تعدد الزوجات حلال ومشروع وقانوني، وهو بالتأكيد من الحلال الممكن شرط المقدرة واليسر، لكنه قد يكون من أبغض الحلال كالطلاق. العرب هم حَمَلة مظلة تعدد الزوجات شرعا وعرفا، أما باقي المسلمين فينأون بأنفسهم عن هذا الحلال. يجب أن نتفق بدءا على أنّ تعدد الزوجات حلال وشرعي وقانوني في الإسلام، وهو حلال مثلما أنّ الحج حلال، لكنه واجب على من استطاع إليه سبيلا، حصرا، فإن مات المسلم دون أن يكون قد حج فلا إثم عليه، ومن هنا فإنّ تعدد الزوجات بدوره مرتبط بالمقدرة، إذ ليس كل مسلم قادر على أن يفتح أربعة بيوت بأربع زوجات، ويرعى القبيلة التي سوف تنتج عن فيض التناسل البشري. الكثير من المسلمين اليوم يرون أنّ تعدد الزوجات حلال لا جدل فيه ولكنه حلال بغيض، أو بات بغيضا كما حال الطلاق، فهو من أبغض الحلال عند الله. إلا أنّ غيرهم يرون في ذلك محاولة لمحاكمة التاريخ بقوانين اليوم، فمنطق الشرع لا يقر التاريخ، بل يستند إلى النص، والنص المقدس يقول “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ”. وهذا يقف على تفسير مفتاح الآية “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى”، المختلف في تفسيرها إلى حد كبير، لكن الخلاف هنا لم يتشعب إلى سني وشيعي كما باتت سمة خلافات المسلمين وجنوحها نحو التشظي، بل تشعّب إلى أنّ اليتامى هنّ الأرامل، أو أنّ اليتامى هنّ غير البالغات من البنات حتى يبلغن. إغراء دونه صعاب أحلّ الشرع للرجل الاجتماع بأربع زوجات في مخدع عشرته ولم يحل للمرأة مثل ذلك حرصا على عدم اختلاط المياه وفساد الأنساب. ثقافة اليوم تجنح لاعتبار ذلك تفضيلا مطلقا للرجال على النساء، وكذلك تعتبره الناشطات النسويات المدافعات عن حقوق المرأة انتقاصا لحريتها، وسلبا لشخصيتها وكرامتها وانتزاعا لحق أنوثتها. قد تبدو فكرة أنّ للرجل حقا شرعيا في أن يتخذ لنفسه أربع نساء زوجات، إضافة إلى عدد غير محدد من النسوة وصائف له بملك اليمين، فكرة جذابة للذكور، فهذا سيعني شريكا في المضاجعة ونسوة يقاسمنه السرير. لكن، ومنذ انتشر الإسلام خارج الجزيرة العربية بدءا بالعراق ليمتد إلى أرض فارس وتركيا وآسيا الوسطى وشمال أفريقيا وجنوب وشرق أوروبا، كان تعدد الزوجات رسما يمارسه العرب الفاتحون، قادة وجنودا ما داموا قادرين عليه. أما الشعوب التي انضوت تحت راية الإسلام فقد تعاملت مع هذا الحلال بأشد حيرة، فالقرآن صريح في تمكين الرجل من تثنية وتثليث وتربيع الزيجات، لكنّ تقاليد تلك الشعوب وموروثها الحضاري وحدود قدراتها الاقتصادية تمنع هذا المشروع المقبول من الانتشار. انتشر الإسلام بين الشعوب لكن تعدد الزوجات بقي حكرا على العرب تقريبا، فهم الفاتحون القادرون على توفير أسبابه. وفي أوقات الحروب كانت تتكدس الجواري والإماء لدى المسلمين بأعداد تصل إلى الآلاف لدى أمراء الجيوش، فهذا بحد ذاته يبدو ترفا جنسيا ما بعده ترف. لكنّ حقائق تاريخ العرب تكشف غير ذلك أيضا، فالحروب والفتوحات كانت تقود إلى مقتل الرجال فتتسبب في بقاء نسائهم وأبنائهم دون معين. وفي عصر لم يعرف معنى التأمين الصحي والاجتماعي، لم يكن هناك غير مؤسسة الزواج حصانة للأرامل والأيتام (وهو يفسر ما ذهبت إليه الآية الكريمة في سورة النساء). كما أن التزاوج من نسوة الأمم المفتوحة كان طريقة المسلمين وهم الأقل عددا في التصاهر مع الشعوب ومقاربة نسبها. ومحطة للتذكّر هنا، فالرسول الكريم لم يشرك السيدة خديجة بأي زوجة، وبقي معها وحدها حتى وفاتها، ثم صار بعدها يتزوج لمد النفوذ السياسي والقبلي تحت مظلة الإسلام كما وصلنا من شرّاح كتب التاريخ. والمحطة الملفتة للنظر هنا أيضا أنّ الرسول الأكرم لم يرزق بخلف إلا من خديجة بنت خويلد. وبنفس القدر، فإن ابن عمه علي ابن أبي طالب الذي ناسبه بالزواج من كريمته الرسول فاطمة الزهراء، لم يشاركها بزوجة أخرى حتى وفاتها، ثم طفق بعدها يتزوج حسب العرف العربي السائد، فهو أرمل وقادر على الزواج، فلا إثم عليه إذن. وإذا شئنا تفسير هذا التصرف بمقاييس اليوم، فقد نقول “إنهما لم يشاركا زوجتيهما بأخريات إكراما لأنوثتهما”. وحتى لدى عرب اليوم، تناقص الميل لاتخاذ العديد من الزوجات طبقا لتزايد نفوس العرب وتعدد دولهم منذ انفرط عقد الخلافة العربية (الدولة الأموية)، وعقد الإسلامية (السلطنة العثمانية). ليس بوسع الرجل، باعتباره معيل الأسرة الأول في العالم العربي، أن يفتح أكثر من بيت في هذا الزمان، بالإضافة إلى أنّ اختلاط الفكر والوعي والفلسفة العربية بالفكر العالمي غيّر إلى حد كبير من توقعات الرجل والمرأة على حد سواء. المرأة العربية اليوم مهما بدت متعلقة بالإسلام وتعاليمه وملتزمة بكتابه وسننه ترى في تعدد الزوجات غبنا كبيرا بحقها. ويصدق هذا إلى حد كبير على المرأة في المجتمع المدني، أما في المجتمع الريفي، فالمرأة ملك للعشيرة وقيمها. لا تملك المرأة في هذا المجتمع القبلي أن تقرر حياتها قط، لذا يسري عليها قانون تعدد الزوجات بكل تفاصيله، بل إنّ النسوة العاقرات يخطبن بأنفسهن نساء لأزواجهن عسى أن ينجبن لهم أولادا صالحين تلافيا للخلل الذي يعشنه، وبذلك يخترن أن يكنّ وصيفات لضرة يافعة تشاركهن الزوج. ومازال الزواج في عرف أغلب الناس عبر العالم “مؤسسة براغماتية هدفها الأول إنشاء كيان اقتصادي يتكامل بتعدد اليد العاملة التي ينتجها الزوجان”، وهكذا فإنّ الإنجاب شرط أساسي لقيام الشراكة. ما لا أقبله على نفسي لا أقبله لغيري في استفتاء حول تعدد الزوجات ووجهة نظر المرأة والرجل تجاهه، اتفقت أغلب النساء على رفض هذا النظام من الاشتراكية؛ فكتبت مفيدة عنكير، وهي صحافية سورية، متحدثة عن تجربتها تقول “تزوجت من رجل دون علمي بزواجه من امرأة أخرى. وعندما أخبرني بالأمر انزعجت كثيرا. لم يكن انزعاجي لأن امرأة تشاركني فيه حتى لو كانت بعيدة. ما أزعجني أني سأتسبب بجرح مشاعر امرأة مثلي، لا ذنب لها إن كان زوجها قد ملّ منها أو أن حب النساء دفعه لذلك. حتى لو كان يحبني فلا ذنب لها (..) فقررت الانسحاب من حياته وجعلته يطلّقني. كان شكرها لي أكبر من كل المشاعر التي بادلني إياها. المرأة التي لا تشعر بغيرها ليست امرأة حتى لو كان الموضوع حلالا. ما لا أقبله على نفسي لن أقبله لغيري”. وكتبت سيدة مصرية، اختارت لنفسها اسما مستعارا هو سفينة بلا شراع، تقول “رغم أني متزوجة منذ 10 سنوات لكن الله لم يرزقني بالأولاد، ومع ذلك لا أقبل أن أكون زوجة ثانية، إذا فكر زوجي في الزواج من أخرى سأطلب الطلاق فورا”؛ فيما ذهبت امرأة عراقية اختارت لنفسها اسم ثأر الله (سيدة عراقية) “قبل أن يرى زوجي العروسة الجديدة، سيشيّعه أهله إلى المقبرة قتيلا على يدي، هذا طبعا لأني أحبه ولا أسمح بأن تشاركني فيه أي امرأة أخرى”. وقالت العراقية رابعة البصرية “من حق الرجل أن يتزوج أكثر من واحدة، فالشرع أقر ذلك، ولكن من الصعب على المرأة قبول هذه الحقيقة.. لو صار لي نصيب وتزوجتُ وقرر زوجي أن يتزوج من أخرى لا أعتقد أني سأعترض عليه، شرط أن يأخذها بعيدا عن بيتي”. أما شيرين عبدالله، وهي كردية سورية ألمانية، فكتبت تقول “العالم تغيّر والمرأة لا تقبل أن تصير ضرة ولا تقبل ضرة لها. الإسلام يقبل ذلك على عيني ورأسي، ولكننا لم نر أي زواج متعدد كتب له النجاح حتى الآن. المرأة الثانية هي السيدة أما الأولى فمتروكة، الزوجة الثالثة صغيرة وتصير أميرة البيت، أما البقية فهن خادمات. هذا ما نراه في بيوت شيوخ القبائل. الزواج يعني شراكة بين اثنين على الحلوة والمرة، أما هذه فإنها اشتراكية الإناث غير العادلة، ذكر واحد لكل 4 إناث”. وقالت الصحافية العراقية زينب الخفاجي “بالتأكيد لا يمكن لي تصور نفسي كزوجة ثانية، فهذا يعني مشاركة زوجي مع أنثى أخرى، وهذا لا يمكن أن يستوعبه عقلي. بالنسبة إلى الشرع في رأيي الخاص لا أتصور أنّ الله خلق المرأة بهذا الكم الهائل من المشاعر والأحاسيس والرقة لتشارك بها أنثى أخرى لا بل ثلاث إناث أخريات (..) أنا لن أقبلها لنفسي ومقتنعة تماما بأنّ الله عز وجل لا يمكن أن يظلم المرأة بهذا الشرع، فهو خلقها كتلة من المشاعر فكيف يعذبها بمشاركة زوجها مع أنثى أخرى”. في المقابل، يذهب بعض الكتاب المعاصرين، وخاصة من ذوي التوجهات الإسلامية، إلى أنّ خيار تعدد الزوجات يعفي الزوجة من خيار تعدد العشيقات. وإلى ذلك ذهبت أستاذة القانون في جامعة القاهرة والرئيسة السابقة للجنة التشريعية في البرلمان فوزية عبدالستار، مؤكدة أنّ “تعدد الزوجات في الإسلام هو الأصل، وليس الاستثناء”. وتابعت عبدالستار في محاضرة ألقتها في ندوة حول حقوق الأسرة في الإسلام، عقدتها الجمعية الخيرية الإسلامية في القاهرة “تعدد الزوجات أفضل بكثير من تعدد العشيقات الذي يشيع في الغرب والمجتمعات الماجنة، كما أنّ التعدد يسهم بشكل كبير في حل مشكلة العنوسة التي أصبحت ظاهرة في عدد من البلدان الإسلامية”. تعدد الأزواج الاسترسال في هذا النقاش يثير حتما سؤالا شائكا “تعدد الزوجات هل يمكن أن يقابله تعدد الأزواج؟”؛ وهذا يجرّنا مرة أخرى إلى سلامة النسب وعدم اختلاط المياه. وفي هذا السياق يقول الشيخ سعد الحميد في جواب نشره على صفحة “الإسلام سؤال وجواب”، “بالنسبة إلى مشروعية التعدد للرجل ومنعه في حق المرأة هناك أمور لا تخفى على كل ذي عقل، فالله سبحانه جعل المرأة هي الوعاء، فلو حملت المرأة بجنين (وقد وطأها عدة رجال في وقت واحد) لما عرف أبوه، واختلطت أنساب الناس وتهدّمت البيوت وتشرّد الأطفال وأصبحت المرأة مثقلة بالذرّية الذين لا تستطيع القيام بتربيتهم والنفقة عليهم ولربما اضطرت النساء إلى تعقيم أنفسهن، وهذا يؤدي إلى انقراض الجنس البشري”. كما أنّ أغلب الرجال المشاركين في الحوار حول موضوع تعدد الزوجات على صفحة موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك اقتربوا من هذا الرأي. فقد شرح كريم اليوسف، المدير التنفيذي لراديو دجلة، مشاعر الطرفين بالقول “تشعر المرأة بالغيرة وفي حالة نفسية مضطربة دائما وقلة القيمة وتحاول قدر الإمكان أن تتميّز على الباقيات لإثبات الحب والولاء للزوج. أما الرجل فيشعر بالغرور والرجولة العالية ويعاني من اتخاذ القرار الصائب بالنسبة إلى الزوجات ولا يعدل أبدا بينهن ويتعب جسديا بسبب الممارسة الجنسية كل ليلة ويكون بالنتيجة ملل كبير وحياة روتينية”. أما ودق الشمري فكتب على فيسبوك “شعوري كرجل وأنا أعاشر أكثر من امرأة كأني عاهر مناصفة مع العاهرة التي تسوق جسدها لأكثر من رجل، كذلك الرجل الذي يمارس الجنس مع أكثر من امرأة”. فيما كتب الإعلامي إبراهيم سعيد “لا أعرف ما شعور المرأة وهي تقاسم أخريات زوجها، على الأغلب هي تغْلي كالبركان”. وقال الناشط فريد الحداد ردا على السؤال “برأيي الزواج بأكثر من واحدة أساسه جنسي لذلك سيكون هناك إخفاق في جانب العلاقة الاجتماعية الإنسانية لأنه لا يمكن أن تحافظ على شعور روحي متوازن تجاه الكلّ، وهذا بالتالي سيخلق الكثير من المشاكل الاجتماعية وقد يؤدي حتى إلى تفكك عائلي”. وعلق الإعلامي والناشط على فيسبوك زاهد الشرقي يقول “الزواج بأكثر من واحدة اعتبره كمن ينظر بنفسه للمرآة، حيث لا يجد أي جديد سوى التكرار”. وقال عبدالله فوزي “توجد أسباب لزواج الرجل باثنتين مثل رغبة أهله في زواجه لسبب ما مثلا عدم الإنجاب وهذا يدل على تخلّف أكيد، وهناك سبب آخر هو الرغبة في التجديد وهذا سبب غير مقنع (..) أما المرأة فلا يجوز تعدد الأزواج إلا في حالات منها إذا كانت مطلقة تتزوج مرة ثانية، أرملة لا بأس، أما حين تكون على ذمة رجل، فأكيد هذا غير جائز”. وكتب الباحث هشام العلي “من المؤكد أنّ الرجل الذي يجد نفسه محاطا بالنساء سوف يكون سعيدا وهو يهنأ بحياة كحياة الطير الذي يتقافز بين الأحضان.. أما بالنسبة إلى المرأة ففي بلد مثل العراق تقول الإحصائيات إنّ نسبة النساء أصبحت تشكل ثلاثة أضعاف نسبة الرجال فيه، فعلى المتزوجة أن تتنازل عن ثلثي زوجها لتنعم امرأتان أخريان به ولا حل للمجتمع غير ذلك”. وكتب الإعلامي صباح رحومي يقول “الزواج بأكثر من امرأة يصعب استمراره إلا في بيئة متخلفة أما زواج امرأة بعدة رجال فيتحول إلى حالة صراع من الصعب معرفة المحصلة بأي اتجاه ويتحول إلى دعارة”. وشرح الكاتب المقيم في ألمانيا إياد لطيف رأيه بالقول “أعتقد أنه مرض جنسي وإن كثرت مبررات تعدد الزوجات سواء كانت دينية أو اجتماعية”. هكذا ذهبت أغلب الآراء النسوية إلى نبذ مشروع تعدد الزوجات، واتفقت معها أغلب الآراء الرجالية، فهل نعيش لنشهد عصرا يهجر فيه العرب -أسوة بباقي المسلمين والعالم- فكرة تعدد الزوجات؟ *صحفي عراقي مقيم في المانيا