لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقنع أنفسنا بالانتصار للشاب الذي ظهر في شريط يحاول اغتصاب تلميذة في واضحة النهار بجماعة بوشان، بإقليم الرحامنة، لكن تنديد الحقوقيين ومعاناة أسرة الضحية توازيه رواية أسرته. لا أرضى بتصرف ابني كانت صدمتنا قوية ونحن نصل إلى منزل الشاب المتهم بمحاولة اغتصاب التلميذة خولة. الطريق المؤدية إلى دوار بداوة سيدي عبد الله بجماعة آيت حمو ضواحي بوشان كانت تقدم إجابة عن كل الأسئلة التي تتبادر إلى ذهننا، وتحاصر مسؤولي هذه الجماعة القروية وأدوارهم في التنمية المحلية. كانت والدة الشاب لا تقوى على السير، فالسيدة مليكة طاعنة في السن، تقاسيم وجهها تكشف كل شيء؛ لكن هذه "المصيبة" التي سقطت فجأة عليها جعلت قواها تتهاوى. لم تدافع المرأة المسنة عن ابنها المتهم، على غرار ما تقوم به أمهات أخريات في مناطق "متحضرة" وبكبريات المدن المغربية حين يعتدي أبناؤهن على فتيات أو أساتذتهم. "هادشي لي دار ما نرضاوش بيه، وما نبغيوهش لبنتنا وبنات الناس"، هكذا تقول مليكة والدموع تنهمر من مقلتيها، ما يؤكد أن أخلاق المغاربة والمناطق القروية المحافظة ضد هذه التصرفات اللاأخلاقية كيفما كان مرتكبها. لكن "الكبدة" تجعل هذه المرأة السبعينية، وهي التي تعاني من مرض القلب وتواصل علاجه، تبكي وتناشد أسرة الضحية والمسؤولين أن يغفروا ذنب ابنها. "ها العار إلى ما شوفو ليا في وليدي، راه دريويش وما عارفش، ها العار!"، تقول الأم العجوز، ثم تضيف: "عافاكم إلى ما رفقو ليا بوليدي!". الأم المكلومة لم تتجاوز بعد الأزمة النفسية التي خلفتها وفاة ابنها في مدينة السمارة الجنوبية، بسبب انفجار لغم في الصحراء، حتى تلقت هذه الفاجعة الجديدة، وناشدت الكل، وعلى رأسهم الملك محمد السادس وأسرة الفتاة والسلطات، الرأفة بها وهي التي لا تتوفر على ما تسد به رمقها رفقة زوجها، وما تعالج به نفسها، فبالأحرى أن تتنقل في الحافلات لزيارة ابنها في السجون. "تشويت" للمرة الثانية لم يتمالك الأب الذي أعياه الزمن، وقلة ذات اليد، نفسه حتى ذرف الدمع، وهو العائد قبل أيام من سمارة التي لقي فيها ابنه مصرعه بسبب لغم. يقول الأب في حديثه لجريدة هسبريس الإلكترونية: "تشويت في الولد وتزاديت شي بهادشي"، مشيرا إلى أن ابنه المتهم ليس بتلك الصورة الحيوانية. في حديثه إلينا والدموع تغالبه، يرجع الأب تصرف ابنه إلى تأثره بواقعة وفاة شقيقه في انفجار لغم بالصحراء، إذ يقصد كل ليلة المقبرة ويبيت بجانب قبره، مؤكدا أن الابن "أصبح مؤخرا متأثرا بالواقعة، ولا يتمالك نفسه، وتصرفاته باتت غريبة". الأسرة، وخاصة الأم كما يقول والد الشاب، كانت تعول عليه في مساعدتها من أجل توفير الأدوية والتطبيب؛ ذلك أنها لا تقوى على دفع تكاليف العلاج، ما يجعل طبيبها المداوم في كثير من المرات يرفض أداءها ثمن العلاج. واقع مرير تخفيه هذه الواقعة، وأزمة حقيقية تعيشها هذه الأسرة والجماعة القروية، إذ إنها بدون طريق ولا ماء وكهرباء، ما يجعلها بعيدة عن التنمية المنشودة، ويسائل مسؤولي جماعة آيت حمو بالرحامنة. الطريق المؤدية إلى الدوار لا يمكن أصلا تسميتها طريقا، وهي تعكس الأزمة التي تعيشها الجماعة، التي يركن مسؤولوها إلى ما يمكن تسميته تجاوزا تنمية الدوائر المحسوبة على أغلبية الرئيس، مقابل نهج سياسة التهميش لدوائر معارضيه المهمة. جدير بالذكر أن عناصر الدرك الملكي بسرية بوشان كانت قد تمكنت من توقيف الشاب الذي ظهر وهو يحاول اغتصاب تلميذة، صباح أمس الأربعاء، قبل أن تقوم بتوقيف ناشر "الفيديو" مساء اليوم نفسه، ثم تقوم باعتقال الشاب الذي قام بتوثيق اللحظة، وإحالته على النيابة العامة المختصة.