أعادَ حفل تنصيب الوزراء المُعيّنين خلفا للوزراء المعفيين، من لدن الملك محمد السادس النقاش حول "طقوس الركوع"، المؤثثة لمثل هذه المناسبات، إلى الواجهة، خاصّة اللقطة التي ظهر فيها سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، وهو ينحني أمامَ الملك بصورة اعتبرها الكثيرون مُبالَغا فيها. وانبرى نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إعادة نشر الصورة التي يظهر فيها أمزازي "راكعا" أمام الملك وجبْهتُه تكادُ تُلامس رُكبتيْه، حيث انحنى أكثر من الموظف المكلف بالبروتوكول الملكي الذي رافق الوزير الجديد خلال عمليّة السلام على المَلك، وأرفقوها بتعليقات ساخرة. وكتَب الشاعر المغربي صلاح الوديع مُعلّقا على الصورة التي أرفقها بصورتيْن تظهر فيهما شقيقته الراحلة آسية الوديع والحقوقي الراحل إدريس بنزكري، وهما يسلّمان على الملك دون انحناء: "آسف السيد وزير التربية الوطنية. هناك طريقة أخرى للوقوف أمام رئيس الدولة". سُلوك بِنيوي بعد وُصول المَلك محمد السادس إلى الحُكْم، حاول أن يخفّف من ثقل الطقوس الغارقة في التقليدانية داخل قصره، عكْس ما كانَ عليه الحال إبّان فترة حُكم الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان متشدّدا في هذا الجانب؛ لكنَّ هذه الطقوس لم تخْتف نهائيا وظلّت مستمرّة، وإنْ خفّت حدّتها. يعزو الباحث محمد شقير استمرار "الطقوس المخزنية"، من قبيل "الركوع" للملك وتقبيل يده، في القصر الملكي المغربي إلى كون هذه الطقوس مُرتبطة ببنْية المؤسسة الملكية، مُعتبرا أنَّ سلوك الأشخاص الممارسين لها لا يُمكن أن يتغيّر طالما لم يصدُر قرار يضعُ حدّا لها. وفيما يتعرّض المسئولون "الراكعون" للملك لوابل من الانتقادات والسخرية، ويُحمَّلون مسؤولية "خنوعهم"، يرى محمد شقير أنّ السؤال الذي ينبغي طرْحه هو "هل هناك إرادة حقيقية لاتخاذ قرار يقضي بمنْع هذه الطقوس أمْ لا؟"، مضيفا "طالما أنّ هذه الإرادة غير متوفرة، فهذه السلوكات ستستمرّ". واعتبر شقير أنَّ القضاء على "الطقوس المخزنية" يتطلّب قرارا حاسما، مُستدلّا بالموقف المعارض الذي كانَ يعبّر عنْه وزراء حزب العدالة والتنمية حين كان الحزب في المعارضة؛ لكنْ بعد دخولهم إلى الحكومة اندمجوا في هذه البنْية وسايروا الطقوس التي كانوا يعارضونها. "ركوع المصلحة" منذ مجيء الملك محمد السادس إلى الحُكم، وتوسُّع هامش الحرية والتعبير عن الرأي، نادَت أصوات كثيرة بإلغاء "الطقوس المخزنية" المصاحبة للمناسبات الرسمية التي يحضر فيها الملك، وخاصة حفل الولاء، وتعيين الوزراء والمسؤولين... بداعي أنَّ فيها إذلالا للإنسان، ولا تنسجم مع الدولة الحديثة. وبالرغم من أنَّ بعض المسؤولين لم يعودوا يُقبّلون يدَ المَلك، ويكتفون بتقبيل كتفه، ويكتفون فقط بالانحناء أمامه بدل "الركوع" له، فإنّ مسؤولين آخرين ما زالوا يمارسون هذه السلوكات التي يعتبرها مُعارضوها متخلّفة، وقدْ يحدث أنْ يكتفي مسؤولٌ بانحناءة خفيفة أمام الملك وتقبيل كتفه، فيما ينبري الذي يليه في إقامة "ركْعة تامّة"، وتقبيل يد الملك أكثر من مرّة، ظاهرها وباطنها. ويفسّر محمد شقير هذا السلوك بالرغبة في التزلّف والتقرب إلى الملك، قائلا: "كل شخص لديه رغبات شخصية، ولديه طموح في بلوغ أهداف معيّنة، وبعض الأشخاص يسعون إلى تحقيق هذه الرغبات والطموحات من خلال إظهار أنّهم أكثر ولاء للملك من الآخرين"؛ لكنّه أكّدَ أنَّ الإطار العام، أو بنْية "المخزن"، هو المتحكّم الأوّل والأخير في سلوكات هؤلاء. ويشرح شقير أكثر قائلا: "لو صدَر قرار يقضي بمنع هذه الطقوس فمن المؤكّد أنها ستنقرض نهائيا"، مستدلّا بما حصل في المملكة السعودية، التي كانتْ تُمارَس فيها طقوس تقبيل يد الملك، قبْل أن يضعَ لها الملك الراحل عبد الله الثاني حدّا، بإصداره قرار يقضي بعدم تقبيل يده. ويرى الباحث المتخصص في التاريخ المغربي الحديث والمعاصر أنَّ المَلك بنفسه محكوم بهذه البنية التقليدية، مشيرا في هذا الإطار إلى ردّ فعْل المشرفين على مراسيم البروتوكول الملكي، يوم استقبَل أعضاءَ المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، عند تعيينهم أوّل مرة، برئاسة عميد المعهد السابق، محمد شفيق، حيث اتفقوا على عدم تقبيل يد المَلك، إذ لم يتم بثّ تلْك المراسيم أمام الرأي العام، مضيفا "هذه البنْية يجب أن تُغيَّر كلها، وإلا فإنَّ الحديث عن وجود إشارات لتخفيف هذه الطقوس لن يكون سوى مجرد رتوشات".