في الحلقة السادسة من هذا الحوار يحكي مصطفى العلوي عن فترة الحسن الثاني، ويتطرق إلى كتابه قبل الأخير، الذي عنونه ب"الحسن الثاني الملك المظلوم"، وكذا السبب الذي جعله يختار هذا العنوان المثير، إضافة إلى وقائع دافع فيها هذا الصحافي المخضرم بقوة عن عصر الملك الحسن الثاني، مستدلا بأقوال معارضين للنظام آنذاك رفعوا السلاح في وجهه، منهم من حكم عليه بالمؤبد وعاش خارج الوطن. كما يتضمن الحوار وقائع وأحداثا يقصها مصطفى العلوي عن الحسن الثاني، الذي ظل يقدره أيما تقدير، بالرغم من تعرضه للتعذيب وتوقيف جرائده، وقضائه فترة من حياته خارج أرض الوطن. إليكم الحوار.. من بين كتبك نجد "الحسن الثاني الملك المظلوم"، هل هذا العنوان من باب الإثارة الإعلامية وجذب القارئ؟، إذ إن كلمة "مظلوم"، التي جاءت على وزن مفعول، تحاول أن تجعل القارئ مشدوها، لماذا فضلت هذا العنوان؟ يعني الملك الظالم. ربما هذا ما كان ينتظره القارئ. الصفحات الأولى من الكتاب تجيب عن تساؤلك هذا، إذ هناك محور تطرق إلى الملك الحسن الثاني: هل هو ظالم أم مظلوم؟، وأنا شخصيا لم أكن أريد أن أقول إنه مظلوم من حيث الظلم لأنني في هذه الصفحات قدمت نماذج لأشخاص مظلومين في زمن الحسن الثاني، وحالات مريعة عديدة لضحايا الظلم، وأنا كنت منهم، إذ اعتقلت واختطفت وعذبت. كتابي هذا انطلق من استنتاج استنتجته النخبة المعارضة للحسن الثاني، إذ استعنت بمحمد برادة كنموذج للمعارض المغربي، الذي حكم عليه بالإعدام ثلاث مرات بتهمة المس بالأمن، وكذا بتهمة الاعتداء على الملك الحسن الثاني، ونشرت تصريحه حينما قال: لقد ظلمنا الحسن الثاني. كما استعنت بنماذج أخرى مسطرة في الكتاب، وكلها تقول: لقد ظلمناه... المفكر عبد الله العروي قال: الحسن الثاني كان ضحيتنا بقدر ما كنا ضحاياه. نعم، وهذا أيضا أشرت إليه في كتابي هذا. هل هذا معناه أن المعارضين ظلموا الحسن الثاني؟ معناه أن الحسن الثاني كان مظلوما من ناحية الحكم عليه فيما يتعلق بعدة قضايا بالمغرب، بل هناك مواقف كثيرة ظلم فيها المغاربة الحسن الثاني لما حكموا عليه من خلال الحالات التي مارس فيها الظلم شخصيا أو مارسه وزراؤه، وأنا سردت جميع حالات الأشخاص المظلومين في الكتاب، ولكن الاستنتاج هو أن الحسن الثاني مظلوم من حيث إثقاله بظلمات الظلم لوحده. الواقع أنه قام بأشياء وإنجازات على المغاربة أن يشكروه عليها عبر تجاوز الظلم مقابل ما أنجزه. جميع الرؤساء العظام عبر التاريخ كانوا ظالمين ومظلومين، ثم إن طريقة حكم المغرب تحتاج إلى رئيس دولة قوي، ماسك بزمام الأمور، وبمنتهى العنف الذي يسميه المغاربة الظلم. أما العنف الذي يمارسه رئيس الدولة لصالح الدولة فلا يسمى ظلما. وأنا أرى مميزات للحسن الثاني، وقد سبق لي أن أشرت إلى حفلة للسفير الإسباني أقيمت في السابعة مساء، وقلت ما قلته لمدير التشريفات ليصل إلى الحسن الثاني في منتصف الليل، بمعنى أنه كان رجلا واعيا، صاحيا يعرف ماذا يعمل، ويعرف ماذا يجري. والكتاب تضمن حالات كثيرة لإنجازات إيجابية للحسن الثاني وتدخلات في الوقت المناسب. وهذه الأمور تُغفر له. هناك أشخاص يقولون: ظلمنا الحسن الثاني. مذكورون في الكتاب بأسمائهم وملفاتهم وبالتواريخ أيضا. لماذا اخترت هذا العنوان؟ أنا كنت محتارا بين أن أسمي الكتاب "الحسن الثاني الملك الظالم" أو "الحسن الثاني الملك المظلوم"، فاخترت العنوان الأخير تجاوزا لميزاته الإيجابية لصالح المغرب. هناك من يرى أن المسألة تتعلق بالعرق: علوي يدافع عن ابن عمه؟ لم يسبق له أن دافع عن ابن عمه. بالعكس، الحسن لم يكن يتصرف لفائدة العلويين، وتافيلالت ما زالت تحت البؤس والشقاء على أيام المولى إسماعيل. الحسن الثاني ملك للمغاربة جميعا، وكان يحكم المغرب، والمغاربة أجمعون سواسية. أما مسألة علوي فهي مجرد أسطورة ثانوية مادام العلويون يتحملون الثقل الكبير فيما قدموه للمغرب من استقدام الدين الإسلامي واستقدام مولاي علي الشريف، ولكنهم دفعوا الثمن غاليا مقابل هذا!! أي ثمن؟ اذهب إلى تافيلالت وستجد العلويين يستجدون في الأسواق، لم يستفيدوا من نظام الملك الحسن الثاني.. بمعنى أن هناك فرق بين الحكم والعرقية.. لا وجود للعرقية أبدا في حكم الملوك العلويين على عكس الآخرين. هناك من يقول إنه إذا كان للنظام المصري في عهد جمال عبد الناصر صحافي اسمه حسين هيكل، فالمغرب في عهد الحسن الثاني عرف صحافيا اسمه مصطفى العلوي. مصطفى العلوي، وهنا لا أريد التحدث بالأنا، هو أول صحافي عانى السجون والاختطاف والتعذيب. لما كنت بدار المقري معلقا ومعرضا للتعذيب، قال الحسن الثاني إن ذلك لم يكن في علمه، وأنا متأكد أنه هو من أعطى أوامره. أنا عانيت كثيرا. بسبب زيارتك للريف؟! من غير زيارتي للريف، هناك معاملات صحافية لا أتذكرها بالتفصيل، مثلا حالات مهنية لم يسمح لي الحسن الثاني فيها بممارسة المهنة، وأنا متجاوز عن ممارسة العمل الصحافي. أما قضية الريف فعالجتها في مذكراتي، وحكيت كيف ذهبت كصحافي إلى الريف لما كان الجيش يضرب المنطقة، فبلغ إلى علم الحسن الثاني ذلك، خصوصا أنه في تلك الفترة كان يجتمع بجميع الصحافيين المغاربة في الخامسة مساء بالقصر. جميع الصحافيين؟ جميع الصحافيين والمصورين، وهناك أرشيف من الصور يوضح ذلك. لقد كان الحسن الثاني يضحك مع ضيوفه الصحافيين لأنه كانت له رغبة في معرفة ما يجري في تلك الفترة، التي كانت لنا فيها ارتباطات كبيرة ومهمة جدا. الحسن الثاني لما بلغ إلى علمه بأنني ذهبت إلى الريف أرسل إلي مدير الأمن الغزاوي - وأنا حينما تكون القرارات على مستوى مدير الأمن أتعامل معها كصحافي، ولا أضعف أمامهم- فقلت له إنني ذهبت إلى الريف لمشاهدة ماء العين الحمراء، رفقة مصوري، وعدنا، فأرسل الحسن الثاني في أثري بقصره بمراكش، وقال لي: ضحكت على مدير الأمن. قلت له: كيف؟. قال لي: قلت له ذهبت إلى العين الحمراء. فقلت له: نعم. فقال لي: لدي معلومات عنك: كيف ذهبت، ومع من التقيت من جيش التحرير. قلت له: إذا كنت تعرف هذا احك لي أنت. فقال لي: أحكي لك. فحكي لي بالتفصيل رحلتي إلى الشمال، والأشخاص الذين قابلتهم، وقال لي إن الدكتور الخطيب هو من حدد لك الموعد وكيف قام بذلك. بمعنى أن المقاومين في الريف كانوا مخترقين. الجميع، حتى المقاومون، وهذه من عظمة الحسن الثاني. كما أرسلني مع الجيش الملكي لأعاين ما يقوم به في الشمال والريف، وقال لي: أنا أحترم الصحافي الذي لا يكشف مصادره. هو من علمني ألا أكشف مصادري. بالرغم من التجاوزات التي تعرضت لها تعترف بأن الحسن الثاني كان على حق. نعم، بعد ذلك أصبح الملك بعيدا عنا، وأخطر ما يمكن أن يقع للملوك هو حينما يبتعدون عن مصادر الخبر وعن شعوبهم، فذلك هو الخطر الأكبر. الحسن الثاني ابتعد كثيرا بحكم الظروف السياسية والاجتماعية، وفك الارتباط بما كان يقوم به في بداياته. ألم يعد يلتقي بالصحافيين؟ بدأ يعتبرهم أعداء أو منافسين له، وهذا مشكل الملك الحسن الثاني. في الكتاب تقول إن من الأخطاء التي قام بها الحسن الثاني منع الصحافي من إخبار الرأي العام. الواقع أن الحسن الثاني فُرض عليه حصار من طرف إدريس البصري من حيث الأخبار، ومن حيث المصادر، فعظمة إدريس البصري كانت في كونه استطاع فرض حصار على الملك وجعل كل الأخبار تمر عبره. هل كانت لديك مشكلة مع البصري؟ مشكلتي مع إدريس البصري تستحق خمس حلقات لأنه كان يعتقد جازما بأنني أتصل ليلا بالملك ونتسامر وأمده بالمعلومات. هذا ما كان في مخيلته.. وهل كنت تلتقي بالحسن الثاني؟ غير صحيح، البصري كان يمنع أي شخص من الاقتراب من الحسن الثاني.. سأحكي لك حكاية بسيطة.. تفضل في يوم ما كتبنا افتتاحية عن الجنرال مولاي حفيظ لما شاهدنا في التلفاز أن الملك استقبل مجموعة من الأشخاص، من بينهم تجار للحشيش مشهورون بالشمال استطاعوا أن يدخلوا القصر ويسلموا على الملك ويلتقطوا صورا معه وضعوها بعد ذلك على جدران بيوتهم. الافتتاحية كان عنوانها الله يرحم مولاي حفيظ لأنه لو كان على قيد الحياة لن يتركهم يسلمون على الملك! في اليوم نفسه الذي صدر فيه المقال استدعاني والي الرباط بنشمسي، وقال لي: لقد استدعاك وزير الداخلية. في ذلك الوقت حين تقابل وزير الداخلية كأنك تدخل الجحيم. بالفعل ذهبت، فقال لي: عندي لك رسالة من سيدنا مفادها ألا تتحدث مرة أخرى عن دار المخزن. كان معنا آنذاك مستشاره عثمان بوعبيد، وهو لا يزال حيا، وهو محام بالدار البيضاء. قلت له: سي إدريس، تقول لي دار المخزن. أنا لا أميز بين المخازنية والمخزون. فقال لي: المخازنية؟ قلت له: هم من يضربون الناس في الأسواق. قال لي: المخازنية شيء وأنا هو المخزن، وإذا أعدت الحديث عني سوف أربيك. فقلت له: البلاد الموجود بها أشخاص مثلك سأتركها، وغادرت الى حال سبيلي. في اليوم الموالي أصدر الوزير الأول عبد اللطيف الفيلالي قرارا بمنع جريدة "الأسبوع"، فاجتمعت نقابة الصحافة وشكلت وفدا وقصدت الوزير الأول، فقالوا له: أنت منعت هذه الجريدة؟. فقال لهم: أنا لم أمنع هذه الجريدة. قالوا له: القرار باسمك. فقال لهم: لست أنا من أصدر القرار. والحال أن الوزير الأول لم يكن على علم بقرار صدر باسمه. وهذا معناه أن إدريس البصري وقع قرارا باسم الوزير الأول ومنع إصدار جريدة "الأسبوع". توقفت الجريدة، وكان لي الوقت الكافي، فأتممت كتابي حول محمد الخامس في إطار المواد الأجنبية حول السيادة المغربية، وقبل أن أطبعه أرسلته إلى الحسن الثاني ليطلع عليه إن كانت له ملاحظات قد تسيء إلى علاقتي به، وقد سلمت الكتاب إلى الراحل الجنرال عبد الحق القادري ليسلمه إلى سيدنا. في المساء اتصل بي القادري وقال لي: لقد سلمته الكتاب وتفحصه، وقال: عجيب من ألف هذا الكتاب يقول إن البلد الموجود به الحسن الثاني سأغادره! فقال له الجنرال: كيف؟ قال إن إدريس البصري أخبره أنه لما تواصل مع مصطفى العلوي قال له إن البلد الموجود به الحسن الثاني سأغادره. معنى هذا أن البصري كان ينقل معلومات مغلوطة إلى الحسن الثاني؟ نعم، وهذا ما اكتشفته. لقد اكتشفت أن إدريس البصري يكذب لأنني تحدثت عنه هو، أي إدريس البصري، وهو حرّف الرسالة. هذا نموذج من علاقتي بإدريس البصري، وإن كانت هذه العلاقة تردت إلى درجة مراسلته مدير "سابريس" السي برادة يطلب منه فيها حساباتي بالأبناك ومداخلي ومخارجي وووو.. بمعنى أن إدريس البصري كان يحاربني. ولما استغنى عنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس وانتقل إلى فرنسا، كنت حينها أتجول في باريس، فرن هاتفي وكان المخاطب هو إدريس البصري، فقال لي: أنا أتتبعك وأراقبك. أنت الآن بباريس. فدعاني إلى الغداء. دخلت إلى منزله على الساعة الواحدة ولم أغادره إلا على الساعة السادسة.. وماذا حكى لك خلال هذا اللقاء؟ طول هذه المدة كان يؤكد لي ويعطيني تفاصيل عن أشياء كان يريد أن يوصلها إلي. كانت قد تبقت على وفاته ستة أشهر. وقد قدم لي جزئيات بما يؤاخذه علي الرأي العام، وأنه نفسه كان مظلوما. لما هممت بمغادرة المنزل، قال لي: كلمة شرف أن لا يعلم أحد بما قلته لك. فأعطيته كلمة الشرف، ولم أنشر محتوى حديثي معه إلى حد الآن.