على مدى عام من محاكمة معتقلي حراك الريف بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، شهدت الجلسات الماراطونية مناوشات ومشادات تارة، وتارة أخرى احتجاجات أوقفت أطوار المحاكمة في أكثر من مرة. كان ترحيل المعتقلين البالغ عددهم 54 ناشطا، إلى جانب أربعة آخرين متابعين في حالة سراح مؤقت، من مدينة الحسيمة إلى العاصمة الاقتصادية، بداية الشد والجذب بين النشطاء وأسرهم والسلطات، إذ اعتبروا أن هذه الخطوة محاولة للتفرقة بينهم، خاصة أنها ستكلف العائلات التنقل لمسافة تزيد هن 600 كلم لمواكبة أطوار المحاكمة. وعرفت المحاكمة، في بدايتها، انتفاضة الأسر أمام السجن المحلي بعين السبع، حيث يقبع المعتقلون، إذ قادت احتجاجات أسبوعية، مرددة شعارات تطالب بحرية أبنائها. وبدأت حرارة المحاكمة ترتفع حين دخل المعتقلون في إضراب عن الطعام للمطالبة بالإفراج الفوري عنهم والاستجابة لمطالبهم الاجتماعية، إذ قاد ربيع الأبلق إضرابا مطولا، أثر على وضعه الصحي ودفع إلى تدخل وساطات لثنيه عنه، لينضاف إلى ذلك إقدام المحكمة على صباغة القفص الزجاجي الذي يوضع فيه المعتقلون حتى لا يتم التواصل بينهم وأسرهم، وذلك بعد رفعهم شعارات مدوية في الجلسات الأولى. وحاول العشرات من المحامين الذين يؤازرون معتقلي الحراك، خلال تقديمهم الطلبات الأولية، الدفع بضرورة منحهم السراح، كما طالبوا بحضور رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، على اعتبار أنه كان وراء ما اندلع من أحداث بمدينة الحسيمة. وخلفت المحاكمة المثيرة تورط المحامي المعروف بخرجاته غير الموزونة إسحاق شارية، حين كشف أن قائد حراك الريف ناصر الزفزافي أخبره بكون إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، حرضه على التآمر ضد الملك؛ وهو ما نفاه المعتقل، ليتم فتح تحقيق معمق من طرف النيابة العامة. حميد المهداوي، مدير موقع "بديل"، الذي يتابع في الملف نفسه بعد ضمه إلى المعتقلين، رفع من حرارة المحاكمة، إذ ندد باستمرار اعتقاله، على اعتبار أن المكالمات الهاتفية التي تمت بينه والمسمى نور الدين البوعزاتي، والتي يتابع على إثرها بعدم التبليغ عن جريمة تهديد سلامة أمن الدولة، "تم برتها، وما تحدث عنه البوعزاتي يظهر أنه حمق ولا يمكن التبليغ عنه". وتميزت أطوار المحاكمة التي بلغت مرحلة الاستماع إلى الشهود باحتجاجات داخل القاعة من طرف المعتقلين، خاصة خلال عرض الهيئة التي يرأسها القاضي علي الطرشي صورا للمجاهد الريفي عبد الكريم الخطابي، إذ اعتبروا أن الأمر يتعلق بمحاكمة لتاريخ الريف ورموزه. وكان نشر "فيديو" يظهر فيه قائد حراك الريف شبه عار من أبرز الوقائع التي شهدتها أطوار المحاكمة، إذ اعتبره الزفزافي "إهانة"، مستغربا عدم التحقيق في الواقعة، وقال: "النيابة العامة لا تريد أن تنصفني، لذا سألجأ إلى ملك البلاد، لأن لا حق لهم في نشر صوري عاريا". وبلغت المحاكمة التي تعرف مواكبة إعلامية وحضورا كبيرا من طرف أسر المعتقلين والحقوقيين والصحافيين ومختلف العناصر الأمنية مرحلة الاستماع إلى الشهود بعد استنطاق جميع المتهمين، إذ بدأت الهيئة بالاستماع إلى الشرطي فارس صفوان، الذي قدم شهادة مؤثرة أمام القاضي الطرشي، كانت ممزوجة بالبكاء، إذ تحدث عن كونه تلقى تعليمات من المصالح التي يشتغل بها بالتوجه إلى حي سيدي عابد، حيث يوجد ناصر الزفزافي، ليجد رفقة الأمنيين الآخرين العديد من المواطنين، مشيرا إلى أنه أصيب بحجر على مستوى الرأس فلم يفق إلا وهو داخل المستشفى. ولم تخل هذه المحاكمة من مشاهد أثارت انتباه الحاضرين، خاصة التقارب بين أسر المعتقلين الذي فرضه التنقل بين الحسيمة والدار البيضاء، وكذا ربط علاقات بين الأسر وبعض الحقوقيين على مستوى العاصمة الاقتصادية، والذين يتكلفون بتقديم الدعم. كما شهدت المحاكمة حضور عدد من الشخصيات لمواكبة أطوارها، وعلى رأسهم نور الدين عيوش، رجل الأعمال والإشهار الذي كان قد دخل في مفاوضات من أجل طي هذا الملف، وكذا الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، ثم الناطق الرسمي باسم منظمة هيومن رايتس ووتش، إلى جانب مسؤولين أجانب.