منذ اجتماع وزيري الداخلية والخارجية مع اللجنة المشتركة للبرلمان المكلفة بالسياسة الخارجية يوم الأحد الماضي، توالت تصريحات المسؤولين المغاربة حول عزم المغرب التصدي لأي محاولة تقدم عليها جبهة البوليساريو لتغيير الوضع في المنطقة العازلة شرق الحائط الدفاعي للصحراء المغربية. ولعل ما يميز هذا الخطاب الرسمي الجديد هو تلويح المغرب باللجوء إلى استعمال القوة العسكرية إذا ما استمرت البوليساريو في تهديداتها الأخيرة لفرض الأمر الواقع في المنطقة عن طريق نقلها ما تسميه "وزارة الدفاع" إلى منطقة بير لحلو. وكان ممثل المغرب الدائم لدى الأممالمتحدة، عمر هلال، واضحا في الرسالة التي وجهها مساء الأحد إلى رئيس مجلس الأمن لشهر أبريل، إذ أعلن أن أي محاولة من قبل البوليساريو لتغيير الوضع الراهن في المنطقة ستكون سبباً في وقوع حرب. وقد أثارت هذه الرسالة العديد من الأسئلة في البلاد، وجعلت الكثير من المغاربة يتساءلون: هل ينوي المغرب حقا الدخول في مواجهة مسلحة مع البوليساريو؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا اختار التصعيد الآن على بعد أسابيع قليلة من تجديد مجلس الأمن لولاية المينورسوو؟ كيف ستكون نتائج أي مواجهة عسكرية على كلا الطرفين في حال وقوعها؟. دفع مجلس الأمن إلى تبني موقف حازم ضد البوليساريو إذا توقفنا لحظة لتحليل السياق الذي قرر فيه المغرب تهديد البوليساريو باللجوء إلى الحرب، وبغض النظر عن الحماس والحس الوطني الذي يمكن لأحداث مثل هذه أن تبعثه في قلوب الملايين من المغاربة، فسوف ندرك أن المنطقة لازالت بعيدة عن لغة السلاح كحل لأزمة الصحراء. ولعل السياق الذي قرر فيه المغرب تصعيد لهجته والتعبير عن استعداده للجوء إلى استعمال القوة يعطينا فكرة واضحة عن النتائج الآنية التي يسعى إلى تحقيقها؛ فقد أعلنت الحكومة المغربية استعدادها للجوء إلى الحرب بعد ثلاثة أيام من إصدار النسخة الأولية للتقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة. وقد أعرب الأمين العام في التقرير ذاته، الذي يمكن وصفه نسبياً بأنه لصالح المغرب، عن قلقه بشأن الوجود المستمر للبوليساريو في المنطقة العازلة من منطقة الكركرات، كما يحث الجبهة الانفصالية على إخلاء المنطقة كما فعلت في أبريل 2017. وفي الوقت نفسه رحب الأمين العام بالرد المناسب للمغرب على إجراءات البوليساريو في المنطقة العازلة. وقد خلق تقرير أنطونيو غوتيريس الجديد زخما إيجابيا لصالح المغرب قبل بضعة أسابيع من تبني مجلس الأمن لقرار جديد حول النزاع. وبالتالي، ورغبة منه في الاستفادة من هذا الزخم الجديد، قرر المغرب تصعيد خطابه لدفع المجلس إلى تشديد موقفه مع البوليساريو مقارنة بالسنة السابقة. إن الهدف من الحملة الدبلوماسية التي يقوم بها المغرب هو الضغط على الأممالمتحدة من أجل تحقيق هدفين اثنين: الأول وضع حل لتجاهل هذه الأخيرة أو تساهلها مع الخروقات التي ترتكبها البوليساريو بخصوص اتفاقية وقف النار؛ والهدف الثاني هو إقناع مجلس الأمن بخطورة الوضع في المنطقة وخطورة التهديدات التي تشكلها تحركات البوليساريو على استقرار المنطقة، وأن أي تساهل معها سيدفع بالمغرب إلى استعمال السلاح من أجل الدفاع عن مصالحه وعن وحدته الترابية. ما يريده المغرب هو أن يتضمن القرار الجديد الذي سيعتمده مجلس الأمن في نهاية هذا الشهر لغةً ملزمةً ستجعل البوليساريو تحت الضغط وعرضةً للتعرض لعقوبات في حال عدم امتثالها لما قد يتضمنه القرار الجديد؛ وبالتالي تفادي السيناريو الذي وقع العام الماضي. ويبدو أن المغرب عاقد العزم على إقناع أعضاء مجلس الأمن بضرورة استخلاص العبر والدروس مما وقع العام الماضي حينما أعلنت البوليساريو نيتها الانسحاب من منطقة الكركرات ساعات قليلة قبل اعتماد مشروع قرار كان سيتضمن لغة قوية ضدها. وهنا وجب التذكير بأن النسخة الأولى التي كان مجلس الأمن على وشك اعتمادها يوم 27 أبريل من السنة الماضية رحبت بالانسحاب المغربي من المنطقة العازلة وأعربت عن القلق العميق لأعضاء مجلس الأمن إزاء استمرار تواجد البوليساريو في المنطقة؛ كما طالبت جبهة البوليساريو بالإخلاء اللامشروط للمنطقة في غضون 30 يوما، وطلبت من الأمين العام إبلاغ المجلس بانسحاب البوليساريو من عدمه وباقتراح السبيل لحملها على القيام بذلك. غير أنه ساعات قليلة قبل اعتماد القرار، أرسلت البوليساريو رسالة إلى أعضاء مجلس الأمن، لإبلاغهم بقرارها بإعادة نشر عناصرها المسلحة خارج الكركرات. وبفضل هذا القرار نجحت الحركة الانفصالية في تجنب اعتماد قرار كان سيعرضها لعقوبات في حالة عدم امتثالها لأحكام اتفاق وقف إطلاق النار. غير أنه ومنذ اعتماد القرار 2351، الذي خلا من أي لغة ملزمة ضد البوليساريو، فقد عاودت الكرة وقامت باقتحام منطقة الكركرات، بل وأعلنت نيتها نشر قواتها في منطقة بير لحلو وتيفاريتي. وقد حاولت الدبلوماسية المغربية حينئذ إقناع أعضاء مجلس الأمن بأن القرار المفاجئ للبوليساريو كان بمثابة خدعة هدفها التمويه وربح الوقت، إلا أنه جهودها لم تكن مثمرةً. ففي اليوم نفسه الذي أبلغت فيه البوليساريو مجلس الأمن بقرارها المتمثل في إعادة نشر عناصرها المسلحة خارج الكركرات، عبر المغرب عن عدم رضاه وأصر على أن "إعادة نشر بسيطة لا تعني الانسحاب الفعلي للبوليساريو من المنطقة". وفي رسالة إلى أعضاء مجلس الأمن، عبر عمر هلال، الممثل الدائم للمغرب لدى منظمة الأممالمتحدة، عن أمله في ألا "تسقط المينورسو ولا إدارة عمليات حفظ السلام في فخ البوليساريو". فلو اعتمد مجلس الأمن اللغة التي تضمنها مشروع القرار الأول الذي تم عرضه للتصويت قبل إعلان البوليساريو انسحابها من الكركرات لما قامت الأخيرة باقتحام المنطقة مرةً أخرى، ولما تمادت في خروقاتها لاتفاقية وقف إطلاق النار وللاتفاق العسكري رقم 1 لعام 1997، ولما أعلنت نيتها نقل ما تسميه "وزارة الدفاع" إلى منطقة بير لحلو. وبالتالي فإن الهدف الرئيسي الذي يسعى المغرب إلى تحقيقه من خلال هذه الحملة الدبلوماسية والتهديد باستعمال السلاح هو إقناع مجلس الأمن بتني قرار ملزم يقضي باتخاذ إجراءات زجرية ضد البوليساريو في حال قامت بدخول أي جهة من المنطقة العازلة، بما في ذلك منطقة بير لحلو وتيفاريتي. وفي حال اعتمد مجلس الأمن قراراً قوياً تجاه البوليساريو، فسيكون بمثابة رادع قد يعرضها لعقوبات أممية في حال قيامها بأي محاولة أخرى لتغيير الوضع الراهن في المنطقة أو انتهاك اتفاقية وقف إطلاق النار والاتفاق العسكري. سياق في صالح للمغرب من خلال الحملة الدبلوماسية التي يقوم بها المغرب والهالة الإعلامية التي ترافقها، يسعى إلى الاستفادة من عاملين مهمين: 1) ترؤس بيرو مجلس الأمن، وهي دولة أبدت نوايا إيجابية تجاه المغرب في الآونة الأخيرة، وأبانت عن حسن نيتها بعدما طردت ما يسمى سفير البوليساريو في سبتمبر الماضي. ومن المرجح جداً أن يعقد رئيس المجلس اجتماعاً أو جلستين لمناقشة آخر التطورات على الميدان. 2) خلافا للسنوات السابقة والسنة الماضية فإن تركيبة مجلس الأمن في صالح المغرب؛ فبغض النظر عن الأعضاء الخمسة الدائمين (الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين)، من بين الأعضاء العشرة غير الدائمين في المجلس بوليفيا وإثيوبيا هما البلدان الوحيدان اللذان يعترفان بالجمهورية الوهمية. وهذه نقطة إجابيه مقارنة بالعام الماضي، عندما كان من بين أعضاء مجلس الأمن أربعة بلدان تعترف بجبهة البوليساريو وهي: ناميبيا وإثيوبيا وبوليفيا وأوروغواي؛ وقد عارض هذان الأخيران بشدة اللغة القوية لمشروع القرار الأول الذي اقترحته الولاياتالمتحدة، وضغطا على المجلس لاعتماد قرار أكثر توازناً. ومما لا شك فيه أن دينامية المفاوضات في مجلس الأمن ستكون الى جانب المغرب هذا العام؛ فعلى الرغم من ان بوليفيا ستقوم بمعارضة الموقف المغربي بحزم، فمن المحتمل أن تتبنى إثيوبيا موقف الحياد الإيجابي، كنتيجة لإحياء العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وأديس أبابا. ويبدو أن الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى هذا البلد في الآونة الأخيرة والاتفاقيات الاقتصادية التي وقع عليها البلدان قد بدأت تؤتي أكلها. فخلال المفاوضات التي سبقت اتخاذ القرار 2351 العام الماضي حرصت إثيوبيا على عدم اتخاذ موقف معاد للمغرب؛ وبالتالي فمن المرجح أن تتبنى الموقف نفسه هذا العام. وفي ضوء المعلومات المذكورة أعلاه يمكننا القول إن ما نشهده هو تبني إستراتيجية مدروسة للدبلوماسية المغربية، هدفها الآني هو إجبار البوليساريو على وضع حد لاستفزازاتها في المنطقة. وفي الوقت نفسه يسعى المغرب أيضاً إلى إعادة توجيه النقاش داخل دواليب مجلس الأمن والمفاوضات المحيطة بالنزاع قبل اعتماد القرار الجديد، والطعن في شرعية البوليساريو وفي مدى جديتها في العمل على التوصل إلى حل سياسي مقبول من كلا الطرفين، بالإضافة إلى إقناع مجلس الأمن بأن الجزائر تعتبر طرفاً رئيسيا في النزاع، وبأن التوصل إلى أي حل سياسي للنزاع يمر عبر التفاوض معها وليس مع البوليساريو. من جهة أخرى يمكن الجزم بأن المغرب ليست لديه مصلحة في الدخول في صراع مسلح مع جبهة البوليساريو؛ فمن شأن هذا السيناريو أن يجعل النزاع خارج سيطرة المملكة، كما أن أي مواجهة مسلحة مع البوليساريو ستكون بمثابة هدية لها، وهي التي تسعى منذ سنوات عديدة إلى إعادة النزاع إلى واجهة الساحة الدولية وإلى إعطاء زخم إعلامي دولي لمطالبها وادعاءاتها. ليس في مصلحة المغرب الدخول في مواجهات مسلحة مع البوليساريو في هذه الآونة، خصوصا بعد تعيين جون بولتون مستشارًا للأمن القومي في حكومة الرئيس دونالد ترامب. ومن المحتمل أن يضفي هذا التعيين نوعاً من الضبابية على موقف الولاياتالمتحدة من الصراع، خاصةً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن بولتون معروف بتعاطفه مع البوليساريو وبدعمه لفكرة تنظيم استفتاء لتحديد مصير النزاع. إذن من مصلحة المغرب الانتظار لمعرفة الكيفية التي ستتعامل بها الإدارة الأمريكية على ضوء تعيين بولتون وتعيين مايك بومبيو وزيراً للخارجية خلفاً لريكستيلرسون. لقد ساعدت الإستراتيجية التي نهجها المغرب منذ توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار عام 1991 في الحفاظ على الوضع الراهن للنزاع والسيطرة عليه. ومن المتوقع أن تستمر الدبلوماسية المغربية في هذا النهج وتفادي الدخول في أي مواجهات مسلحة من شأنها تغيير الوضع القائم ووضع المملكة تحت ضغوطات دولية غير مسبوقة. بناء على ذلك، فمن المستبعد أن يقوم المغرب في نهاية المطاف باستعمال القوة ضد البوليساريو، بل أظن أن الأممالمتحدة ستأخذ هذه المرة مشاغل المملكة محمل الجد وستعمل على الحد من وقوع أي انتهاكات لاتفاقية وقف إطلاق النار في المستقبل. وبالتالي فبالنظر للزخم الدبلوماسي الذي خلقه المغرب في الأيام القليلة الماضية، فهناك احتمال أن يقوم مجلس الأمن باعتماد قرار يتضمن لغة حازمة ورادعة ضد البوليساريو. *مستشار دبلوماسي ورئيس تحرير Morocco World News