا من رموز المقاومة الوطنية… كلها تعتبر شبهة يساءل عليها المتهم بمجرد إظهار إعجاب بها". ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ إذ إن المحكمة، يضيف المصدر نفسه، "لم تستطع أن تخفي تعاونها مع النيابة العامة؛ وذلك بتعاملها بانتقائية وتصرف في عرض وسائل الاثبات المتضمنة بالملف بشكل يسمح بتأويلها حسب رغبة النيابة العامة في إثبات الإدانة، ومن ضمن ذلك الإصرار على عرض أدلة مستفزة باستمرار لا علاقة لها بوقائع الحراك الريفي، من قبيل الشريط الذي يظهر منزلا يقيم فيه رجال الأمن وهو يحترق، ومن قبيل إقحام المكالمة الهاتفية من مجهول مع الصحافي حميد المهداوي كدليل إثبات في الملف". وشددت مذكرة المعتقلين في ملف حراك الريف على أن المحكمة كانت تكيل بمكيالين في تعاملها مع شهود الطرفين الذين تقرر استدعاؤهم، "وانحيازها بشكل لا غبار عليه إلى الطرف المدعي، حيث لم تسمح لهيئة دفاعنا باستجواب شهود الادعاء إلا في حدود ما سمحت به النيابة العامة ودفاع الطرف المدني اللذين قاما بالاعتراض على أهم الأسئلة التي من شأنها كشف تناقضات هؤلاء الشهود، وإظهارهم على حقيقتهم باعتبارهم شهود زور تم استخدامهم لتكوين التهم غير الموجودة في الأصل، في حين كان العكس تماما أثناء استجواب شهود المدعى عليهم". وخلص المذكرة إلى أن موقف المعتقلين كان يتجلى في عدم مقاطعة هذه المحاكمة قبل المثول أمامها "حتى لا يقال عنا إننا خائفون من مواجهة أسئلتها وادعاءات النيابة العامة وما لديها من أدلة وشهود؛ لذلك واصلنا حضور الجلسات إلى غاية امتثال جميع المعتقلين واستجواب جميع الشهود، حيث أبلى كل المعتقلين بلاء حسنا وواجهوا بكل جرأة ادعاءات النيابة العامة، وكشفوا عن زيفها باقتناع كل المتتبعين لملف القضية الذين قطعوا الشك باليقين أنه إذا كانت هناك مؤامرة فهي مؤامرة تحاك ضد هؤلاء المعتقلين بسبب مواقفهم المناهضة للفساد ولسياسات الإقصاء والتهميش". ولفت الزفزافي وهو يتلو المذكرة إلى أن المعتقلين لم يجدوا بدا من اتخاذ قرار المقاطعة "تعبيرا عن احتجاجنا على مسار هذه المحاكمة التي نزعت عن نفسها صفة العدالة والحيادية. هذا مع التأكيد على براءتنا ومطلب الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين". ودعا المعتقلون أعضاء دفاعهم إلى التزام الصمت وعدم الترافع انسجاما مع هذه الخطوة؛ الأمر الذي أكده المحامون أمام الهيئة القضائية مشددين على أنهم سيواصلون الحضور لباقي أطوار المحاكمة في صمت.