بعد سنوات على تواريه عن الأنظار ورفضه الحديث إلى وسائل الإعلام للرد على كل ما يقال حول تدبيره الحقل الديني، بصفته وزيرا مسؤولا عن الأوقاف والشؤون الإسلامية، استطاعت هسبريس أن تقنع الوزير، الذي يصفه مقربون منه بالصامت المفضل للاشتغال بعيدا عن أضواء الكاميرات، بتوضيح الكثير من تساؤلات المتابعين للشأن الديني المغربي حول تدبير هذا الملف الحساس. أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، يحل ضيفا خاصا على هسبريس للإجابة عن الكثير من الإشكالات المرتبطة بالحقل الديني، ومنها وضعية الأئمة والقيمين الدينيين، وقضية الإرهاب، وإعادة هيكلة الحقل الديني، ودور الزوايا في حماية التدين المغربي، الذي يستلهم منها روح التصوف والأخلاق. وستبث هسبريس هذا الحوار عبر ثلاث حلقات؛ إغناء للنقاش حول موضوع التدين المغربي، وضمانا لتفاعل المتتبعين مع رؤية المسؤول الأول عن الشؤون الإسلامية في الحكومة، ومنفذ الرؤية الملكية في ملف الحقل الديني. الحلقة 2 في الحلقة الثانية من هذا الحوار الحصري مع جريدة هسبريس لم يبدِ وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية اتفاقه مع التحليلات الإعلامية، التي تربط بين إعادة هيكلة الحقل الديني وما جرى يوم 16 ماي 2003 من أحداث أليمة عاشتها الدارالبيضاء ومعها عموم المغاربة، حيث أجاب بلغة واضحة لا يساورها ترميز أنه من الحيف الربط بين الأحداث الإرهابية في البيضاء وبين تفكير أمير المؤمنين ومعه وزير الأوقاف في إعادة هيكلة الحقل الديني وإعطاء انطلاقة الخطة المغربية في مجال هيكلة هذا الملف. وفي السياق ذاته، أشار وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى أن مشروع هيكلة الحقل الديني هدفه حماية ثوابت الأمة من المخاطر القادمة إليه من الخارج، موضحا أن التلوث الفكري قدم من خارج المجتمع المغربي، الذي عاش طيلة قرون بإسلامه الشعبي المعتدل. فالمغاربة، حسب التوفيق، لا يكفرون أحدا، ولا يشككون في مذاهب الدول الأخرى، عكس الذين يدعون إلى مذاهبهم، ويعتبرون الإسلام المغربي ضعيفا ولا يمت بصلة إلى منهج السلف الصالح. واعتبر وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أن فكرة اللا مذهبية مستوردة، وأنها تحاول النيل من ثوابت الأمة المغربية، المبنية على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وتصوف الجنيد السالك، مستحضرا في السياق عينه ضرورة اعتماد المقاربة التاريخية لفهم ما يقع في مجتمعاتنا الإسلامية، وعلى رأسها المجتمع المغربي. وأوضح التوفيق أن المسلمين تسرب إليهم الوهن لأنهم فرطوا في أمور الدنيا، من صناعة وتحديث، وهو ما أسماها القوة المادية والأمور المرتبطة بالآخرة، مضيفا أنهم جعلوا هوسهم ونموذجهم غربي الهوى، وبالتالي تقوقعوا وانعزلوا، فتجاوزتهم الحضارة الغربية وفاتهم الكثير من العلم الدنيوي، على حد وصفه. وعلاقة بخطة إعادة هيكلة الحقل الديني، قال وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إن "جلالة الملك محمد السادس، بصفته أميرا للمؤمنين، وبعد تعيينه في السادس من نونبر 2002، طلب مني إعداد رؤية وخطة واضحة تهم ملف الحقل الديني، وتتضمن، حسب توجيهاته، محاور المساجد والقيمين الدينيين والمجالس العلمية". وأضاف أن "هذه الخطة ليست مستوردة ولم نطلب فيها خبرة الخارج، بل هي خطة مغربية كان المغاربة يمارسونها ويعيشون بها، وهي من صميم تدينهم، غير أن الوزارة قنّنتها ووضعت لها إطارا تنظيميا لحماية تدين المجتمع، الذي يعيش في عالم ملتبس". وبخصوص ملف التطرف وتفكيك الخلايا الإرهابية من طرف أجهزة الأمن المغربي، قال أحمد التوفيق إن الوزارة لا تملك عقارا أو وصفة دواء تعطيه للمغاربة حتى لا يلتحقوا بتنظيمات الانتحار كما وصفها، محذرا في الوقت ذاته من كون بعض المغاربة هم الذين يضعفون ثوابت هذه الأمة ويجعلون الخطر القادم من الخارج يتضاعف. ونبه إلى أن الجميع عليه أن يكون حذرا لأنه قد يساهم في الرفع من هذه المخاطر بالتقليل من قيمة ثوابت الأمة التي هي مصدر حمايتها. وشكك التوفيق في الأرقام التي يقدمها الإعلام لعدد الملتحقين بهذه التنظيمات المتطرفة، وأرجع ذلك إلى حماسة المغاربة وشخصيتهم العاطفية، ضاربا أمثلة بذلك من تاريخ المغرب زمن الحروب الصليبية.