تعرف الساحة الوطنية جدالا واسعا حوا الإعداد للانتخابات المقبلة بما تمثله هذه الأخيرة من ترجمة عملية لإرادة الإصلاح وما يتفرع عنها من إجراءات وقوانين ومؤسسات في إطار الدستور الجديد الذي يؤسس لمغرب جديد ولملكية دستورية ديمقراطية اجتماعية، كما تمثل هذه الانتخابات التعبير الحقيقي للانتقال من الإصلاح الدستوري إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي مفتاحه نزاهة المسلسل الانتخابي بمساهمة جميع الأطراف خاصة الحكومة والمعارضة، فالحكومة مطالبة بإعداد قوانين وتدابير من شأنها تحقيق النزاهة وكافة الضمانات لقانونية والإدارية والإعلامية لحمايتها من كل الخروقات والانزلاقات. أما المعارضة ومنها حزب العدالة والتنمية فهي مطالبة بالعمل على المراقبة والاقتراح والتعبئة لمواجهة أي انحراف وأيضا لتعبئة فئات عريضة من الشعب للمشاركة والدفاع عن حقها في النزاهة وبالتالي في الديمقراطية الحقيقية. ومن خلال هاتين الزاويتين المتقابلتين -حكومة ومعارضة- يبدو أن الجميع متفق على ضرورة إيجاد ضمانات حقيقية وعملية وملموسة من أجل انتخابات لا نريد أن تكون محل طعن، لذلك فالعدالة والتنمية لا يشكك في نزاهة الانتخابات وهي لم تقع وإنما يطالب بضمانات كغيره من الأحزاب، ويقوم بذلك بواجب وطني أولا ومن موقعه كحزب معارض (للحكومة طبعا) ثانيا، فالحزب يعتبر أن مشاريع القوانين المعروضة على البرلمان لا تضمن لصيغتها الحالية، إذا لم تعدل، ما يرجوه المغاربة من عهد ديمقراطي زاهر. فاللوائح والتقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع والعتبة والإشراف على الانتخابات والمراقبة وحياد الإدارة الإيجابي ,,. وغيرها من القضايا ذات الصلة بالانتخابات، ليست قضايا فحسب وإن كانت تبدو ذلك، بل هي مفاتيح سياسية قد تدل على الإرادة الحقيقية في تحقيق النزاهة وبالتالي الشروع في الإصلاح السياسي و المؤسساتي المنشود. فالحزب منخرط في النضال الوطني الجماعي والتوافق العام حول مسلسل الإصلاح وبناء مغرب جديد ودولة قوية ومجتمع متضامن ومواطن مسؤول، وفي نفس الوقت يقوم بدوره في النضال ضد أي توجه من الحكومة أو الداخلية أو أي جهة تريد تحريف هذا المسلسل عن مساره الذي ارتضاه المغاربة جميعا، وسيحتج ضد أي قانون لا يؤسس للنزاهة المنشودة وضد أي إجراء لا يعبر عن عمق إرادة الإصلاح وضد أي تدخل للسلطة لا يلتزم الحياد الانتخابي وضد أي تحرك مشبوه لمرشح أو فئة أو حزب يخالف القانون، وذلك قناعة منه أن الوطن فوق الجميع وأن المصلحة العليا للبلاد تقتضي ذلك وأن دور الحزب وأي حزب غيره هو القيام بهذا الواجب. إن هذا الجدال السياسي بين الحكومة وحزب العدالة والتنمية إيجابي وضروري، فالحكومة ومن خلالها الداخلية تؤمن أنها تقوم بما عليها وهذا حقها. والحزب يرى أن الإعداد للانتخابات بقوانينها وإجراءاتها وعدم حياد بعض رجال السلطة، لا يمثل ضمانات كافية لنزاهة الانتخابات ولا يحقق تعبئة قوية للفئات الشعبية قصد المشاركة. فلم يصدر أي موقف رسمي من الحزب يشكك في نزاهة الانتخابات، لأن ذلك سيكون معناه ضرب أي توجه لدى الحزب بل الأحزاب الوطنية لتعبئة المواطنين. وسيكون معناه أيضا أن الحزب سيشارك في مسرحية محسومة نتائجها سلفا. وسيكون معناه أخيرا أن الحزب اختار القطيعة مع التفاؤل الذي يفرضه النضال السياسي. كل ذلك غير صحيح فالحزب لا يشكك كما يروج لها البعض، بل يناضل ويحتج ويطالب قياما بواجبه لتحقيق النزاهة والدخول في العهد الديمقراطي، لمصلحة الوطن أولا وأخيرا وليس لمصلحة أي حزب حتى لو كان العدالة والتنمية.