تعيينات جديدة في المناصب الأمنية بعدد من المدن المغربية منها سلا وسيدي يحيى الغرب    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    وزارة الصحة تطلق "رعاية" لتوفير الدعم الصحي بالمناطق المتضررة من البرد    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    أشرف حكيمي يجدد عقده مع باريس سان جرمان حتى 2029    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    بتعليمات سامية من جلالة الملك ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    ولد الرشيد: رهان المساواة يستوجب اعتماد مقاربة متجددة ضامنة لالتقائية الأبعاد التنموية والحقوقية والسياسية    مواجهات نارية.. نتائج قرعة ربع نهائي دوري الأمم الأوروبية    بعد الإكوادور، بنما تدق مسمارا آخر في نعش الأطروحة الانفصالية بأميركا اللاتينية    المنتخب الليبي ينسحب من نهائيات "شان 2025"    مجلس المنافسة يغرم شركة الأدوية الأمريكية "فياتريس"    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    التنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب تدعو الزملاء الصحافيين المهنيين والمنتسبين للتوجه إلى ملعب "العربي الزاولي" لأداء واجبهم المهني    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    بتعليمات من الملك محمد السادس: ولي العهد مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء        تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    أسباب الفيتو الأمريكي ضد مشروع قرار وقف الحرب!    تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم "داعش" بالساحل في إطار العمليات الأمنية المشتركة بين الأجهزة المغربية والاسبانية (المكتب المركزي للأبحاث القضائية)    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    أداء سلبي في تداولات بورصة البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    زنيبر يبرز الجهود التي تبذلها الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان لإصلاح النظام الأساسي للمجلس    وهبي: مهنة المحاماة تواجهها الكثير من التحديات    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    دفاع الناصري يثير تساؤلات بشأن مصداقية رواية "اسكوبار" عن حفل زفافه مع الفنانة لطيفة رأفت    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !        تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشبال: هكذا أطلق الملك الحسن الثاني سراح جمال الدين بنعمر
نشر في هسبريس يوم 04 - 06 - 2018

تستضيف هسبريس، من خلال هذه السلسلة من الحوارات، المعتقل السياسي السابق محمد الأمين مشبال، الذي حكم عليه ب20 سنة، في إطار محاكمة الدار البيضاء لسنة 1977، التي حوكم فيها 139 من النشطاء السياسيين المنتمين إلى تنظيمات ماركسية لينينية، كانت تروم تغيير النظام القائم بالعنف، وإقامة نظام جمهوري على غرار أنظمة "الديمقراطيات الشعبية"، التي كانت قائمة في أوروبا الشرقية وبلدان أخرى من قبيل كوبا والفيتنام.
في هذه الحلقات يحكي محمد الأمين مشبال تجربة استغرقت 14 سنة، ابتداء من خطواته في منظمة "إلى الأمام"، مرورا بتجربة التعذيب والانهيارات في المعتقل الرهيب مولاي الشريف والمحاكمة، وصولا إلى الصراعات السياسية داخل السجن، وتفاصيل الحياة اليومية داخل أسوار السجن.
وبقدر ما تنقل لنا هذه الحلقات حجم المعاناة الإنسانية، فهي في الآن نفسه تكشف جوانب مهمة من تاريخ المغرب الراهن، ما زالت في حاجة إلى البحث والتمحيص.
إذن بعد قرارات الطرد والانسحابات هل خفتت حدة الصراعات السياسية وعاد الهدوء إلى مجموعتكم؟
خفتت الصراعات السياسية في الواجهة ،لكن المجموعة أصبحت مشتتة سياسيا ،ومع بلوغ نبأ قدوم لجنة برلمانية في شهر مايو 1980لاستطلاع مواقف المعتقلين السياسيين بالقنيطرة وجس نبضهم السياسي حتى عاد الغليان مجددا، واشتد الخلاف حول تركيبة لجنة المفاوضات وفحوى المواقف التي ينبغي التعبير عنها .لكنه بعد مشاداة كلامية وتجاذبات تم التوافق على أن يكون المشتري ضمن اللجنة باعتباره ممثلا لتيار أو وجهة نظر داخل المجموعة .وكان المفروض أن يسلم وثيقة صاغها عبد الله المنصوري وقعناها نحن العشرة وانضاف إليها المرحوم عبد السلام المودن ومصطفى كمال.
ماذا كانت المواقف المعبر عنها في تلك الارضية؟
قدمت تلك الوثيقة تحليلا مسهبا لتطور الأوضاع السياسية بالمغرب منذ السبعينيات ،وخلصت إلى كون سعي قوى الظلام إلى إقبار الحريات العامة كان سببا رئيسا في النزوع نحو التطرف والمغامرة والعمل السري ..الخ.ودعت الوثيقة في الختام إلى معالجة ملف المعتقلين السياسيين من منظور وطني وفي إطار المصالحة الوطنية والتوافق الوطني.
لكن للأسف لم يقدم المشتري تلك الأرضية ولم يعطنا أي تفسير لتراجعه عن ذلك..لكن النقطة التي أفاضت الكأس وستشكل نهاية قاسية لنا كمجموعة العشرة ستأتي أسابيع قليلة بعد ذلك.
كيف ذلك ؟
حصل يونس مجاهد الذي كان له دور مهم من خلال خطيبته آنذاك أمينة بوعياش، التي كانت تضطلع بدور مهم في الاتصال بفتح الله ولعلو وأطر قيادية داخل الاتحاد الاشتراكي والكنفدرالية لتبليغ وجهة نظرنا وشرحها،على نسخة من بيان العشرة طبعها وعممها حزب التقدم والاشتراكية ،يتضمن مقدمة للمشتري والمنصوري تفيد بأنهما أصدرا البيان وبأن العناصر الثمانية المتبقية وقعت عليه لاحقا ،بما يوحي ويعني ضمنيا وجود علاقة زعماء بأتباع.
لكنك ذكرت سابقا أن المشتري بلعباس هو من صاغ بيان العشرة؟
نعم ذكرت ذلك وتلك حقيقة تاريخية لا ينازعها أي أحد.فالمشتري بذل مجهودا كبيرا في صياغة ذلك البيان ،لكن كانت هناك مساهمات غنية في نقاش وإثراء مضامينه من طرف عزوز لعريش وأمناي ابراهيم والطريبق وآخرون. وكما هو معلوم لما يتم تبني وثيقة معينة تصبح تمثل وتنتسب لجميع موقعيها.
أضف ألى ذلك لا احد داخل مجموعة العشرة كان ينازع في تمثيلية المشتري والمنصوري لنا بحكم تاريخهما النضالي ورصيدهما السياسي والثقافي ومسؤوليتهما القيادية (سابقا) في المنظمة. لكن ماحز في نفسي وفي نفس باقي الرفاق في المجموعة هو محاولة تكريس علاقات الزعامة بمعناها الفوقي والقدحي .
نتيجة لذلك تشتت مجموعة العشرة التي كان بإمكانها أن تقوم بأشياء إيجابية كثيرة داخل السجن أو بعده، كما أدت إلى فقداني صداقة عبد الله المنصوري الذي لازلت احتفظ عنه بذكريات جميلة رغم ظروف النضال القاسية في تطوان وفاس وزنازن فاس والسجن المركزي.
على أية حال كان صيف 1980لا يزال يحبل بالمزيد من خيبات الأمل.
كيف ذلك؟
حملت النسمات الأولى لفصل الصيف معها أنباءا أنعشت في نفوسنا الأمل بالحرية والتفاؤل بالغد الجميل. فقد أذاع "راديو فرنسا الدولي" خبرا لمراسلته فريدة موحا عن قرب الإفراج عن المعتقلين السياسيين بالمغرب، كما أكدت صحيفة "لوموند" الفرنسية الخبر نفسه. صرنا نتطلع بفارغ الصبر إلى ما تحمله الأيام القليلة القادمة من تطورات، وبدأت عائلات المعتقلين تتجمع بباب السجن منتظرة اللحظة التي ستفتح الأبواب على مصراعيها ويخرج المعتقلون واحدا تلو الآخر.
خلال إحدى الزيارات أخبرني أخي عبد اللطيف بأن المرحومة والدتي شرعت في تهييئ الحلويات لاستقبالي واستقبال مئات الأصدقاء والأقارب الذين سيحضرون لتقديم التهاني.
وفعلاعرف يوم 18 من شهر يوليوز، انطلاقة عملية الإفراج عن عشرات المناضلين الاتحاديين المحكومين بسنوات طوال :عشرون سنة وثلاثون سنة والمؤبد وحكم واحد بالإعدام، باستثناء الأطلسي والخياري (وهما ينتسبان إلى مجموعات الاتحاديين الذين اعتقلوا سواء في الستينات أو السبعينات، الأول حوكم بتهمة محاولة اغتيال الحسن الثاني لما كان وليا للعهد، والثاني بتهمة قتل المناضل الذي كان شاهدا ضد المناضلين الاتحاديين خلال محاكمة سنة 1970.)
في اليوم الموالي استفاد من العفو الملكي معتقلون من محاكمة البيضاء لسنة 1973 من ضمنهم عبد اللطيف اللعبي وبعض الرفاق الذين حوكموا معنا بالبيضاء سنة 1977، من بينهم رشيد الفكاك الذي كان محكوما بثلاثين سنة، محمد البكراوي المحكوم بعشرين سنة، جمال الدين الشيشاوي وأحمد حسني المحكومين بعشر سنوات... إلخ.
بدأ حلمنا يتحول إلى حقيقة ولكني لم أنتظر أن ينادي علي حارس السجن، بل جمعت ملابسي وكتبي مثل باقي الرفاق، وتبادلنا عناوين منازلنا وأرقام هواتف أسرنا.
قضيت ليلتي فوق فراش ملتهب، حلقت بخيالي فوق سماء تطوان وفي المستقبل، أتصور صعوبات الحياة القادمة؛ العمل.. المصاريف المختلفة.. المسار الجديد لحياتي القادمة.. لكني أشجع نفسي وأقول في شيء من الارتياح:
إن الذي عاش شبح الاعتقال وعضته أنياب الزنازن الباردة، وأدرك قيمة الأشياء وناقشها في أعمق نقطة من القلب بنار الجرح، لن ترهبه أو تقف في طريقه مصاعب الحياة اليومية بتعقيداتها وتشابكاتها.
صباح اليوم الموالي نهضت باكرا حتى قبل أن تفتح الزنازن.ارتديت ملابسي وما لبثت أن خرجت لساحة السجن وبقيت أتجول مع باقي الرفاق في انتظار المناداة علينا.تقاطرت العائلات فرحة باليوم الموعود.وغربت الشمس دون أي جديد.
اتجهت نحو الشاف حسن رئيس الحرس ..طلبت منه أن يغلق علي باب الزنزانة لأخلو بنفسي .مضغت بصعوبة لقمة من الخبر مع قطعة جبنة..أعدت شريط الأيام الماضية .أدركت أن قطار الحرية قد فات وما علي سوى الانتظار وصبر أيوب ..أخرجت الراديو الصغير ..جاءني صوت بلخياط يغني "قطار الحياة.".هممت بان أنقر على جدران الزنزانة اللصيقة بي للرفيق مسلك حسن كلما كانت هناك أغنية جميلة .تذكرت بأن زنزانته أضحت فارغة لأنه كان من المحظوظين الذين غادرونا.نزلت دمعتان ساخنتان..أطفأت الضوء واستدعيت بعض الخيالات الوردية عساها تساعد جسدي وروحي المتعبة على النوم.
إذن بعد انفجار التنظيمات وتفكك مجموعة العشرة وخروج دفعة صغيرة من مجموعتكم كيف أصبحت الحياة المشتركة داخل السجن؟
بعد انقضاء أيام في غاية التعاسة ،بدأت استرجع معنوياتي والتكيف مع الواقع بانتظار الذي يأتي ولا يأتي. وكانت البداية الاتفاق مع أحمد حرزني ومويس ابراهيم على التعاون في توفير المقرر لنتابع الدراسة للحصول على الإجازة في علم الاجتماع وهو ما سنتمكن منه صيف 1983.وقد كانت تجربة جميلة جعلتني أقترب وأتعرف أكثر على أحمد حرزني (الذي كان محكوما ب15 سنة سجنا في محاكمة البيضاء 1973)،حيث اكتشفت جوانب المرح في شخصيته وكذا ثقافته الواسعة وهدوءه العجيب.
كما استغلت عرض ادريس بيوسف الركاب (الذي كان أستاذا للأدب الاسباني بكلية الآداب بالرباط)،وكمال مصطفى (الذي كان أستاذا للانجليزية ) لتدريس الرفاق الراغبين في تعلم الاسبانية والانجليزية ،
فانضممت لحصصهما التي استمرت زهاء سنة كاملة واستفدت منها الشيئ الكثير.
ماذا جرى بعد الانفراج الجزئي لصيف 1980،هل دخل ملف الاعتقال السياسي طي النسيان؟
نعم نوعا ما لان الظرف السياسي تغير بسرعة.فلقد عاش المغرب أحداثا دامية بعد الدعوة للإضراب العام الذي دعت إليه الكنفدرالية الديمقراطية للشغل في يونيو 1981 بدعم من الاتحاد الاشتراكي.نتيجة لذلك تم الزج في السجون بمئات المتظاهرين وعشرات المناضلين النقابيين والاتحاديين.ومما زاد الوضع السياسي بالبلاد تأزما إقدام النظام على اعتقال الزعيم الراحل عبد الرحيم بوعبيد رفقة أعضاء من المكتب السياسي ،وذلك إثر بلاغ للمكتب السياسي لحزب الوردة في 5 شتمبر ،عبر فيه عن معارضته لفكرة الاستفتاء في الصحراء المغربية التي وافق عليها المغرب في مؤتمر نيروبي.وأكد فيه الحزب"أنه ينبغي العودة إلى الأمة عن طريق الاستفتاء فيما يخص السيادة الترابية".
لكن رغم الوضع السياسي المحتقن بدأت النقاشات ما بين المعتقلين حول سبل إسماع صوتنا عسى أن يساعد ذلك على إيجاد حل لوضعيتنا.وتمخض عن تلك النقاشات
اضرابان محدودان عن الطعام، الأول في شهر يونيو والثاني في دجنبر من سنه 1982، كما بعثت رسائل إلى البرلمان و الأحزاب السياسية تطالبها باتخاذ موقف ايجابي وتضامني. فباستثناء بعض الصحف التي نشرت البيانات أو ملخصا لها "كالبلاغ المغربي" و "أنوال" و"البيان" فإن الموضوع لم يحقق أي صدى لدى الطبقة السياسية المغربية.
. بهذين الاضرابين عن الطعام سيوضع حد لأية محاولة جماعية تناضل من أجل استرجاع الحرية، كان اليأس من جدوى تحرك المعتقلين السياسيين بمفردهم وبمعزل عن تضامن المجتمع المدني أو الطبقة السياسية المغربية قد استقر بذواتنا وتمكن منها.
إضافة إلى ذلك حوربت الدعوة نفسها من طرف كثيرين مما جعل عدد المشاركين يتقلص من أربعين إلى ثلاثة وثلاثين في المرة الثانية.
في مقابل ذلك، فان الجهات الرئيسية ، و التي تتبنى قضية الاعتقال السياسي "لجان مناهضة القمع بالمغرب"، لم تكن نائية في منطلقاتها السياسية عن اللوبيات المناهضة للمغرب في قضية وحدته الترابية. وكانت تسعى إلى إيهام الرأي العام بأن معتقلي سجن القنيطرة مازالوا ملتفين بالتنظيمات اليسارية وأطاريحها، فلجان "مناهضة القمع بالمغرب" على سبيل المثال، أسست خلال تلك المرحلة ثلاث لجان للتضامن مع أشخاص بعينهم فقط، لجنة السرفاتي، لجنة أسيدون، لجنة عبد اللطيف اللعبي. بينما لم يتم تأسيس لجنة خاصة مثلا لدعم المرحومين البوحسن أو الفصاص اللذان عانيا من اختلال عقلي وظروف عائلية مزرية.
من المعلوم أن السرفاتي و أسيدون مغربيان من أصل يهودي، و زوجة عبد اللطيف اللعبي أيضا فرنسية، هذا التماثل طالما جعلني أتساءل في حيرة: هل كان ذلك الاختيار مجرد مصادفة؟. أم إنه يعود لاعتبارات سياسية مرتبطة ب "الزعامات التاريخية"؟. أم محاولة لكسب تعاطف أوساط من الانتلجنسيا الفرنسية؟ من حيث الموضوعية و الأمانة لا يمكنني الجزم في هذه النقطة، لكن ما هو يقيني يكمن في ازدواجية سلوك تلك الزعامات،
ففي الوقت الذي كانت ترفض فيه أي حل وطني داخلي لمشكل الاعتقال السياسي وتتهم الأحزاب المغربية بما فيها المعارضة آنذاك بأنها "متخاذلة "ومتواطئة"، فإنها تعتمد ضغوط وتدخلات اللوبيات والشخصيات الأجنبية لفائدتها بالدرجة الأولى، ولمريديها بدرجة ثانية.ولعل ابرز مثال على ذلك ماجرى خلال زيارة الملك الراحل الحسن الثاني إلى فرنسا سنة 1985.
ففي حفل عشاء أقيم على شرفه،قدمت له دانييل ميتران (زوجة الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران)لائحة أعدتها الراحلة كريستين جوفان زوجة ابراهام السرفاتي ،تضم زعماء التيار اليسراوي أذكر من ضمن تلك الأسماء :السرفاتي ،أحمد بناصر،ادريس بنزكري،عبد الله الحريف ،وأضاف السرفاتي وأصحابه كل من زعزاع عبد الله وادريس بيوسف الركاب لان هذان الأخيران كانا آنذاك متزوجان من فرنسيات.وكان الملك الراحل قد أعطى موافقته المبدئية على إصدار عفوه عن الموجودين في تلك اللائحة بعد اطلاعه عليها ،لكنه غير رأيه لاحقا.
لكن تجدر الإشارة إلى أن المعتقل السياسي الوحيد الذي تم إطلاق سراحه بفضل تدخل شخصية أجنبية وبشكل فردي كان هو جمال الدين بنعمر.
كيف استفاد جمال الدين بنعمر من العفو الملكي ؟
صباح يوم 23 نونبر 1983 لم يكن عاديا ولم يشبه صباحا آخر بالسجن المركزي بالقنيطرة. ففي الساعة العاشرة نودي على جمال الدين بنعمر. أخبرنا الحراس أن الإدارة توصلت بقرار الإفراج عنه بعد أن كان من المفترض أن يغادر السجن في اليوم التاسع من يناير سنة 1983.
كانت المفاجأة مذهلة لأنه لم يسبق في تاريخ الاعتقال السياسي أن أفرج عن فرد واحد من مجموعة ما، وفي وقت لاحق سنعلم أن إدغار فور أحد الأساتذة الفرنسيين ممن يحظون بتقدير خاص من الملك الراحل الحسن الثاني تدخل لفائدته وتوسط له بالعفو.
*تعليق الصورة: رفقة عزيز الطريبق على اليمين وجمال بنعمر في االوسط في صيف 2005 بعد دخوله المغرب أول مرة وذلك لحضور جنازة والدته
كيف تقبلت الإفراج عن جمال الدين بنعمر؟
أسعدني النبأ كثيرا وأشعرني بالغبطة، فجمال بنعمر جمعتني به هو ويونس مجاهد والمرحوم حسن الدحمان وشائج صداقة طيبة إضافة إلى عملنا في النشاط السري بقطاع التلاميذ في تطوان. وبعد عودتنا من سجن الشاون في أبريل 1979 سينضم إلى التيار المعارض لنهج "إلى الأمام" وسيصبح من ضمن موقعي بيان العشرة الذي أعلن القطيعة مع تجربة اليسار المتطرف. لكنه إثر التصدع الذي حدث في مجموعة العشرة فضل عدم الخوض في أي صراع سياسي أو نسج علاقات بحزب "الاتحاد الاشتراكي"، مثلما هو الشأن بالنسبة إلي وإلى عبد العزيز الطريبق ويونس مجاهد وعزوز لعريش.
وبعد خروجه من السجن بمدة وجيزة صادف بتطوان، وبمدن مغربية أخرى أحداث يناير 1984 الدامية التي سقط على إثرها قتلى وجرحى بعد تدخل قوات الأمن، وسعت الدولة آنذاك إلى تعليق مسؤولية تلك الأحداث التي كان منطلقها ظروف التهميش والحرمان على مشجب أقصى اليسار الذي لم يعد له أدنى تأثير في الساحة بعد أن فككت أطرافه الآلة الجهنمية للمعتقل السري درب مولاي الشريف.
إثر ذلك، قامت الأجهزة الأمنية بحملة اعتقالات على الصعيد الوطني، شملت عشرات المناضلين اليساريين الذين سبق لمعظمهم أن قضوا فترات متفاوتة رهن الاعتقال، ومنهم أيضا من استفاد من العفو الملكي، وفي ذلك السياق تم إلقاء القبض على جمال الدين بنعمر بتطوان رفقة مناضلين آخرين كانوا على صلة بتنظيم "إلى الأمام" في مراحل معينة من حياتهم مثلما هو الشأن لأحمد الطريبق وأحمد حسني وغيرهما.
قضى جمال بنعمر رفقة آخرين زهاء أسبوعين في أقبية مخفر "عين خباز" بتطوان في ظروف مزرية، وهناك أقسم علانية أنه لن يسمح بتكرار تجربة اعتقاله التعسفي الأخير. وفعلا، حقق ما كان يصبو إليه، إذ بعد ذلك تمكن جمال الدين بنعمر من مغادرة المغرب سرا ليبدأ مسيرة متألقة في ميدان المعارضة الحقوقية، خصوصا أن صديقة إنجليزية فتحت له أبواب "منظمة العفو الدولية"، مما سيجعله يقيم "بلندن" حيث سيصعد هرم المنظمة.
وسيغادرها بدورها في نهاية الثمانينات، ليتوجه إلى "نيوريورك" حيث سيعمل بجانب الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في مجال حقوق الإنسان، ثم يستقر أخيرا بجنيف ممثلا للولاية المتحدة الأمريكية في اللجنة الدولية لحقوق الإنسان قبل أن يستقر أخيرا ب "نيوريورك" حيث سيعمل مستشارا لدى الأمين العام للأمم المتحدة، ورغم العديد من الاتصالات السرية التي جرت معه للعودة إلى المغرب أو حتى في صورة سائح فإنه ظل يرفض دوما هذا الطلب حتى توفيت المرحومة والدته فجاء لتطوان لحضور مراسيم جنازتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.