على مدى ساعات متواصلة، أدت فرقة "روافد موسيقية"، مساء أمس الجمعة بمدينة طنجة، نوبة رمل الماية، بقيادة الفنان عمر الميتيوي، في إطار الدورة الحادي عشرة لملتقيات "العبادي"، بحضور هواة وعشاق الموسيقى الأندلسية من مختلف المدن المغربية. وتعتبر هذه النوبة أطول نوبة ضمن موسيقى الآلة، والأكثر شعبية بين المولعين بالموسيقى الأندلسية، وهي الأصعب أيضاً في الأداء، وقد عملت الفرقة الموسيقية على الإعداد منذ مدة لأدائها وتوثيقها كاملة للحفاظ على التراث الموسيقي العريق. وطيلة أربع ساعات متواصلة، وفي جو روحاني راق، أدى عشاق هذا النمط الموسيقي، الذي ينهل من غنى وتنوع الموسيقى المغربية الأندلسية، جزءً من نوبة رمل الماية، التي تضم مقاطع شعرية في مديح الرسول، تزامناً مع ذكرى المولد النبوي. وقال الفنان عمر المتيوي، رئيس المجموعة الموسيقية، إن النسخة الحادي عشرة من ملتقى العبادي "عرفت حضور عشاق وهواة موسيقى الآلة من كل المدن المغربية ومن فرنسا"، وأضاف: "هذه أول مرة تعزف نوبة رمل الماية في رمتها، حيث جمعنا الأشعار التي توجد في كل الكنانيش إضافة إلى الصَّنْعات التي لم تسجل في أنطولوجيا الآلة لوزارة الثقافة لسنة 1991". وأبرز المتيوي، في تصريح لهسبريس، أن الجمعية تراهن على استدراك كل ما ضاع من هذا الفن الموسيقي العريق بإعادة الأداء والتوثيق، وبإشراك الشباب في المجموعة الموسيقية من أجل الحفاظ على الثقافة والهوية المغربتين، خاصة التراث العربي الأندلسي. وأوضح أن مجموعة النوبات في موسيقى الآلة يصل عددها إلى 11 نوبة، وتعد نوبة رمل الماية أطولها وأصعبها، وقد جرى في سنة 2015 عزف نوبة الإصبهان كاملة، وفي سنة 2016 تم عزف نوبة الماية، مشيراً إلى أن النسخة الحادي عشرة من هذا الملتقى حققت نجاحاً بأدائها لنوبة رمل الماية بطريقة جيدة غير مسبوقة. وقد جرى في هذا اللقاء الذي جمع العديد من الفنانين وهواة الموسيقى الأندلسية من عدة مدن مغربية، خاصة تطوان وفاس وتازة والرباط وسلا وطنجة، تقديم كتاب لعموم الجمهور يتضمن دراسة حول النوبة، خاصة نوبة رمل الماية، يحتوي على كل القصائد المغناة في التراث الموسيقي العربي الأندلسي. من جهته، قال الفنان شكيب العبادي، مستضيف هذا الملتقى الفني، إن هذا الموعد "يهدف إلى إحياء التراث المغربي الأندلسي الأصيل عبر إحياء النوبة الأندلسية باستدعاء الصنائع الغابرة وغير المتداولة لأدائها وتوثيقها لكي لا تندثر وتبقى للأجيال القامة". وأشار العبادي إلى أن "أداء نوبة رمل الماية خلال أربع ساعات متواصلة لم يُسجل سابقاً في تاريخ الموسيقى الأندلسية"، وأضاف قائلاً: "نجحنا في هذا العمل بعدما استطعنا جمع أكثر من 15 صنعة غابرة وغير متداولة، وأديناها مرة واحدة، ونحن فخورون بهذا الأمر". وتتميز نوبة رمل الماية بصعوبتها نظراً ل"صنعاتها" الكثيرة التي تتطلب دقة عالية في الحفظ والأداء وطول حيزها الزمني؛ إذ تعتبر أطول نوبة ضمن النوبات الإحدى عشرة. ويقصد بالنوبة تلك التجزيئات من فن الموسيقى الأندلسية، وهي تجمع مئات الأشعار وتضم تقسيمات أقل حجماً تسمى ميازين، مفردها ميزان. وقد بات "ملتقى العبادي" ضمن المواعيد المهمة في الأجندة الثقافية لمدينة طنجة منذ حوالي عقد من الزمن، خاصة وأن هذه التظاهرة تسعى إلى الحفاظ على التراث الموسيقي المغربي الأصيل، وكذا توفير فضاء لالتقاء رواد موسيقي الآلة لأداء روائع مقاطع النوبة. وتقود هذه المبادرة مجموعة روافد موسيقية التي تأسست بطنجة سنة 1994 من قبل الأستاذ عمر المتيوي، وهي تتكون من خيرة العازفين التقليديين المحافظين الذين ينتمون لمدينة طنجة، وتكمن أصالة المجموعة في تمكنها في توجهها نحو المحافظة على التراث الموسيقي الأندلسي المغربي. وتسعى المجموعة إلى المحافظة على التراث السمعي الشفوي كما عهد به أداءً وتقديماً عند الشيوخ الكبار، وإلى إعادة ترميم آلات موسيقية من أجل إحيائها ونفض غبار النسيان عنها، كما تعبر المجموعة عن رفضها لاستعمال أي آلة دخيلة بنيت على قواعد السلم المعدل الغربي.