(2/4) طريقة كتابة الدارجة فرع من تصوّرها: فبما أن الحكم على الشيء فرع من تصوّره، كما تقرر القاعدة الأصولية، ولأن مؤلفي القاموس يتصوّرون أنه من السهل تحويل الدارجة إلى "عربية وسطى"، فقد عملوا على اتباع طريقة كتابة العربية المدرسية (الفصحى) في كتابة الدارجة، مطبّقين تقريبا نفس القواعد الإملائية، وحتى النحوية في بعض الحالات. وهو خطأ آخر يقعون فيه نتيجة اقتناعهم الخاطئ بإمكانية وجود "عربية وسطى" "تردم الهوة بين الدارجة والفصحى"، كما كتبوا. فرغم أنهم يذكّرون بالموقف الذي «يطالب بكتابة الدارجة بشكل يخلّيها أقرب ما يمكن من المنطوق»، وهو الشيء «اللي غادي يخلّيها تكون سهلة في القراءة والكتابة» (صفحة 11)، إلا أنهم لم يتبنوا هذا الموقف، مكتفين بتبرير رفضهم له بالقول: «لكن بعض القواعد الإملائية واللغوية تقدر تولّي أكثر تعقيدا» (صفحة 11)، ودون إعطاء ولو مثال توضحي واحد لهذا التعقيد الذي ينتج عن تلك الطريقة في الكتابة، حتى نتفهّم ونتقبّل التخلّي عن هذه الطريقة. وعندما يكتبون بأنهم لم يختاروا هذا الموقف ولا الموقف الثاني الذي «كا يعتبر بأن الدارجة ما هي إلّا عربية فصحى منطوقة في بعض الكلمات بنطق مغاير [...]. وفي هذ الحال ما شي مشكل إلا كان الشكل الكتابي ديال الكلمات ما كا يتطابق شي في كل الحالات مع المنطوق» (صفحة 11)، ليختموا بالقول: «اخترينا الطريق الوسط اللي كا يسمح للدارجة باش تتبّت كتابتها بلا ما تبعّد على الفصحى إلا كان ممكن»، (عندما يكتبون ذلك) فهم في الحقيقة يتبنّون الموقف الثاني الذي يدعو إلى كتابة الدارجة على أساس أنها ليست «إلّا عربية فصحى منطوقة في بعض الكلمات بنطق مغاير». لماذا؟ لأن هذا "الطريق الوسط" هو بالفعل المتّبع في كتابة العربية الفصحى، والذي يجمع بين كتابة مطابقة للمنطوق، كما في هذه الأفعال: "ضرب"، "دخل"، "خرج"، وكتابة قد تكون مخالفة للمنطوق، كما في مصادر نفس هذه الأفعال: "ضرْب"، "دخول"، خروج"، والتي تنطق "ضرْبُن، دخولُن، خروجُن"، بنون منطوقة لكن غير مكتوبة، أو كما في مثل هذه العبارة: "في الشارع"، حيث نكتب ألف ولام "الشارع" دون أن ننطقهما. ومعروف أن هناك طريقتين فقط للكتابة: طريقة تطابق المكتوب مع المنطوق écriture phonétique، وطريقة اختلاف المكتوب عن المنطوق (قليلا أو كثيرا) écriture phonologique. هذا فقط لتبيان أن "الطريق الوسط"، الذي يزعم المؤلفون أنهم تبنّوْه في كتابة الدارجة، هو أصلا غير موجود، لأنه هو نفسه الطريقة المتّبعة في كتابة الفصحى. وبالتالي فإن تطبيق هذه الطريقة يستند ضمنيا إلى التعامل مع الدارجة على أنها «عربية فصحى منطوقة في بعض الكلمات بنطق مغاير»، مع كل ما سيترتّب عن ذلك من أخطاء والتباسات وصعوبات إضافية كان من السهل تجاوزها لو تم التعامل مع كتابة الدارجة بطريقة مستقلة عن طريقة كتابة العربية، وذلك باستنباط القواعد الإملائية لكتابتها من طبيعة هذه الدارجة وخصوصيتها كلغة مستقلة عن الفصحى. ما هي الطريقة الأفضل للكتابة؟ يجدر التذكير، بخصوص موضوع الكتابة، أن الأصل في اللغة أنها منطوقة. هكذا نشأت تاريخيا، وهكذا يكتسبها الأنسان كلغة أم، قبل أن يتعلّم الكتابة. وهو ما ينتج عنه إذن أن أفضل طريقة لكتابة اللغة هي تلك التي تنقل المنطوق وتحافظ عليه كما هو، أي الكتابة الصوتية Ecriture phonétique، التي يطابق فيها المكتوبُ المنطوقَ، حيث يكون لكل صوت حرف خاص به. وإذا كانت العديد من اللغات لا تحترم كتابتُها هذا المبدأَ، فذلك لأن طريقتها الحالية للكتابة، وخصوصا ما يتعلق منها بالعلاقة بين المكتوب والمنطوق، لم تتحدّد، دفعة واحدة وفي صيغتها النهائية، منذ تجربتها الأولى في ممارسة الكتابة. بل إن التطور التاريخي لهذه الممارسة هو الذي أدّى إلى الشكل الحالي الذي تُكب به تلك اللغات، ويفسّر ما تحتوي عليه طريقة كتابتها، كما في الإنجليزية والعربية والفرنسية مثلا، من حروف زائدة تُثقل الكتابة وتجعل ضبط قواعدها صعب الاستيعاب والتطبيق بيداغوجيا بالنسبة لتلميذ يتعلم كتابة هذه اللغات. وهي حروف تشكّل، وحتى عندما يكون لها معنى تاريخي ولغوي يدلّ على بقايا ألفاظ اختفت أو ألفاظ استُوردت من لغات أخرى أجنبية، عوائق وصعوبات إملائية ليست ضرورية لكتابة تلك اللغات بطريقة أسهل وأفضل. ولهذا فلو كان من الممكن أن يبدأ لسانيو وخبراء تلك اللغات تأسيس قواعد كتابتها من جديد، كما لو أنها لم يسبق أن عرفت الكتابة من قبلُ مثل الدارجة، فمما لا شك فيه أنهم سيضعون قواعد لكتابتها تتجاوز عيوب تلك المطبّقة حاليا، وتكون أبسط وأخفّ وأنسب، وأيسر بيداغوجيا لتعلّم كتابة وقراءة تلك اللغات. ولأن كتابة الدارجة مشروع جديد لا تتوفر معه على إرث كتابي بقواعد للكتابة قد لا تكون هي الأفضل والأنسب، فإن هذا المشروع هو إذن فرصة لاختيار الطريقة الأفضل والأنسب لكتابتها. عودة إلى طريقة الكتابة الصوتية Ecriture phonétique، التي يطابق فيها المكتوبُ المنطوقَ، والتي قلنا إنها أفضل طريقة للتعبير خطّيا عن اللغة المنطوقة، يجدر التنبيه أن الأمور، من الناحية العملية، لا تسير بهذه البساطة "الميكانيكية" حيث يُعيّن لكل صوت شكل كتابي خاص به. فهناك حالات كثيرة يؤدّي تطبيق هذه الطريقة عليها إلى التباس في فهم المقصود ببعض الكلمات التي تُنطق بنفس الأصوات. فمثلا في الفرنسية لا يمكن التمييز بين المفرد والجمع في هذه الجملة التالية، لأنها تُنطق بنفس الأصوات، سواء في صيغة الجمع أو المفرد: il parle, ils parlent. ولهذا تقرّر، كقواعد صرفية وإملائية للغة الفرنسية المكتوبة، إضافة حروف مكتوبة لكن غير منطوقة، وذلك للتمييز بين صيغتي الجمع والمفرد، كما في المثال، ورفع الخلط الذي قد يحدث بين الصيغتين. لكن قد نجد لغات أخرى تستغني عن اللجوء إلى مثل هذه الحروف غير المنطوقة للتمييز بين الجمع والمفرد في المثال الذي قدّمناه، كما في اللغة الإسبانية التي يُعبّر فيها عن تلك الصيغتين، من نفس المثال، بهذا الشكل: él habla, ellos hablan. هنا، بالنسبة لهذا المثال في الإسبانية، لا حاجة لحروف زائدة عما هو منطوق. لماذا؟ لأن التمييز بين الجمع والمفرد تقوم به الأصوات المنطوقة نفسها. أما عندما تُكتب الكلمة بشكل مختلف عن المنطوق، أو بإضافة حروف غير منطوقة، ودون أن يكون هناك مسوّغ وظيفي وتمييزي لهذا الإجراء، فإن هذا الأخير، بدل أن يرفع اللبس والخلط المحتملين، يضاعفهما ويزيد من إمكان حضورهما. القاعدة المثالية إذن أن كتابة نفس الأصوات بشكل مختلف، أو بحروف زائدة غير منطوقة، تكون ضرورية فقط عندما يكون لها دور وظيفي وتمييزي pertinent, distinctif، يرمي إلى تلافي اللبس والخلط المحتملين بين معنيين مختلفين لكلمتين بنطق واحد، مثل mer (بحر) و mère (أم) في الفرنسية. صعوبات إضافية بسبب تطبيق الإملائية العربية: بناء على هذه القاعدة تكون أفضل طريقة لكتابة الدارجة هي كتابتها بشكل مطابق للمنطوق، إلا عندما يكون اختلاف المكتوب عن المنطوق ضروريا، لأنه يؤدّي دورا وظيفيا وتمييزيا. لكن عندما نتصفّح قاموس الدارجة، نلاحظ أن طريقة الكتابة المتّبعة لا تستجيب لهذه القاعدة، إذ نجد كلمات تُكتب بحروف زائدة عمّا هو منطوق دون أن تكون لتلك الزيادة ما يبرّرها، لا منطقيا ولا نحويا ولا صرفيا ولا لغويا ولا بيداغوجيا. في ما يلي نماذج توضّح ذلك: أ كتابة الاسم المعرّف: لنقرأ هذه العبارة من الصفحة 11، وهي مكتوبة بالطريقة التي اختارها المؤلفون لكتابة الدارجة: «لازم من التذكير بأن الكتابات ديال الدارجة الموجودة اليوم...». نلاحظ أن الشكل المكتوب لهذه العبارة مختلف عن منطوقها الصوتي الذي هو: "لازم من تّذكير بأن لْكِتابات ديال دّاريجا لْموْجودا لْيومْ...". لماذا إذن كتابة "تّذكير"، "لْكِتابات"، "دّاريجا"، "لْموْجودا" و"لْيومْ"، بأداة التعريف "ال"، التي تختفي في المنطوق الصوتي لهذه الكلمات؟ قد يكون المبرّر الوحيد لذلك هو أن "ال" ضرورية للتمييز بين المعرفة والنكرة. لكن هذا التمييز موجود صوتيا ولا حاجة، بالتالي، لتأكيده بإضافة حروف زائدة: فعندما يتعلق الأمر بما يقابل "ال" الشمسية، مثل "تّذكير" و"دّاريجا"، يكفي تشديد الحرف الأول للكلمة، كما هو مطابق لنطقها، لتفيد معنى التعريف. امّا إهمال ذلك التشديد، كما في منطوقها الصوتي، فيفيد معنى النكرة، مثل "تذكير" و"داريجا". أمّا عندما يتعلق الأمر بما يقابل "ال" القمرية، مثل "لْموِجودا" و"لْيُوم"، فيكفي، كما هو مطابق لمنطوقها الصوتي، تسكين اللام التي تبدأ بها لتفيد معنى المعرّف. في حين أن كتابتها بدون لام، كما هو نطقها، تفيد معنى النكرة. وهذه قاعدة قارّة مضطردة في الدارجة. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا إثقال هذه الدارجة بقاعدة خاصة بالعربية الفصحى، حيث هي أصلا قاعدة "ثقيلة" في العربية نفسها. وهذا يعرفه كل المعلّمين الذين وقفوا على ما يعانيه التلاميذ من صعوبات في استيعاب هذه القاعدة الخاصة ب"ال" الشمسية والقمرية. ب همزة الوصل: ويرتبط بهذه الصعوبة، التي ينقلها القاموس من العربية إلى الدارجة، كتابة همزة الوصل غير المنطوقة في أول الكلمة. إذا كان النحويون أنفسهم يعترفون أن الغاية من هذه الهمزة في العربية هي فقط تجنب البدء بالسكون، فلماذا فرضها حتى في الدارجة ما دامت لا تقوم بدور نحوي أو إملائي وظيفي وتمييزي؟ وإذا كان العديد من المتمكّنين من العربية لا زالوا يخلطون، كما تدلّ على ذلك كتاباتهم، بين همزة الوصل والقطع، فكيف نطالب من يستعمل الدارجة بالتمييز بينهما على الوجه الصحيح؟ ويُدرج القاموس همزة الوصل كذلك في كتابة أفعال ذات صيغة غير عربية، كما في هذه الجملة من الصفحة 11 من الكتاب: «مشكل الكتابة اتّطرح بقوة». مع أن هذه الصيغة لفعل "طرح" ليست عربية، بل هي أمازيغية يُعبّر بها في هذه اللغة عن المبني للمجهول للفعل الثلاثي. وهي الصيغة المستعملة في الدارجة للتعبير عن معنى المبني للمجهول للفعل الثلاثي المتعدّي، مثل: "تّقْتلْ"، "تّضْربْ"، "تّوْلدْ"، "تّشْوَى"...، والتي لا علاقة لها بالصيغة العربية للمبني للمجهول: قُتل، ضُرب، وُلد، شُويَ...، ولا بصيغته في اللهجات الخليجية وليس المصرية التي قد يسري عليها، في علاقتها بالعربية، ما يسري على الدارجة ولو بدرجات متفاوتة التي يحضر فيها معنى المبني للمجهول من غير التي حافظت على صيغته الفصيحة مثل اللهجة النجدية عبر فعل المطاوعة بصيغته للمعلوم: انقتل، انضرب، انولد، انشوى... (حسين محمد حسين، "المبني للمجهول في اللهجة البحرانية" http://www.alwasatnews.com/ipad/pdf/3759/mon14.pdf ). ج حرف الجر "في": وبعدما شرح المؤلفون (صفحة 12) أنهم اختاروا الاحتفاظ بالحروف (المقصود حروف المعاني والربط) متصلة بالكلمة التي تليها إذا كان الحرف أحاديا (حرف وحيد). لكنهم استثنوا حرف الجر "في"، الذي اختاروا كتابته منفصلا عن الكلمة التي تليه، كما يُكتب في الفصحى. والأهم في هذا الاختيار هو المبرر الذي يستند إليه المؤلفون، حيث يقولون لتعليل اختيارهم: «السبب هو أن منين كا تلتصق ب [في] ضمائر متصلة بحال [ك] [ه] [ها] [كم] [هم]، الخ. كا يتّنطق كيف ما في الأمثلة: [الكتاب فيه التصاور] أو [الجرائد فيها إعلانات كثيرة]، [واش ما خدّام حتّى واحد فيكم هذ الصباح؟]» (صفحة 12).نستنتج إذن من هذا التعليل أن حرف "في" يُكتب منفصلا عن الاسم الذي يليه، فقط لأنه يُكتب غير منفصل عن الضمائر التي تأتي بعده (لا حاجة لتأكيد أن الأمر يتعلق بالضمائر المتصلة تمييزا لها عن الضمائر المنفصلة، لأن حرف "في" لا يدخل على هذه الضمائر المنفصلة). سيكون هذا التعليل لمؤلفي القاموس مفهوما ومقبولا، لأنه ينبني على وحدة في القاعدة الإملائية لكتابة هذا الحرف، لو أنهم اختاروا وفسّروا كتابته متصلا بالاسم لأنه يُكتب كذلك عندما يدخل على الضمائر. ولهذا فإن أقل ما يقال عن هذا التعليل أنه عليل، وخصوصا أنه يفضي إلى قاعدة إملائية، لكتابة هذا الحرف في مختلف الأوضاع، غير سهلة بالنسبة للتلميذ الذي يتعلم كتابة الدارجة، لأن هذه القاعدة تتطلب التمييز بين حالتي الاسم والضمير، والتمييز، كذلك، بين ما يُكتب طبقا للمنطوق (حالة دخول "في" على الضمير) وما يُكتب مختلفا عن المنطوق (حالة دخول "في" على الاسم). مع أنه يمكن صياغة قاعدة بسيطة وعامة، مستخلصة من خصوصية النطق بالدارجة، لكتابة حرف "في"، وهي أنه "يكتب كجزء من الكلمة التي تليه، وكما يُنطق بها" ("فلْمدرسا في المدرسة ، "فدّار" في الدار ،"فيه"، "فيها"، "فيكم"...). لماذا إذن تجاهل هذه القاعدة السهلة والبسيطة والعامة، التي تنطلق من مبدأ مطابقة المكتوب للمنطوق، إذا كان اعتمادها لا يتسبّب في أي خلط أو التباس وغموض؟ فطريقة كتابة حرف "في"، كما يقترحها القاموس، ولأنها تختلف عن المنطوق دون سبب ضروري معقول، فهي صعبة ومعقّدة بيداغوجيا، ودون أن تكون هذه الصعوبة والتعقيد ضروريين، يستلزمهما مثلا رفع التباس أو خلط ممكنين في معنى الكلمة أو التعبير. د الضمير المتصل للمذكّر المفرد الغائب: وفي ما يتعلّق بالضمير المتصل المسند إلى المذكر المفرد الغائب، الذي تدلّ عليه الضمة المشبعة (حرف "الواو") في الدارجة كما في: "كتابو" (كتابه)، يقترح المؤلفون كتابته بالهاء كما يُكتب في الفصحى (كتابه). ويبررون هذا الاختيار كما يلي: «إلا وضعنا قاعدة كا تقول بأن الضمير كا يتّكتب "واو" في حالة المذكر المفرد، خاص القاعدة تكون شاملة وتفسّر لينا علاش هذ الواو كا يولّي هاء في المؤنث والجمع: [كتاب] [كتابو، كتابها، كتابهم]» (صفحة 13). مع أن السؤال نفسه يعطي الجواب، وهو أن هذا "الواو"، الناتج عن الضمّة المشبعة لحرف الباء، والدال على ضمير المذكّر المفرد، إذا كان يختفي وتحلّ محله هاء بفتحة مشبعة في المؤنث، وهاء متبوعة بميم في الجمع، فلأن الأمر يتعلق بضميري المؤنث والجمع وليس بضمير المذكّر المفرد. فلو انطلقوا من خصوصيات الدارجة وحدها، كلغة مستقلة عن العربية، ليستخلصوا منها القواعد الإملائية المناسبة لكتابتها، لأدركوا أنه ليس من الضروري أن حرف "الهاء"، الغائب نطقا في ضمير المفرد المذكّر، يجب أن يحضر خطيا في كتابة هذا الضمير، فقط لأنه حاضر في ضميري المؤنث والجمع. فإذا كانت تلك قاعدة خاصة بالعربية، فلا يعني أنها عامة بالنسبة لجميع اللغات، وضمنها الدارجة، وإلا لكان ضمير الجمع في الفرنسية، كما في عبارة Leur livre، يجب أن يظهر خطّيا كذلك في صيغة المفرد، فنكتب Son leur livre ولا نكتفي فقط ب Son livre. هكذا يختار إذن مؤلفو القاموس طريقة لكتابة الدارجة، أصعب بكثير من طريقة الكتابة الصوتية (مطابقة المكتوب للمنطوق)، فقط لأنهم يريدون نقل القواعد الإملائية والنحوية للعربية إلى الدارجة، حتى يخلقوا من هذه الأخيرة "عربية وسطى". فهدفهم ليس هو وضع قواعد لكتابة الدارجة الموجودة والواقعية، بل وضع قواعد لكتابة لغة متخيّلة وغير موجودة، وهي ما يسمونه ب"العربية الوسطى". وهذا ما وضّحوه بقولهم إن «هذا الاختيار كا يحل إشكال بيداغوجي آخر كا يتمثل في ردم الهوّة بين الدارجة والفصحى» (صفحة 13)، وهو "الردم" الذي سيعطينا تلك "العربية الوسطى". وقد اضطرهم تحقيق هذا الهدف إلى التضحية بسهولة الكتابة الصوتية التي تتميز بها كتابة العربية، بخصوص هذه الحالة المتعلقة بالضمير المتصل، وحرمان الدارجة من هذه السهولة، ليجعلوا كتابتها، بسبب إضافة حروف غير منطوقة ودون أن يكون ذلك ضروريا، أصعب وأعقد بالنسبة لمن يتعلم قراءة وكتابة هذه الدارجة، وذلك فقط من أجل إعطاء الدليل على أن ذلك الضمير يرجع في أصله إلى الفصحى، مع أن الأمر يتعلق بلغة أخرى غير العربية الفصحى. ه التاء المربوطة للاسم المؤنث: ونفس الشيء فعله المؤلفون مع الأسماء المؤنثة التي كتبوها بتاء مربوطة في آخرها، كما في الفصحى: "مدرسة" وليس "مدرسا"، "الدارجة" وليس "دّارجا"، "سيارة" وليس "سيارا"، "فاطمة" وليس "فاطما"...، كما تُنطق هذه الكلمات في الدارجة. فليس من الضروري كتابة هذه التاء غير المنطوقة لأنها تدلّ على الاسم المؤنّث، ذلك أن علامة تأنيث الاسم في الدارجة تدلّ عليها، في الغالبية العظمى من الأسماء وليس كلها، الفتحة المشبعة للحرف الأخير في الاسم: دارجَا، مدرسَا، سيارَا، رجل زوين مرا زوينَا، ولد مريض بنت مريضَا... كما أنه ليس من الضروري كذلك أن تُكتب هذه التاء غير المنطوقة للاسم المؤنث، لأنها حاضرة ومنطوقة في الجمع (صيغة المؤنث السالم)، وإلا فإن "نون" جمع المذكر السالم في العربية، كما في "مسلمون"، يجب أن يحضر كذلك في المفرد "مسلم". ويمكن صياغة قاعدة لتفسير حضور هذه التاء منطوقة في الجمع مع غيابها في المفرد، مفادها أن "الاسم المؤنّث يُجمع بإضافة تاء ساكنة في آخره: مريضا مريضات، زوينا زوينات، خدّاما خدّامات، سيارة سيارات، فايقا فايْقات... وهكذا تكون لدينا كتابة سهلة وبسيطة لأنها مطابقة للمنطوق، وتكون لدينا في نفس الوقت قاعدة سهلة وبسيطة لصياغة جموع الاسم المؤنث. وإذا كنا سنحتج بأمثلة تشذّ عن هذه القاعدة الخاصة بالجمع، فهو شيء نلاحظه كذلك وفي العربية الفصيحة أيضا حتى بالنسبة للاختيار الذي يقضي بكتابة التاء غير المنطوقة، كما في "نمرة" التي يجمعها القاموس على "نوامر"، وخنشة" على "خناشي"، و"جفنة" على "جفاين" و"جلفة" على "جلوف"...، بدون التاء الدالة على جمع المؤنّث السالم، مما تكون معه كتابة التاء في الاسم المؤنث المفرد أمرا لا معنى ولا مسوّغ له. إذن، إذا كان عدم شمولية القاعدة لجميع الحالات الممكنة أمرا لا مفر منه، سواء كتبنا التاء غير المنطوقة كما فعل مؤلفو القاموس، أو استغنينا عنها لهذا السبب، أي لأنها غير منطوقة، فإن هذا الاختيار الأخير يمتاز، على الأقل، عن الأول بالبساطة والسهولة والوضوح، لأنه يطابق المنطوق، وهو فرق له آثاره البيداغوجية في تعليم وتدريس الدارجة والتدريس بها. وتضيف كتابةُ تاء الاسم المؤنث، غير المنطوقة، صعوبة إملائية أخرى لكتابة الدارجة، وهي التي يلخصها السؤال التالي: لماذا ستُكتب هذه التاء مربوطة وليس مفتوحة؟ ما هو معيار التمييز بين التاء المربوطة والتاء المفتوحة؟ إذا كان العديد من التلاميذ، وحتى في المستوى الإعدادي، لا يضبطون القاعدة التي تحكم كتابة التاء مربوطة أو مفتوحة، فلماذا ننقل هذه الصعوبة إلى الدارجة، مع أن هناك إمكانية لتجاوزها؟ إذا تعاملنا مع الدارجة انطلاقا من خصوصياتها كلغة مستقلة عن العربية، ومن خارج منطق القواعد الإملائية لهذه العربية، فإن التاء المربوطة يجب أن تختفي نهائيا في كتابة الدارجة، لأنها لا تقوم بأي دور وظيفي وتمييزي، ما عدا جعل كتابة هذه الدارجة أعقد وأصعب. أما تعليل كتابة تاء تأنيث الاسم على أنها تصحيح للكلمة المنطوقة في الدارجة بلا تاء، وذك بردها إلى أصلها الفصيح الذي تُنطق فيه هذه التاء، فهو تعليل عليل ومردود للأسباب التالية: إذا كان الأصل الفصيح للكلمة هو الذي يحدّد قاعدة كتابتها في الدارجة، فلماذا الاعتناء أصلا بكتابة هذه الدارجة ووضع قاموس خاص بها، إذ كان ينبغي، حسب هذا المنطق الذي يُرجع الدارجة إلى أصلها الفصيح المفترض، الاكتفاء بالعربية الفصحى، التي تمثّل هذا الأصل، وعدم التفكير نهائيا في كتابة الدارجة، ما دامت هذه الكتابة هي عودة بها إلى الفصحى. سيكون إذن من العبث بذل كل هذا المجهود من أجل كتابة الدارجة وتصحيحها بردها إلى أصلها الفصيح المفترض، في الوقت الذي كان يجب فيه ربح الوقت والجهد بالاكتفاء بالفصحى المتوفّرة والجاهزة، والتي لا تحتاج إلى جهد ووقت لتصحيحها وتقويمها. إذا كان الأصل الفصيح للكلمة هو الذي يحدّد قاعدة كتابتها في الدارجة، فلماذا لم يكتبوا كل كلمات الدارجة حسب أصلها الفصيح كما فعلوا لتاء الاسم المؤنث؟ لماذا كتبوا "راجل" وليس "رَجُل، "جا" (لم ترد هذه الكلمة في المعجم (؟)، لكنها مذكورة في مادة "أجي" التي تحيل على "جا" كأصل اشتقاقي لها) وليس "جاء"، "كال" وليس "أكل"، "سال" وليس "سأل"، "برا" (من المرض) وليس "برئ"، "نسا" وليس "نساء"...، كما تكتب في أصلها الفصيح؟ ثم إن هذا التعليل لكتابة تاء الأسماء المؤنثة لا يشكّل قاعدة قارة وشاملة، وهو ما تبيّنه كتابة "ماكلة"، المنطوقة "ماكلا"، مع أن أصلها في الفصحى اسم مذكر يكتب بلا تاء مربوطة في آخره (مأكل)، وكتابة "مباتة"، المنطوقة "مباتا"، مع أن أصلها في الفصحى اسم مذكّر يكتب بلا تاء مربوطة في آخره (مبيت)، وكتابة "مثْلة"، المنطوقة "مثْلا"، مع أن أصلها في الفصحى اسم مذكّر يكتب بلا تاء مربوطة في آخره (مثَل)، وكتابة "قباحة"، المنطوقة "قْباحا"، مع أن أصلها في الفصحى اسم مذكّر يكتب بلا تاء مربوطة في آخره (قُبْح)، وكتابة "فهامة"، المنطوقة "فْهاما"، مع أن أصلها في الفصحى اسم مذكّر يكتب بلا تاء مربوطة في آخره (فهْم)... بل حتى الألفاظ الأجنبية، التي يُنطق بها مؤنّثة في الدارجة، والتي لا أصل لها في الفصحى، كتبها القاموس بتاء مربوطة في آخرها، تطبيقا لقواعد الفصحى التي لا تنتمي إليها تلك الألفاظ، مثل: "لامبة" التي تُنطق "لامبا" (Lampe)، "طبلة" التي تُنطق "طابلا" (Table)، "بيسكليطة" التي تُنطق " بيسكليطا" (Bicyclette)، "نمرة" التي تُنطق "نمْرا" (Numéro)، "ماكينة" التي تُنطق "ماكينا" (Machine)، "باليزة" التي تُنطق "باليزا" …(Valise) كل هذا يبيّن أن هذه الكتابة لتاء مربوطة غير منطوقة، للأسماء المؤنثة في الدارجة، يخضع للاعتباطية، ولا ينبني على قاعدة قارة ومضطردة، وتعليل منطقي ومقنع. تصعيب الدارجة بتفصيحها: (يُتبع)