أضحت السوق الخليجية عموما، والإمارات العربية على وجه التحديد، وجهة لتسويق الأزياء النسوية التقليدية المغربية منذ سنوات، خاصة أن المستهلكين فيها غدوا مقبلين بكثرة على القفاطين، والقدرة الشرائية بهذه المنطقة تساعد على ترويج أرقى الأنواع من هذه الألبسة. إذا كان بعض المصممين والمصممات يتحركون من المملكة لإشباع رغبات الزبناء في منطقة الشرق الأوسط، فإن صوفيا بنيحيى اختارت الاستقرار في الإمارات منذ ما يزيد عن 15 سنة، قائمة بدورها كسفيرة لكل الأزياء المصنوعة تقليديا في وطنها الأم، مع إفراد جهد كبير لترويج القفطان المغربي. هجرة إلى فرنسا سليلة أسرة من الأقاليم الجنوبية للمملكة، ولدت صوفيا بنيحيى في مدينة الدارالبيضاء، وبها تلقت جل تعليمها قبل أن تقصد فرنسا استكمالا للسلك الثاني من التعليم الجامعي. تقول بنيحيى: "طفولتي مرت سعيدة، وبها تتصل ذكريات ملؤها الحيوية، خاصة ما يرتبط بمروري من ابتدائية الحسن الثاني وإعدادية شوقي، ثم مؤسسة IGA بعد نيل الباكالوريا، كل هذا على سبيل المثال لا الحصر". ظفرت صوفيا بالإجازة في التسيير والتدبير قبل أن تنخرط في هجرة دراسية نقلتها إلى الديار الفرنسية. "أمي هي التي سجلتني خارج المغرب، ووضعتني أمام الأمر الواقع، مبررة ذلك برغبتها في منحي تجربة دولية"، تعلق بنيحيى. بعد تخرجها عادت مجددا إلى المملكة، وفي مسقط رأسها عملت بشركة متخصصة في تداولات البورصة، لكن زواجها عاد بها إلى فرنسا كي تعيش هناك 5 سنوات كاملة. الانتقال نحو الإمارات توجهت صوفيا بنيحيى إلى دولة الإمارات العربية المتحدة مرافقة لرب أسرتها، بعدما ظفر بعرض عمل في هذه البلاد الخليجية، فحطت الرحال بإمارة دبيّ كي تقرر جعل هذا الانتقال انطلاقة جديدة لحياتها. المختارة تصميم الأزياء تورد بخصوص هذه الطفرة: "تكويني الأساس بعيد تماما عن مجال تصميم الأزياء الذي أكرس له جهودي حاليا، لكن شغفي بهذا الميدان واهتمامي بمشروعي قرّبني من تخصصي في التدبير والمحاسبة". بدأت بنيحيى تعاملها مع القفطان المغربي من مشغل صغير في دبيّ، ثم عملت على تطوير معاملاتها حتى ظفرت بإمكانيات تمويل جعلتها تفتتح "دار صوفيا بنيحيى للأزياء المغربية" في دولة الإمارات العربية المتحدة. بين التجربتين تشدد المهاجرة المستقرة حاليا في دبي على أنها آمنت، منذ ريعان شبابها، بأن النجاح سهل الإدراك؛ لذلك ينبغي عقد العزيمة والمثابرة لكي يدوم لزمن طويل، حتى يبقى التميز ردحا من الزمن عوض الاستواء على القمّة للحظات فقط. وبخصوص تجربتها الأوروبية، تتذكر صوفيا أنها قصدت فرنسا وفي ذهنها صور نمطية عن العنصرية عموما، والإسلاموفوبيا خصوصا، لكنها وقفت خلال هذه المرحلة "على كون المهاجر الذي يحسن التعامل يحظى بقبول من محيطه"؛ فالرقي، بالنسبة لها "لا يجلب إلا الرّقيّ". أما تجربتها الإماراتية، التي ما تزال مستمرة حتى الحين، فقد "بدأت على إيقاع آخر"، تقول صوفيا، مضيفة: "استهَلْتُها برصد عشق الإماراتيات واهتمامهن بالزي التقليدي المغربي، ومراكمتهن إلماما شديدا بتفاصيل القفطان، ومعرفتهن بتقاليد المغاربة والمطبخ المغربي". صوفيا بنيحيى تعلن، بناء على كلتا التجربتين، أن اندماجها في فرنساوالإمارات كان سهلا، وتسترسل بشأن تحركها الخليجي: "حياتي في دبي تبقى مميزة أكثر بفعل تعاملي اليومي مع الإماراتيات، والخليجيات بصفة عامة، فقد لقيت منهن حفاوة تامة زادت عشقي لما أقوم به". دبلوماسية الأزياء صوفيا، سفيرة القفطان المغربي، تقول عن مشروعها: "لم أقدم على افتتاح دار الأزياء التي تحمل اسمي إلا بعد جهد كبير أتاح تثبيت ركائزي على مستوى سوق الأزياء في عموم منطقة الخليج العربي". تتوفر صوفيا بنيحيى، حاليا، على مشغل مستقل يعرف إنتاج التصاميم التي تبدعها وتوقعها، بطاقم يفوق 20 فردا، إضافة إلى محل تجاري هو واجهة "دار صوفيا بنيحيى للأزياء المغربية". وتقرّ المغربية ذاتها بأن تجربتها تسير بتثاقل، لكن الأهم أنها تتقدم بثبات وتتطور باستمرار، مؤكدة أن هذه استراتيجيتها الخاصة التي تستقيها من شخصيتها المتأنية، ومن تكوينها المراهن دوما على الجودة. ثقة وعيون "أنا راضية جدا عن مساري، وقراراتي آخذها بعد دراسة مستوفية للواقع المحيط بي، بينما أعتبر اليوم الذي لا أتعلم فيه شيئا ضائعا من حياتي"، تكشف ابنة الدارالبيضاء. ذات الأصول الصحراوية تواصل: "لا ندم على أي قرار اتخذته، لذلك أواصل مسيرتي بثقة كبيرة"، وتردف: "دار الأزياء المقامة حاليا ناجحة، لكن الطموح يطال الأفضل والأكبر والأكثر تميزا على الدوام". وبكل ثقة، تنظر صوفيا بنيحيى في عيون زبوناتها لقياس مؤشر الرضا عما تقوم به في تصميم الأزياء، مشددة على أنها لا تنافس إلا نفسها في مجال اشتغالها، مراهنة على التطور وتجديد الأساليب. "أفكر في افتتاح دار أزياء خاصة بي في وطني الأم، ولديّ مشجعات لهذه الفكرة من بين المغربيات اللواتي يتابعن أعمالي على مواقع التواصل الاجتماعي"، تدلل المصممة على مبتغاها المستقبلي. إلى الجيل الجديد بناء على تجربة عقد ونصف العقد من الحياة في الإمارات العربية المتحدة، تُشعِر صوفيا بنيحيى الراغبين في الهجرة إلى الأمارات، من أبناء وبنات الجيل الجديد، بأن هذا البلد الخليجي يبحث عن التميز ويطالب بوافدين يتقنون الإنجليزية، أساسا، ويتوفرون على خبرات سابقة. وتواصل مصممة الأزياء المغربية حديثها قائلة: "معظم الراغبين في التوجه من المغرب إلى الإمارات يخالون الأمور سهلة، وأنهم قادرون على مراكمة الثورات بمجرد وصولهم، وهذه توقعات مفرطة في الخطأ؛ فالمبتدئون مضطرون، لا مخيرون، على التدرج لإبراز مهاراتهم ونيل ثقة مشغليهم". "الصبر والإصرار ضروريان في كل مسار للهجرة، والتجارب الجديدة ينبغي أن تنطلق من هدف محدد، واحد أو أكثر. وأنصح المغاربة المقبلين على الهجرة إلى الإمارات العربية المتحدة بالاتصال بالمؤسسات التي يرغبون في الالتحاق بها قبل مغادرة أرض الوطن من أجل التوصل إلى تفاهمات وحسم كل خلاف محتمل"، تختم صوفيا بنيحيى.