أوجار: "الأحرار" يتقبل الانتقادات بأريحية وسيفوز بالانتخابات المقبلة بفضل ذكاء المغاربة    "البيجيدي" يتنصل من موقف مستشارته الرافض لتسمية شارع في فاس باسم آيت يدر ويصفه ب"الموقف الفردي"    الجمارك التجارية: شاحنة محملة بالبضائع تعبر معبر باب سبتة    إصدار العدد الثاني من مجلة الإيسيسكو للغة العربية    رسمياً.. 41 حالة إصابة ب"بوحمرون" داخل السجون    إيران تطلق سراح صحافية إيطالية    إقالة رئيس مقاطعة حسان بالرباط    استعدادات لميلاد مؤسسة عبد الله اشبابو للفكر والثقافة بمدينة طنجة    الصحة تنتفض ضد الأزمة.. إضراب وطني يشل حركة المستشفى الحسني الأسبوع القادم    الشرطة توقف شابا بقلعة مكونة بتهمة ترويج المخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بنسعيد: الدعم الاستثنائي لقطاع الصحافة والنشر سينتهي في مارس المقبل بعد تفعيل المرسوم الجديد ذي الصلة    قريباً شرطة النظافة بشوارع الدار البيضاء    مالي.. مقتل ما لا يقل عن ثلاثين إرهابيا في هجوم غرب البلاد (جيش)    الإعفاءات الجزئية لفائدة المقاولات: فتح استثنائي لقباضات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يومي السبت والأحد القادمين    "عجل السامري" الكندي: تأملات فلسفية في استقالة ترودو    الرأي ‬العام ‬ينتظر ‬معطيات ‬وأرقاما ‬معقولة ‬متعلقة ‬بالتسوية ‬الضريبية ‬الطوعية    العصبة تتجه لتوقيف البطولة منتصف يناير الجاري لفسح المجال أمام المنتخب للمشاركة في "الشان"    عشرات الشاحنات المغربية تتعرض لإطلاق نار في مالي    الدولي المغربي حكيم زياش على ردار الفتح السعودي خلال فترة الانتقالات الشتوية الحالية    ترامب ينشر خريطة جديدة للولايات المتحدة تضم كند    إندونيسيا تنضم رسميا إلى مجموعة "بريكس"    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    "ديديه ديشامب يكشف عن خطط رحيله بعد كأس العالم 2026"    حريق كارثي يُهجّر آلاف الأسر والسلطات الأمريكية تستنفر    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    تداولات الإفتتاح ببورصة الدار البيضاء    المغرب يسجل أدنى مستويات المياه السطحية في إفريقيا خلال عام 2024    عامل إقليم السمارة يشيد بأهمية النسخة الثامنة لمهرجان الكوميديا الحسانية    مولاي إبراهيم الشريف: مهرجان مسرح الطفل بالسمارة يعزز بناء جيل مثقف    بنسعيد: الدعم الاستثنائي للصحافة بلغ 325 مليون درهم خلال سنة 2024    توظيف مالي لمبلغ 1,6 مليار درهم من فائض الخزينة    قمة متناقضة بين أ. الدشيرة المتصدر وأ. خريبكة المنبعث ولقاء ملغوم لاتحاد يعقوب المنصور أمام "الكاك"    منظة الصحة العالمية توضح بشأن مخاطر انتشار الفيروسات التنفسية    تأجيل محاكمة إسماعيل الغزاوي إلى 15 يناير وسط دعوات حقوقية للإفراج عنه    "همم" تستنكر انتهاكات حرية التعبير وتطالب بتحقيق عاجل في حملات التشهير ضد الصحافيين والنشطاء    ارتفاع أسعار النفط وسط تقلص إمدادات    وزير الخارجية الفرنسي: عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا قد تُرفع سريعاً    نجم موسيقى الستينيات "بيتر يارو" يرحل عن 86 عاما    "الصدفة" تكشف عن صنف من الورق العتيق شديد الندرة    ترامب يطالب حلف "الناتو" بالسخاء    باولو غيريرو يعتزل التنافس الدولي    إسرائيل تقتل 51 شخصا في قطاع غزة    إصابة داري وعطية الله تُربك الأهلي    ‮ ‬الوطني الذي‮ وافقه التاريخ في‮ أربع ‮!    أوجار يدعو الوزراء إلى النزول للشارع ويتحدث عن نخبة اقتصادية "بورجوازية" ترتكب جريمة في حق الوطن    العلمي وبوريطة يمثلان جلالة الملك في حفل تنصيب رئيس غانا الجديد    كأس الرابطة الانجليزية.. نيوكاسل يقترب من النهائي بتغلبه على مضيفه أرسنال (2-0)    مغرب الحضارة آفة *" _التدخين ": كارثة على الأنفس والأموال ضررها أكثر من نفعها وجب إتخاذ القرار    زلزال شيتسانغ بالصين: تواصل جهود الإنقاذ    الدرك الملكي بخميس متوح يحجز 420 لترا من مسكر ماء الحياة بضواحي أم الربيع    مواجهة تفشي بوحمرون يجمع مسؤولي الصحة والتعليم بالحسيمة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    دراسة: الحليب لا يفرز البلغم عند الإصابة بنزلات البرد    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    الأوقاف تعلن عن فتح تسجيل الحجاج إلكترونيا لموسم 1447 هجرية    مدوّنة الأسرة… استنبات الإصلاح في حقل ألغام -3-    تفاصيل انتشار فيروس يصيب الأطفال بالصين..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعويم سعر صرف الدرهم ... لا مجال للمغالطات
نشر في هسبريس يوم 10 - 11 - 2017

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كانت الفكرة السائدة هي ان السياسات الحمائية أدت الى نشوب الحرب وأن تحرير المبادلات التجارية سيشكل خطوة جريئة نحو النمو الاقتصادي، الا ان عدم استقرار أسعار الصرف سيؤدي حتما الى غياب فرضية التقدم والرخاء. منذ مدة ليست بالقصيرة واشكالية تقلبات الصرف تثير جدلا واسعا بين الاقتصاديين وخاصة أولئك المدافعين عن تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية عبر سياسات نقدية ملائمة كأداة من أدوات السياسة الاقتصادية للدول المنفتحة على الخارج في الوقت الراهن.
بعد التحرير الكامل للسلع والخدمات، صارت الدول تبحث عن آلية جديدة للدفاع عن صناعتها وتأمين السوق الداخلية من المنافسة الخارجية الشرسة وحماية الصناعات الناشئة (فريدريك ليست). فهل أتاك حديث التلاعب بأسعار الصرف الدي جعل من الصين قوة لا تضاهى.
وعليه فان تحرير سعر صرف الدرهم أصبح خيار لا محيد عنه، اذ تجري الاستعدادات على قدم وساق ومن المقرر أن يخوض المغرب تجربة نقدية غاية في التعقيد تهم بشكل رسمي العمل بنظام تحرير سعر صرف الدرهم،
فما هو مفهوم التعويم؟ وعن أي نوع من التعويم نتحدث في الحالة المغربية وهل المغرب مستعد للقيام بهكذا مجازفات؟ وماذا عن التجارب المقارنة؟
الإجابة على هكذا تساؤلات ليست سهلة بالبتة نظرا للتشعبات الكثيرة التي تتمحور حولها، مما يحتم علينا وضع بعض الفرضيات كتلك التي وضعها البنك المركزي وهو سيناريو الازمة، لأن أي سياسة اقتصادية تهدف إلى استباق ازمة كما يقول "كينز" خاصة وأن المغرب يعاني الأمرين جراء أزمة الصرف.
يرتبط سعر الصرف الحالي بسلة عملات مكونة من الأورو بنسبة 60% والدولار بنسبة 40% بناءا على المعاملات التجارية وهو ما يعني بشكل أو بآخر الاختباء وراء هذه العملات الأجنبية وغياب الاستقلالية. وبالتالي فإن التعويم يعني وضع الدرهم وجها لوجه مع باقي العملات وفقا لنظام للعرض والطلب.
وبشكل مبسط فإن تعويم الدرهم هو تحرير سعر صرفه في مقابل العملات الأجنبية الأخرى، مثل الأورو والدولار، وهو التوجه الذي يروم إرساء نظام تخضع فيه العملة لألية العرض والطلب دون تدخل من البنك المركزي أو السلطات الحكومية. وتحرير سعر صرف العملة يشبه إلى حد كبير تحرير أسعار السلع والخدمات، إذ تخضع السلعة أو الخدمة لقانون العرض والطلب، فإذا زاد الطلب ارتفع السعر، وإذا زاد العرض انخفض السعر.
يجب الإشارة في البداية إلى وجود فرق شاسع بين التعويم والتحرير. ففي الحالة المغربية نتحدث عن تحرير تدريجي، مقنن ومنظم حيث يبقى الهدف النهائي هو التعويم خلال حيز زمني لا يقل عن 15 سنة. أما نظام الصرف الحالي فهو نظام مثبت وليس ثابت نظرا للتدخلات المباشرة والمستمرة للبنك المركزي، حيث لا تتجاوز تغيرات العملة 3 في الأف.
وحسب تصنيفات صندوق النقد الدولي، يتواجد 8 أصناف من أنواع الصرف الا أننا سنتطرق فقط الى 2 وهما:
تعويم كامل flottement pur، ويعني ترك العملة الوطنية لتسبح في السوق دون أن ينقذها أحد أو يحدد وجهتها، بل تخضع لآلية العرض والطلب، فتارة ترتفع، وتارة تنخفض أمام العملات الأخرى.
وتعويم مدارflottement administré، ويعني ترك سعر صرف العملة إلى قانون العرض والطلب مع تسجيل بعض التدخلات من طرف البنك المركزي عند الحاجة ولأخبار المضاربين بسعر الصرف المرغوب فيه، عبر التأثير على مستويات الطلب بضخ مزيد من العملات الاجنبية في السوق لتخفيف الضغط، أو بالشراء من السوق لامتصاص الفائض من المعروض النقدي.
فنظام الصرف الثابت أو المثبت يعتمد على تدخل السلطات المالية لضبط سعر الصرف عن طريق احتياطي الصرف وهو ما قد يؤدي إلى نفاده (الحالة المصرية). وللتغلب على هذه المعضلة يتم غالبا اللجوء إلى الاستدانة، إلا أن هذا لا يتم بالسهولة التي يتصورها العامة وإنما عن طريق أشواط طويلة من المفاوضات تنتهي بفرض شروط الطرف الأقوى (صندوق النقد الدولي...) الذي يرفض تقديم قروض للدول التي تعاني من الهشاشة وغياب ضمانات حقيقية ويطالبها بتعويم عملتها.
قوة العملة اذن تتحدد بمدى قوة الاقتصاد وخاصة من ناحية الشق التصديري والعرض التصديريoffre exportable وهو ما سيؤدي إلى خلق نسيج مقاولاتي جد تنافسي وسيقضي على المقاولات التي تنتعش من الريع و التي تكلف الدولة ملايير الدراهم سنويا دون جدوى. والواقع أن تحرير العملة خيار لا محيد عنه مهما طال الزمن أو قصر مثله مثل باقي الإصلاحات كصندوق المقاصة الدي يستفيد منه فقط 9 في المئة من الساكنة المستهدفة، في المقابل يستفيد منه فقط 49 في المئة من الأغنياء ومن الطبيعي ان ينتج هذا الإصلاح رابحون وخاسرون ألفو البقرة الحلوب. وإدا كان هناك قطاع اختفى من الوجود في السنوات الأخيرة اسمه الصناعة التقليدية فبسبب سعر الصرف الحالي الذي يدعم المنتوجات القادمة من الخارج وتقديمها بسعر أرخص من المنتوجات المحلية.
من ناحية الجاهزية تبقى المؤشرات الماكرو اقتصادية مطمئنة جدا نظرا لانحصار نسبة التضخم في 2 في المئة وتجاوز احتياطي الصرف حاجز 25 مليار دولار وهو ما يعني حوالي 7 أشهر من الواردات. بالإضافة الى خط السيولة الممنوح من طرف المؤسسات المالية الدولية. إلا أن المسألة تبدو أكثر تعقيدا من الناحية الميكرو اقتصادية. هل المقاولات؟ السوق المغربية؟ القدرة الشرائية للمواطنين؟ مستعدون لهكذا سياسات. وإذا كان هناك هامش للكذب في السياسة فان الاقتصاد لا يسمح بذلك ولغة الأرقام هي الوحيدة القادرة على ترجمة المجرد إلى واقع. واقع قد يرفع المغرب الى أعلى عليين وقد يهوي به أربعين خريفا. كونه يسعى للتحول من بلد يعتمد على القطاع الفلاحي الذي يعتمد بدوره على التساقطات إلى اقتصاد صناعي يعتمد على الصادرات ذات القيمة العالية (السيارات، قطاع غيار الطائرات...) وهذا لا يمكن أن يتم إلا بالتوفر على سياسة نقدية أكثر استقلالية ومرونة.
وفي الختام رفع الدعم المالي وتحرير سعر الصرف يشكل أول خطوة للقطع مع الريع الاقتصادي وخلق مقاولات جديدة لها ثقافة التعامل مع المخاطر والابتكار والتجديد وهو ما سيفرز قطاعات إنتاجية جديدة. إلا أن المسألة الجوهرية التي تتوخها هذه السياسة هي التربية الاقتصادية أو المواطنة الاقتصادية (فعندما يقوم المواطن مثلا بشراء قطع الشوكولاتة فهو يقوم بخلق مناصب شغل في سويسرا وبالتالي فالأولى به أن يقوم بشراء "الكرموس"). فدولة كتركيا لم ولن تصل الى ما وصلت إليه دون أن تربي الاتراك على استهلاك المنتوجات الداخلية.
التعويم يعني الدخول إلى نادي الكبار وهو ما يتطلب جملة من الإجراءات المصاحبة كتقوية القاعدة الإنتاجية وتعزيز الديمقراطية، حقوق الإنسان، الشفافية والتصالح بين الدولة والمواطن. فرغم الطابع التقني لهذا الاجراء وصعوبة شرحه وتبسيطه لكن الأكيد أنه لم يخلق ليكون في الكواليس. وعليه وجب وجوبا على الدولة أن تقوم بمجهود بيداغوجي للتواصل مع الناس وإقناعهم بأن هذه السياسة ستعود عليهم بالنفع ولو على المدى البعيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.