عادت قضية عزم الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، على الترشح لولاية رئاسية خامسة، استجابة لدعوات تلقاها من الموالين له، إلى واجهة النقاش السياسي بالجارة الشرقية، بعد توجيه 14 شخصية وطنية في الجزائر رسالة إلى بوتفليقة تُطالبه بعدم الترشح لأن ذلك "سيرهن مصير البلاد ويدخلها في دوامة كبرى". وبرر الموقّعون مناشدتهم إلى الرئيس بالقول: "إنّ ذلك أملته أوضاعكم الصحية التي لم تعد تسمح لكم باستقبال المواطنين الجزائريين"، وأضافوا: "ندعوكم إلى اتخاذ القرار الوحيد الذي يمكنه أن يفتح حقبة جديدة للبلاد، حيث توضع المصلحة العامة فوق مصلحة الأشخاص: ألا وهو تخلّيكم عن العهدة الخامسة". ونبه الموقعون بوتفليقة إلى وجود "قوى خبيثة تتحرك لدفعكم نحو طريق العهدة الخامسة"، معتبرين أن الخطوة تعد انتحاراً وبمثابة خطأ جسيم قد يقترفه الرجل المريض على كرسيه. وأضافت الرسالة: "سنكم المتقدمة وحالتكم الصحية تدعوانكم للاعتناء بنفسكم والتخلي عن حمل العبء الثقيل لشؤون الدولة، ولا شك أن عهدة أخرى ستكون محنة لكم وللبلاد". ومن بين هذه الشخصيات، أسماء فاعلة في المعارضة، على غرار رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، ورئيس "حزب جيل جديد" جيلالي سفيان، ورئيسة "الاتحاد من أجل العدالة والرقي" زوبيدة عسول. كما ورد من بين الموقعين، اسم الكاتب الجزائري (الفرنكوفوني) محمد مولسهول، المعروف ب"ياسمينة خضرا"، والكاتب الصحافي المعروف سعد بوعقبة، والناشطة السياسية أميرة بوراوي. وأصبح ظهور بوتفليقة، البالغ من العمر 81 عاماً، نادراً منذ إصابته بجلطة دماغية عام 2013 أقعدته على كرسي متحرك، وأثرت على قدرته في الكلام، لكن ذلك لم يمنعه من الترشح العام التالي لولاية رابعة والفوز بها دون أن يقوم بحملة انتخابية. ويظهر بوتفليقة، بين الفينة والأخرى، في صور باتت تحرج الجزائريين أمام العالم، خصوصا وأن الرجل لم يعد قادراً على الحديث أمام ضيوفه أو حتى التلويح بالإشارة، بسبب وضعه الصحي الحرج. وكان حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم ناشد الرئيس الجزائري مرات عدة للاستمرار في الحكم والترشح لولاية خامسة، وكذلك فعل حليفه في السلطة التجمع الوطني الديمقراطي، إلا أن بوتفليقة لم يعلن رسمياً نيته الترشح. الموساوي العجلاوي، المحلل السياسي الخبير في الشؤون الإفريقية، اعتبر أن الدعوات المتكررة التي تصدر عن هيئات سياسية وشخصيات مدنية معروفة تعكس أزمة النظام الجزائري في بناء دولة ما بعد الاستقلال"، مشيرا إلى أن النظام الجزائري اليوم في ورطة كبيرة بسبب تحكم المخابرات الجزائرية في بوتفليقة، و"هو الأمر الذي يرهن أفق البلاد ما بين العهدة الخامسة، وهي أقل الأضرار، أو أن بوتفليقة لن يترشح، وبالتالي إعلان الصراع رسمياً بين مكونات في الرئاسة الجزائرية والجيش". ويرى العجلاوي، ضمن تصريح لهسبريس، أنه في حالة عدم ترشح بوتفليقة لولاية خامسة "ستحسم الرئاسة بالسلاح والمواجهات نظراً لعدم وضوح رؤية من هو الطرف الأقوى؛ يعني أن الجيش سيكون مطالبا بالتدخل إما بانقلاب عسكري أو البحث عن واجهة سياسية متوافق عليها، وهي غير موجودة الآن". وحول انعكاسات هذا الصراع على المغرب، خصوصا قضية الصحراء، قال العجلاوي إن هذا الملف بيد الجيش الجزائري ويُوظفه من أجل إضعاف الطرف الرئاسي داخل البلاد، ولفت إلى أن رسالة الشخصيات الوطنية ال 14 في الجزائر إلى بوتفليقة "تعد صرخة شعبية تعكس التخوفات التي يُمكن أن تلحق بالبلاد مستقبلاً". وأشار الخبير في الشؤون الإفريقية إلى أن الجيش الجزائري مستمر في تحكمه في ملف الصحراء المغربية، "لأن القضية الوطنية تعد منفذاً وحيداً لهذه القوة العسكرية للتحكم في السلطة داخل الجزائر عبر إشهار ورقة الحرب مع المغرب واعتبار أن البلاد مهددة في أي لحظة". "جميع المؤشرات توحي بأن هناك قلقاً خطيراً داخل النظام الجزائري لأنه نظام مغلق وغير منتج، ولتجاوز هذه الفترة لا بد أن تمر الجزائر من أزمات وتقدم ضحايا جُدد، غير أن وقت وقوع المفاجأة لا أحد يعلمه، يُمكن اليوم أو العام المقبل، تزامناً مع موعد الرئاسيات"، يورد الأستاذ الجامعي الموساوي العجلاوي.