تكاد لا توجد ساحة عمومية بفاس تضاهي في شهرتها ساحة فلورانس، على الأقل لدى سكان المدينة، نظرا لاحتلالها موقعا متفردا بالعاصمة الروحية، ولإطلالها على أهم شوارعها، ألا وهو شارع الحسن الثاني، لكن شهرة هذه الساحة لم يوازها الاهتمام اللازم بها، فتحولت من معلمة تزين وسط المدينة إلى فضاء يخدش صورتها لما لحقها من إهمال طيلة عقود. يعود تاريخ إحداث هذه الساحة إلى الفترة الاستعمارية؛ إذ أنشأها الفرنسيون خلال عشرينات القرن الماضي وأطلقوا عليها اسم "ساحة ليوطي"، المقيم العام الفرنسي آنذاك، قبل أن يتم تغيير اسمها إلى "ساحة فلورانس" بمناسبة عقد اتفاقية توأمة بين مدينة فاس ومدينة فلورانسا الإيطالية مطلع ستينات القرن الماضي. أطلال وأزبال في كل مكان نافورة مهشمة، كراس مكسرة، أشجار ذابلة، ممرات محفرة، أزبال في كل مكان، أسوار اصفر لونها من جراء آثار البول، هذا هو حال ساحة فلورانس التي تحولت إلى مرتع لمختلف مظاهر الإهمال. ففضلا عن أنها أضحت عنوانا للخراب في كل صوره، فقد تحولت إلى مكان آمن للمتشردين والمنحرفين. "لا تشرف هذه الساحة مدينة فاس، لا نعرف لماذا يلحقها الإهمال من طرف المسؤولين"، تقول طالبة كانت متوقفة بأحد أطراف هذه الساحة وهي تنظر إليها بإمعان، مضيفة لهسبريس: "حرام أن يتركوا هذه الساحة تضيع، خاصة أنها تتوسط مدينة فاس. لماذا لا يحولونها إلى رمز من رموز المدينة؟". اقتربت هسبريس من شاب كان يجلس على كرسي من كراسي الساحة، وسألته عن رأيه حول ما آلت إليه "فلورانس"، فصمت قليلا قبل أن يجيب: "واقع هذه الساحة يتحدث عن نفسه، لم يكلف المسؤولون أنفسهم حتى عناء تنظيفها من الأزبال المنتشرة في مختلف أركانها"، قبل أن يطلب متحدث هسبريس مرافقته ليدلنا على ما أسماه مرحاضا مفتوحا للتبول والتغوط بأحد أطراف الساحة، الذي ما أن يقترب المرء منه حتى تزكم أنفه الروائح الكريهة. "انظر، هل هذه ساحة تتوسط مدينة فاس، عيب وعار هذا الأمر، ماذا سيقول عنا السياح الذين قد تقودهم الصدفة إلى هذه الساحة، أو يزورونها عن قصد للإطلاع عليها؟"، يتساءل المتحدث الذي أكد أنه كان مدمنا على المجيء من حي السعادة إلى هذه الساحة لأخذ قسط من الراحة وللقاء أصدقائه. "ساحة التحرير" و"معرض تجاري" تحولت ساحة فلورانس في السنوات الأخيرة، بعد أن أصبحت ساحة إسمنتية تفتقر إلى أبسط المواصفات الجمالية، إلى مكان مفضل للحركات الاحتجاجية لتنظيم وقفاتها، كما هو حال "حركة 20 فبراير" التي اختارت حين انطلاقها سنة 2011 هذه الساحة منطلقا لمسيراتها "ضد الفساد"، قبل أن تطلق عليها اسما جديدا هو "ساحة الحرية". لم تعد الساحة فضاء للاحتجاجات وحسب، بل تحولت إلى مكان لتنظيم المعارض التجارية، الأمر الذي زاد من إلحاق "الدمار" بها، بحسب من تحدثت إليهم هسبريس في موضوع هذا الفضاء العمومي. وأجمع متحدثو هسبريس على أن تحويل ساحة فلورانس إلى فضاء للاحتجاجات وتنظيم المعارض التجارية يلحق مزيدا من الدمار بما تبقى من تجهيزاتها؛ بفعل دق أوتاد الخيام البلاستيكية بأرضيتها، ودهس الجماهير المحتجة وزوار المعارض لمساحتها الخضراء، وإلحاق الضرر بكراسيها وبنيتها التحتية. تهيئة طال انتظارها سبق للمجلس السابق للجماعة الحضرية لفاس أن نظم مسابقة لاختيار أحسن تصميم معماري لإعادة تهيئة حديقة فلورانس، قبل أن يعدل عن تنفيذ هذا المشروع، فأصبح هذا الحلم طي النسيان بعد أن كان هناك حديث عن إعادة الاعتبار لهذه الساحة وتحويلها إلى فضاء يعزز جمالية وسط المدينة. وقال محمد الحارتي، نائب عمدة مدينة فاس، في تصريح لهسبريس، إن الجماعة الحضرية لمدينة فاس ستحول ساحة فلورانس إلى موقف تحت أرضي للسيارات، مبرزا أن هذا المشروع، الذي وصفه بالكبير، يتطلب اعتمادات مالية مهمة تناهز ثمانية مليارات سنتيم، موضحا أن الجماعة بصدد البحث عن شركاء لإنجاز هذا المشروع في أقرب الآجال.