رغم مرور عدة أشهر على الانتقادات الكثيرة التي وجهها الملك محمد السادس، في خطاب افتتاح البرلمان، إلى النموذج التنموي المعتمد في جميع جهات وأقاليم وجماعات المملكة المغربية، والذي قال عنه الملك "إنه أصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطن المغربي بشكل عام"، مازال مهندسو المخططات التنموية غير قادرين على إخراج نموذج تنموي يستجيب لانتظارات المواطنين، انطلاقا من الإمكانيات المتوفرة لدى كل جهة على حدة. جريدة هسبريس الإلكترونية قامت بزيارة إلى الجماعة الترابية لسكورة آهل الوسط، الواقعة بالنفوذ الترابي لإقليم ورززات، والتقت عددا من الفاعلين الجمعويين المهتمين بموضوع التنمية المحلية، بسط بعضهم أهم الاكراهات التي تواجه تنزيل برامج التنمية المندمجة بالمنطقة، مشددين على ضرورة تغيير الطرق التقليدية في تمويل المشاريع التي كانت تعتمد في وقت سابق على الريع، بطرق أكثر حداثة ونجاعة، وبمزيد من الديمقراطية التشاركية من خلال تسجيل إسهامات المجتمع المدني في خلق النمو بالتركيز على الإمكانيات المتوفرة محليا الواجب تنميتها لصالح المواطنين بشكل خاص، والمنطقة بشكل عام. أراضي الجموع أكبر عائق في وجه التنمية إعادة النظر في النموذج التنموي، كما دعا إليه الملك محمد السادس في خطاب افتتاح البرلمان، يستوجب تحضير مجموعة من النقط التي تعتبر أساسية في تنزيل مشاريع تنموية تستجيب لحاجيات وانتظارات المواطنين، خصوصا تلك التي لها علاقة مباشرة بأراضي الجموع التي يجب أن يتم تسويتها على الصعيد الوطني، لقطع الطريق أمام الفئة التي تجد تلك الأراضي فرصة لوضع العصا في عجلة أي مشروع تنموي. ويلعب "العقار" دورا مهما في تحقيق التنمية باعتباره الأرضية الأساسية التي تنطلق منها مختلف المشاريع التنموية في مختلف المجالات، الاقتصادية منها والسياحية والعمرانية والفلاحية؛ وذلك من خلال توفير الوعاء العقاري الضروري لإحداث وإقامة المشاريع التنموية والاقتصادية، بالإضافة إلى البنايات التحتية الأساسية. وفي هذا الإطار، يرى محمد الهكاري، فاعل جمعوي بالجماعة الترابية لسكورة آهل الوسط، أن عدم تسوية وضعية أراضي الجموع بالمنطقة "يساهم في تعثر وعرقلة مشاريع تنموية كبرى"، موضحا أن "سكورة تتوفر على حوالي تسعة وعشرين ألف هكتار من أراضي الجموع غير مستغلة، في حين إن الواحة بالمنطقة تشكل فقط 10 في المائة من هذه المساحة الشاسعة"، مضيفا أن "هناك أراض يمكن استغلالها في توسيع المجال الفلاحي والسياحي وغيرها من المشاريع، إلا أنها تحتاج إلى حل الإشكالية التي تواجهها". ولفت الفاعل الجمعوي ذاته، في تصريح لهسبريس، إلى أن الجماعة الترابية تقوم ببرمجة مشاريع كثيرة لكنها تتوفر على "صفر" في رصيدها العقاري، متسائلا باستغراب: "كيف يمكن تنزيل هذه المشاريع والجماعة لم تقتن أو لم تسوّ وضعية أراضي الجموع؟"، مشددا على أن "التفكير في برمجة مشاريع يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الوعاء العقاري لتفادي تعثرها في المستقبل بسبب النزاعات التي ترافق أراضي الجموع"، يقول المتحدث. من جهتها، قالت فاطمة مورغي، ابنة منطقة سكورة، إن أراضي الجموع بالمنطقة تشوبها مجموعة من الاكراهات التي تقف دائما عائقا أمام تنزيل أي مشروع تنموي، لأسباب أرجعتها المتحدثة إلى "غياب رغبة وإرادة لدى مسؤولي الجماعة والسلطات المحلية للترافع لدى الوزارة الوصية من أجل تسوية هذه الأراضي وتفويتها للمستثمرين في جميع المجالات، واقتناء البعض الآخر لفائدة المؤسسات العمومية". وأضافت المتحدثة أن الاستغلال الوحيد المسموح به حاليا لأراضي الجموع لا يتعدى الاستغلال السكني، مشددة على أن "هذه الأراضي يجب استغلالها أيضا في الفلاحة من خلال توسيع الواحة، وإعادة غرس أشجار النخيل، والزراعات الأخرى، بالإضافة إلى ضرورة التفكير في نقطة مهمة تتجلى في ضرورة إعطاء العنصر النسوي حقه في هذه الأراضي"، بتعبيرها. الفلاحة والسياحة رافعتان للتنمية سكورة آهل الوسط جماعة قروية تقع على الطريق الوطنية رقم 10 الرابطة بين تنغير وورززات، تشتهر بواحة نخيلها التي تمتد على طول ثلاثة وديان رئيسية؛ وادي دادس من جهة الشرق، وادي الحجاج الذي يخترق الجماعة غربا، ووادي إمدري الذي يحدها غربا، وتتميز بمناظرها وقصباتها الأثرية الشامخة. محمد الهكاري، فاعل جمعوي، قال في تصريح لهسبريس: "تراهن ساكنة الجماعة الترابية لسكورة آهل الوسط على المجال الفلاحي والسياحي لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة في المجال الاجتماعي والاقتصادي والفلاحي"، مضيفا أن "مجالي الفلاحة والسياحة يمكن لهما أن يصبحا ركيزتين لاقتصاد حقيقي محلي، وعاملين للتنمية والثروة". وذكر المتحدث ذاته أن المجال الفلاحي ينتظر التفاتة معقولة من الجهات المسؤولة قصد تطويره، مبرزا أن القطاع "يعاني مشاكل عدة، خصوصا المشاكل المتعلقة بتدبير ندرة الماء"، مشددا على ضرورة اعتماد فلاحة يمكن أن تراعي ندرة المياه وتعطي نتائج إيجابية في الإنتاجية، مضيفا أن "الدولة في شخص وزارة الفلاحة يجب أن تتدخل من أجل إعادة غرس أشجار النخيل لإعادة إحياء الواحة التي بدأت تندثر"، وفق تعبيره. واستطرد الفاعل الجمعوي ذاته بأن واحة النخيل بسكورة، التي يمكن اعتبارها مدخلا ورافعة للتنمية المحلية، "تعرضت في العشرية الأخيرة للتخريب من قبل أشخاص وجهات مسؤولة داخل الدولة، كانت تقوم بتحويل أشجار النخيل من الواحة نحو المدن قصد تزيين الشوارع، مقابل قتل جمالية الواحة". وأبرز أن "هذه الأفعال تصدى لها المجتمع المدني الذي تدخل في الوقت المناسب لإنهاء هذا العبث في حق الواحة"، ودعا الدولة إلى تطوير المجال الفلاحي والتفكير في الزراعات والأشجار الأخرى التي يمكن أن تعطي إنتاجية إيجابية من أجل خلق تنوع فلاحي. ويرى المتحدث أن القطاع السياحي بالمنطقة "يمكنه بدوره أن يلعب دورا مهما في خلق تنمية محلية باعتباره رافعة للتنمية المستدامة"، مشيرا إلى أن المنطقة تتوفر على فنادق ومواقع سياحية يمكن للجماعة المحلية استغلالها للتعريف بالمنطقة على الصعيد الوطني والدولي، من خلال تأهيل المآثر والمواقع السياحية، وتوفير جو الاستقبال بالمؤسسات الفندقية لفائدة السياح الأجانب والمغاربة، مؤكدا على "ضرورة رفع تحدي التثمين السياحي للمواقع التاريخية والسياحية والثقافية المتوفرة بالمنطقة، خصوصا في مجال السياحة"، وفق تعبيره. من جهته، يرى سعيد شيبوب، مستخدم بأحد الفنادق بمنطقة سكورة، أن الجميع، من مجلس جماعي ومسؤولي السياحة والسلطات الإقليمية، مدعو إلى البحث على سبل النهوض بالسياحة ليستفيد منها السكان المحليون، من خلال خلق الثروات، وإحداث فرص الشغل، وتطوير البنيات التحتية، بما يمكن المناطق السياحية من تنافسية دولية عبر تموقع يثمن التراث الطبيعي والثقافي المادي وغير المادي. وقال في تصريح لهسبريس: "على جميع المتدخلين الانخراط في عدد من المجالات المرتبطة بخلق التنمية المحلية، وخاصة في ما يتعلق برفع التحديات المرتبطة بالتنمية المستدامة"، معتبرا أن "تضافر هذه الجهود سيتيح استثمار النجاحات لفائدة التنمية المحلية". وتابع شيبوب بأن "تعزيز مكانة السياحة كرافعة لتنمية المستدامة رهين برفع التحديات في مجال الحكامة وتعبئة كافة الأطراف على مستوى التمويل، والتوفيق بين متطلبات التنمية، والحفاظ على التراث وتثمينه، وتعزيز تنافسية القطاع السياحي، وملاءمة التحولات التي يشهدها، ومنها التأثير الرقمي وظهور مهن جديدة"، على حد قوله. مشاريع منتظرة من خلال الزيارة التي قامت بها هسبريس إلى جماعة سكورة، أكدت الساكنة المحلية أن المنطقة ما زالت في حاجة إلى مشاريع تنموية ذات بعد اجتماعي وبيئي، خصوصا تلك المتعلقة بالصرف الصحي، موردة أن الفرشة المائية الجوفية تتضرر بفعل مئات "المطمورات"، وهو ما يستوجب الإسراع في إخراج مشروع الصرف الصحي إلى الوجود. سعاد ايت امحمد، من الساكنة المحلية، قالت في تصريح لهسبريس: "بالإضافة إلى مشكل الصرف الصحي، تعاني الجماعة من قلة الموارد البشرية في قطاع الصحة، وغياب مرافق عمومية أخرى"، مشيرة أن "الحديقة الواقعة بالقرب من الطريق الوطنية، التي كانت بالأمس متنفسا وحيدا للساكنة، لم تعد صالحة وتتطلب تدخل الجماعة لإصلاحها وإعادة فتحها أمام الساكنة والزوار"، وفق تعبيرها. في المقابل، قامت هسبريس بزيارة إلى مكتب كمال المساوي، رئيس المجلس الجماعي لسكورة آهل الوسط، من أجل نيل تعليقه حول العوائق التي تقف في وجه التنمية محليا، إلا أننا وجدناه في مهمة خارج المنطقة، فحاولنا الاتصال به مرات عدة دون مجيب.