دعا أحمد الزفزافي، والدُ ناصر الزفزافي الذي يعد أحد أبرز وجوه حَراك الريف، الدولة المغربية إلى أن تقوم بقراءةٍ متأنيّة وعميقة لمنطقة الريف، تاريخيّا وثقافيا واجتماعيا، للوقوف على حقيقة الوضع الذي كانت عليه المنطقة، سواء في الماضي إبّان مرحلة الاستعمار أو الوضع الذي توجد عليه في الوقت الراهن، من أجل وضع حلول جذرية لمشكل الحَراك الذي اندلع منذ أزيد من سنة، إثر مقتل بائع السمك محسن فكري، وما زالت تداعياته مستمرة إلى اليوم. أحمد الزفزافي عادَ إلى مرحلة الاستعمار الإسباني الذي كانتْ تخضع له منطقة الريف، إبّان مرحلة احتلال المغرب، من أجْل تفنيد مزاعمِ اتّهام الريفيين بالانفصال، قائلا في لقاء نظمه فرْع لجنة دعْم حَراك الريف بالعاصمة الفرنسية باريس، مساء أمس الأربعاء: "لا أفهم لماذا يتّهموننا بالانفصاليين، ونحنُ مَن حارب الاستعمار الإسباني، وكان الجنرال فرانكو يحرّض الناس على الانفصال، في سنة 1956؛ لكنّهم رفضوا، وقاوَموا الاستعمار". وعرّج أحمد الزفزافي على حديث عابر جمعه مع سائق تاكسي في مدينة الدارالبيضاء، حين كان في زيارة إلى ابنه ناصر المعتقل في سجن عكاشة، إذ عبّر له صاحب التاكسي عن تضامُنه مع أهل الريف؛ لكنه سأله عن سبب عدم رفع العَلم المغربي في المسيرات الاحتجاجية، بدَل رفع علَم "الجمهورية الريفية". وقال الزفزافي إنَّ هذا العَلم ليس رمْزا للانفصال كما يعتقد البعض، "بل هو جزء من تاريخنا. تاريخ العزّة والكرامة"، مضيفا "يومَ فُرض بن عرفة وتمّ إحلاله محلَّ الملك محمد الخامس، قَبِلَ به المغاربة واعترفوا بشرعيّته، إلا أهلَ الريف. وهذا معناه أنّنا وحدويّون". وردّا على الاتهامات الموجّهة إليه قبل أيام، بالحنين إلى مرحلة الاستعمار الإسباني، فنّد الزفزافي هذه الاتهامات، وقال إنَّ حديثه عن كوْن مدينة الحسيمة كانت بها مصانعُ ومعاملُ إبّان الحقبة الكولونيالية ليس تمجيدا للاستعمار، بلْ هو مقارنة بين الماضي والحاضر. وأردف موضحا "الذين يروّجون لمثل هذه الأشياء لا يعرفون من أكون؛ فقد فقدتُ ستّة أفراد من عائلتي نتيجة الأسلحة الكيماوية التي ضرب بها الاستعمار الإسباني منطقة الريف في العشرينيات من القرن الماضي، وزوجتي المصابة بالسرطان هي أيضا ضحيّة هذه الأسلحة، فكيْفَ لمُقاوِم الاستعمار أن يُمجِّده؟". ووجّه الزفزافي نداء من العاصمة الفرنسية باريس إلى المنظمات الحقوقية والفاعلين المؤثرين على الساحة الدولية من أجل دعْم أهل الريف، وخاصة عائلات المعتقلين الموجودين في عدد من سجون المملكة، والذين قالَ إنّهم تعرّضوا "للتعذيب بالمعقول"، مشيرا إلى أنّ ابّنه ناصر الزفزافي "تْضربْ مع الحيط حين اعتقاله، وفقَد أحدُ المعتقلين الآخرين من أبناء جيراننا سِنّيْن بسبب تعرّضه للتعذيب أثناء الاعتقال". وبَدا أحمد الزفزافي مُتماسكا، وإنْ كانت علامات التعب باديةً على مُحيّاه؛ تَعبٌ سببُ جُزء منه هو المعاناة المريرة التي يُكابدها آباء وأمهات شباب الريف المعتقلين، خاصة الموجودين منهم في سجن عكاشة بالدارالبيضاء، إذْ يضطرّون إلى قطْع مسافة 1200 كيلومتر من أجل زيارة أبنائهم، مع ما يكلّفه ذلك من مصاريف تعجز أغلب العائلات عن توفيرها، نظرا لهشاشة وضعيتها الاجتماعية. وفي هذا السياق، قالَ أحمد الزفزافي إنَّ عدد العائلات التي كانت تزور أبناءها المعتقلين في سجن عكاشة بالدارالبيضاء كان يصل في البداية إلى 60 عائلة، قبل أن ينخفض العدد رُويْدا رويدا، بعد أن سَحبَ المجلس الوطني لحقوق الإنسان حافلةً كانت مُخصّصة للعائلات للتنقل من الحسيمة إلى الدارالبيضاء، مشيرا إلى أنّ عدد العائلات التي ما زالت تزور أبناءها في عكاشة لا يتعدّى 12 عائلة. عبد اللطيف اللعبي، الشاعر المغربي المعروف الذي كانَ جالسا إلى جانب أحمد الزفزافي، دعا إلى التعبئة من أجل دعم عائلات نُشطاء الحَراك المعتقلين، ونقْل حقيقة الوضع في الريف إلى المنتخبين والسياسيين الفرنسيّين، من خلال إحداث دفتر أبيض (Livre blanc)، تُدوَّن فيه كافة المُعطيات المتعلقة بتاريخ الريف وواقع الأحداث الجارية فيه حاليا. المبادرة، التي دعا إليها اللعبي، لا تستهدف فقط السياسيين والمنتخبين والمثقفين وغيرهم من الفاعلين الفرنسيين؛ بل دعا إلى أن تستهدف حملة دعم ومساندة الريف المثقفين والفنانين وباقي الفاعلين المؤثرين في العالم العربي وإسبانيا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدةالأمريكية. كما دعا إلى دعم عائلات المعتقلين مادّيا، طارحا فكرة اقتناء حافلة لهم، تُسعفها على زيارة أبنائها المعتقلين في سجن عكاشة. من جهة ثانية، طالبَ أحمد الزفزافي المسؤولين المغاربة بأن يُراجعوا السياسة المُتّبعة لإخماد حَراك الريف، والقائمة، بالأساس، على المقاربة الأمنية، قائلا: "العفْو عند المقدرة من الشيم السامية. نحن لا ندّعي أننا قادرون على مضاهاة المخزن، فهو يتوفر على جيش وطائرات ودبابات وعساكر... ونحن لا نملك غيْرَ السيْر في المسيرات الاحتجاجية التي أبهرت القارات الخمس برُقّيها وتحضّر المشاركين فيها". وحرص الزفزافي على توجيه رسائل إلى مسؤولي الرباط، من أجل طيِّ الصفحة التي ما زالتْ تعبث بها رياح حَراك الريف التي لم تهدأ بعد، بتأكيده على أنَّ أهل الريف متمسّكون بالوحدة الوطنية، قائلا: "في عام 1959، وقعتْ جرائمُ حرْب حقيقية وجرائمُ ضد الإنسانية في حقّ أهل الريف. وقعتْ مجازرُ جماعية كنتُ شاهدا عليها. ووقعت اغتصابات، إلى حدِّ بقْر بطون الحوامل، وقُتل الرُّضّع، ونُهبتْ أموال الريف كافة.. ورغم ذلك، ونظرا لقيَمنا ومبادئنا، حاولْنا أن نتناسى، ولكنَّ القمْع عاد ليتكرّر". الزفزافي استغربَ لعدم استجابة الدولة للمطالب التي رفعها شباب حراك الريف، والمتمثلة، أساسا، في بناء مستشفى لعلاج مرض السرطان، وبناء نواة جامعية، ومعاملَ لتشغيل شباب المنطقة، مُعتبرا أنَّه "من المَعيب رفع مثل هذه المطالب التي هي من الحقوق الأساسية ونحن في سنة 2017"، مضيفا: "ما فْهمتْش كيفاش ولادْنا كيمشيوْ يموتو فالبحر باش يْحْركُو، وكاياكلْهم الحوتْ، وحْنا كنصيّدو داك الحُوت وكانّاكلوه، يعني كناكلو وْلادنا اللي ماتوا فالبحر".