ظلت فكرة ازدياد النفقات ملازمة لشهر رمضان؛ إذ لا يكاد يخلو أي حديث حول اقترابه من شبح المصاريف التي تهدد قضاء المغاربة لشهرهم دون منغصات مادية، مرتبطة بوجبات الإفطار المستنزفة لجيوب المستهلكين المتضررين من نار الغلاء والزيادات التي تطال مجموعة من المواد الغذائية الأساسية. هسبريس استقت العديد من آراء المواطنين بخصوص النفقات خلال شهر رمضان، في يومه الأول، أجمعت أغلبها على ازدياد النفقات بشكل كبير، بسبب "شهية الصائم"، التي تفرض على المواطنين اللهث وراء المأكولات والمشروبات بمختلف أنواعها وأثمنتها. وتختار الأسر المغربية استقبال رمضان بحفاوة كبيرة. فإلى جانب الاستعدادات الروحية، تَعْمَدُ العائلات إلى اقتناء مجموعة من الأغراض الشخصية التي تزيد في أحيان كثيرة عن اللزوم، لتسقط في الإفراط، قصد تلبية رغبات ذاتية ترتبط في مجملها بالكماليات. تطبيع رمضان أكد بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك، أنه وجب تطبيع العلاقة مع شهر رمضان إسوة بجميع شهور السنة، على غرار ما يجري بالدول الآسيوية التي لا تتغير فيها سوى العادات الدينية، وتحتفظ بنمطها الغذائي العادي، دون تبذير أو إسراف. وقال الخراطي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، "المغاربة مطالبون بتخصيص شهر رمضان للعبادة بدل التخمة وإشباع البطن، التي أصبحت العملة الرائجة خلال هذا الشهر طوال السنين الماضية"، مشيرا إلى أن العديد من المواطنين يتوجهون إلى مختلف العيادات والمستشفيات جراء هذا الإفراط في الاستهلاك". وسجل المتحدث وجود "عوامل عدة تتحكم في الإنفاق الزائد عن اللزوم، يتقدمها الإشهار، ثم تحايل الباعة الذين يخرجون كل سلعهم إلى جنبات المحلات لإثارة شهية الصائم، وكذا تأثيرات المجتمع، خصوصا في الأحياء الشعبية التي يكثر فيها التسوق الجماعي حيث يصبح الاقتناء عنصر تباهٍ بين العائلات". ويرى رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك أنه "من غير المعقول أن يَمُرَّ الإنسان في الساعات الموالية للإفطار ويجد القمامة مليئة إلى حد الانفجار، بسبب رمي الناس لبقايا الطعام وغيرها من المشتريات، وهو الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العائلي". وعن الحلول الكفيلة بوضع حد للمشكل، قال الخراطي: "في ظل غياب ترسانة قانونية، وجب تعزيز قيم التربية على حسن الاستهلاك من خلال الاشتغال مع المدرسة، والمجتمع، والإعلام الذي يلعب دورا كبيرا في ما يحصل الآن، خصوصا المرئي منه، حيث يتم الإكثار من الإشهارات في فترة الإفطار؛ ما يجعل المواطن ضحية للعمل الإشهاري المتوالي". عادات قديمة من جهته، سجل علي الشعباني، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس، أن "كثرة الاستهلاك والإنفاق عادة قديمة لدى المغاربة، مرتبطة بالحفاوة والاحتفال والتميز، لكن المشكل الحاصل في الوقت الراهن هو ارتباطها بالجوع والأكل؛ ما يجعل المرء يكثر من مقتنياته خلال رمضان بشكل كبير، خصوصا في السنوات القليلة الماضية". وقال الشعباني، في تصريح لهسبريس، إن "ظاهرة الإنفاق مرتبطة بفضاءات المدينة، بعد تسلسل العديد من العادات الغذائية السيئة إليها. أما على مستوى البوادي، فنمط الاستهلاك يكاد يكون ضعيفا، لكن في ظل الواقع المعاش حاليا، سيكون من الصعب الحديث عن الإسراف، نظرا لتضرر جميع الشرائح الاجتماعية". وتوقع الأستاذ الجامعي أن "تعود الأمور إلى نصابها في الأيام القليلة المقبلة، لأن المغاربة أبانوا أنهم استوعبوا بشكل جيد أن هناك أيادٍ تحاول الإبقاء على نمط استهلاك منحرف خلال رمضان لتحقيق هامش أرباح كبير، على حساب جيوب المواطنين"، على حد تعبيره.