إن القارئ العادي للبيان الخاص للمحامي البريطاني روندي ديكسون، محامي الصحافي توفيق بوعشرين، سيصاب بالدهشة الشديدة لأن البيان موقع باسمه، وشخصيا أشك في صدوره عنه لأنه جاء خاليا من اللمسة الاحترافية لرجل القانون، ومكتوب بطريقة صحافية كبيان إعلامي تبريري أكثر منه دراسة قانونية وقضائية وفقهية لمحتويات ملف المتابعة، حيث وجدنا أنفسنا أمام مادة لا تحترم أدبيات التعليق القانوني على الملفات القضائية، ولا تتوفر فيها عناصر الخبرة القانونية، على الأقل في القانون المغربي، ناهيك عن القانون الدولي أو القضاء الأجنبي، ويمكنني أن أستدل على الفراغ القانوني للبيان بالعناصر التالية: يقول البيان إنه خلافا للمتوقع تم في 23 فبراير 2018 توقيف السيد توفيق بوعشرين في مقر عمله، عن طريق القوة من طرف 40 عنصرا، فهل يستند المحامي والخبير القانوني على نصوص القانون أم على المتوقع؟ وهل الإشكال في عدد أفراد الشرطة القضائية أم في احترام سلامة الإجراءات، ومنها حماية الموقوف، ومعاملته بطريقة قانونية وإنسانية وغير مهينة، وعدم تعريضه للتعذيب، والتي لم يتم التظلم منها. والغريب هنا هو عبارة الإيقاف عن طريق القوة، دون تحديد أي قوة هاته، لأن الإيقاف لا يتم بالقوة، وإنما بالقانون، وشتان بين الأمرين. إن الشرطة القضائية هي التي تملك وحدها صلاحية تقدير اعتبارات حاجتها لعدد ونوعية أفرادها للقيام بعملية التوقيف والضبط، وهو اختصاص لا يتعرض له قانون المسطرة الجنائية باعتباره لا يمس بحقوق المتهم. الإشارة إلى أن الصحافي بوعشرين صحافي بارز كنقطة في البيان وليس كتمهيد له يثير الاستغراب لأنه يتنافى ومبدأ المساواة أمام القانون، وفقا للفصل السادس من الدستور، وما يتفرع عنه من مبدأ المساواة أمام القضاء، فهل الشهرة تتنافى والمسؤولية الجنائية؟ وهل تحصنه من المتابعة؟ البيان يستعمل عبارة وكيل الملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء وليس الوكيل العام للملك، فهل الذي لا يعرف درجات النيابة العامة وتسلسلها في التنظيم القضائي يمكن أن يفتي في نازلة على ضوء القانون المغربي؟ البيان يتحدث عن مذكرة النيابة العامة بإحالة السيد توفيق بوعشرين على المحكمة في حالة اعتقال باعتباره مذكرة، وشتان بين قرار المتابعة والإحالة وعبارة المذكرة، التي هي غريبة عن تنظيمنا القضائي، حيث تنص المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية على أنه إذا ظهر أن القضية جاهزة للحكم أصدر الوكيل العام للملك أمرا بوضع المتهم رهن الاعتقال وإحالته على غرفة الجنايات، في نفس الاتجاه –المادة 419. البيان يجهل أن قرار الإحالة الصادر عن النيابة العامة لا يحدد مدة الاعتقال لأن المتهم يحاكم في حالة اعتقال، ووضعيته تصبح خاضعة لقرارات المحكمة، ولا يفرج عنه إلا تبعا لها، أي بالبراءة والإعفاء أو السقوط أو إيقاف التنفيذ، طبقا للمادة 434 من قانون المسطرة الجنائية. لكن الخطير هو تجاهل مثل هذه الأبجديات بالقول بعدم صدور أمر بالقبض أو بالحبس الاحتياطي، وكأن قرار الإحالة في حالة اعتقال ليس قرارا قضائيا ومسببا ومشروعا وصادرا عن قاض مستقل، وفقا للقانون المغربي. البيان يدين دفاع بوعشرين لأن تعثر مسار المحاكمة راجع إليه، بالنظر إلى الدفوعات غير المؤسسة المثارة في كل جلسة، والتي تستهدف تعطيل مسار المحاكمة، وهكذا أصبح تنبيه المحكمة لأطراف الدعوى بحقوقهم، ومن ذلك إخبار المطالبات بالحق المدني بحقهن في الحضور من عدمه، وفقا لما يفرضه القانون (المادة 427 من ق.م.ج) لأطوار الجلسة، تهريبا لهن وخرقا للحياد ودفعا يستغرق مناقشته ثلاث ساعات، رغم أن المحكمة طبقت فقط صحيح القانون، باعتبار المطالب بالحق المدني ممثلا بدفاعه. إنه العبث بعينه لا يفسره إلا الخوف من الحقيقة وإطالة أمد المحاكمة وإعاقة سيرها ولو بالمجادلة في أبجديات القانون. البيان لا يعترف الا بمؤسسة قضاء التحقيق، ويجهل قانون المسطرة الجنائية، لا سيما المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية، التي تخول للنيابة العامة الإحالة المباشرة على الجلسة في حالة اعتقال، مما يجعله في حالة شرود قانوني وقضائي كبير وخطير يسائل حدود خبرة ومعرفة محرر البيان بالقانون. البيان يتحدث عن غياب أي أدلة أولية، مما يطرح إشكالا عن مدى دراسة محرر البيان أو مدبجه أو موقعه لمحاضر الشرطة القضائية في الملف، ومدى اطلاعه على وسائل الإثبات العلمية لأن الحديث عن غياب الأدلة دون معرفتها ومناقشتها يجعل الكلام كلاما مرسلا وبعيدا عن لغة القانون والقضاء. البيان يعتبر الفيديوهات المحجوزة بالمقاولة الصحافية للمتهم بوعشرين مجهولة المصدر، وكأنها حجزت في مكان لا صلة للمتهم به، ثم يضيف بأنه لم يتم التحقق من سلامتها، وفي قول ثالث بأنها غير معتمدة! فكيف يمكن، إذن، أن نجمع بين المتناقضات والتجهيل وعدم السلامة وعدم الحجية؟ فمثل هذا الكلام غير المؤسس على أي أساس قانوني أو قضائي أو فني يندرج ضمن أقوال عامة الناس ممن لا صلة لهم بعالم القانون أو القضاء. 10- البيان يورد بعض المغالطات الخطيرة لأن المحكمة من صلاحيتها قانونا، طبقا للمادة 424 من قانون المسطرة الجنائية، الأمر بإحضار أي شخص للاستماع إليه، فضلا عن أن تنازل إحدى المشتكيات أو ادعائها بالتزوير لا يسقط الدعوى العمومية لأنها ملك للمجتمع، طبقا للمادة 4 من القانون نفسه. إحالة البيان على التجاء بعض المشتكيات إلى جمعيات حقوق الإنسان لحماية حقوقهن وضمان ألا تستخدم أسماؤهن في هذه القضية يتناقض مع تصريحاتهن في محضر الشرطة القضائية بتعرضهن للاعتداءات الجنسية. كما أن اللجوء إلى الجمعيات لا يعني صحة أو عدم صحة ادعاءاتهن، ومحاولة الاستقواء ببعض الجمعيات لا تنفع أي طرف لأن القضية قانونية وقضائية وليست سياسية، وتفصل فيها المحاكم وليست البيانات الصحافية. الحديث في البيان عن تعرض الدفاع إلى الضغط يسيء إليه لأن الدفاع الذي يتعرض إلى الضغوط ويسكت عنها ولا يقدم الحجة على وقوعها ولا يحرك الإجراءات القانونية بشأنها يساءل قانونيا وقضائيا ومهنيا. البيان يجهل مسطرة الزور الفرعي، وفقا للمادة 584 من قانون المسطرة الجنائية المغربي، لأن دفاع بوعشرين لم يلتزم بشروط إثارته، وهي أن: -الدفع يجب أن يتعلق بوثائق أدلي بها لأول مرة أثناء سير الدعوى لأنه طلب عارض. -الدفع يعتبر دفعا موضوعيا لا شكليا ولا مسألة أولية. -محاضر الشرطة القضائية لا يطعن فيها بالزور الفرعي، وإنما بالزور الأصلي. -المحجوزات لا يطعن فيها بالزور لأنها ليست وثائق. -النيابة العامة لا تواجه بالزور فرعيا ولا أصليا، ولا يحق إنذارها أو استفسارها. -الإنذار يكون عن طريق المحكمة وليس بين الأطراف مباشرة. -يحق لدفاع الطرف المدني مناقشة الدفع والجواب عنه لأنه طرف أصلي في الدعوى. البيان يعتبر الحالة الصحية تبرر إطلاق سراح الصحافي بوعشرين دون أن يفصح عن أساسه القانوني أو القضائي أو الدولي، وكأن الحالة الصحية أو النفسية هي التي ارتكبت الجريمة، ودون إثبات خطورتها بتقرير طبي. البيان تضمن عبارة المعايير الدولية دون الإفصاح عن طبيعة الخروقات وما يثبتها، وعن النصوص التي تم انتهاكها وفي أية مرحلة. كما تضمن عموميات عن أن الإجراءات تمت بطريقة سيئة وغير عادلة، مع العلم أن عبارة "سيئة وغير عادلة" لا أساس لها دوليا أو حقوقيا أو قانونيا، فضلا عن أنها تتضمن اعترافا بمشروعية الإجراءات. لأول مرة نسمع أن جرائم الاتجار في البشر كجرائم دولية لها صلة بحرية التعبير وبحرية الصحافة، مع العلم أننا أمام جرائم الحق العام، وهي جرائم جنسية خطيرة تنتهك الكرامة الإنسانية وتكرس العبودية الجنسية. إن التهديد باللجوء إلى المحاكم الدولية لا يرهبنا ولا يخوفنا، بوصفنا دفاع المطالبات بالحق المدني، لأننا مقتنعون بعدالة قضيتنا، وبثبوت جريمة الاتجار في البشر في حق المتهم بوعشرين كجريمة دولية تستحق فعلا أن تدوّل في القضاء الدولي. *محام بهيئة تطوان وعضو هيئة الدفاع عن ضحايا بوعشرين