هل ما زال هناك أمل في إصلاح منظومة التعليم المغربية، التي تشهد مختلف التقارير، بما في ذلك التقارير الصادرة عن المؤسسات الرسمية، على تدهورها؟ وهل يمكن أن تفضي الاستراتيجية الوطنية التي وضعها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي إلى إخراج التعليم العمومي المغربي من أزمته الخانقة، بعد أن فشلتْ مخططات سابقة، كالمخطط الاستعجالي، في تحقيق هذه الغاية؟ الجواب عن السؤالين أعلاه هو نعم في تصوّر محمد نور الدين أفاية، المفكر المغربي وأستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس بالرباط، إذ يرى أنّ الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين يمكن أن تكون رافعة أساسية لإصلاح التعليم؛ لكنّ هذه الرافعة، حسبه، تحتاج، لتؤتي ثمارها، إلى رافعة سياسيّة أكبر، وإلى تعاقد وطني كبير Un grand contrat national، حول مسألة إصلاح التعليم. إضافة إلى شرطيْ توفّر الإرادة السياسية وإقامة تعاقد وطني كبير، أكّد أفاية، في لقاء نظمته جمعية سلا المستقبل بشراكة مع مؤسسة أبو بكر القادري، مساء الأربعاء، خُصص لمناقشة كتابه "الوعي بالاعتراف.. حول النهضة وعوائقها"، أن إصلاح منظومة التعليم المغربية يستدعي تأسيس السّلم الاجتماعي داخل هذه المنظومة، وتأهيل الجسم البشري الذي يحرّكها، والذي قال إنه "مريض ومعتلّ ومعطوب"، محذّرا من عواقب انخراط الدولة في توظيف أساتذة بدون تكوين (التوظيف بالتعاقد)، باعتبار أن هذا الجيل من الأساتذة "سيُعيد إنتاج الأزمة". من جهة ثانية، قال أفاية، في مداخلته خلال اللقاء الذي سيّره إسماعيل العلوي، وزير التعليم السابق، واستُهلّ بقراءة مستفيضة لكتاب "الوعي بالاعتراف.. حول النهضة وعوائقها" قدمها عبد السلام الطويل، إنّ المغرب لا يمكن أن يحقّق أي نهضة مجتمعية دون الاعتراف بقيمة الإنسان، وإقرار كرامته وإنسانيته، معتبرا أنّ ما يشهده المغرب في الشهور الأخيرة من احتجاجات هو نتيجة غياب هذا الاعتراف للإنسان بقيمته. وشدد أفاية على الاعتراف ليس مجرد اعتبار سيكولوجي، على أهميّة هذا الاعتبار، بل يتعدّاه إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى كونه "إرادة للخروج من مجتمع الاحتقار" وصون كرامة الإنسان، مشيرا إلى أنّ "الرغبة في الخروج من هذا المجتمع المُحتقر لكرامة الإنسان هو الذي يدفع الذين يخرجون إلى الاحتجاج في الشوارع المغربية منذ سنة 2011 وإلى الآن، يرفعون الشعار المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة اجتماعية". أفاية استدلّ بمجموعة من الأمثلة لتأكيد أهمية الاعتراف في تحقيق النهضة وتعزيز السّلم الاجتماعي، وهنا أشار إلى أنّ المقاولات الناهضة والتي تضمن قواعد النموّ المستدام هي التي تقترح على عمَّالها آليات تشيد بعملهم وبعطائهم، ما يحفّزهم على مزيد من العطاء والإبداع، "بينما المقاولات التي لا تفكّر سوى في الربح تكون عُرضة لكثير من الصراعات والتوترات والخسائر". واستطرد صاحب كتاب "الوعي بالاعتراف.. حول النهضة وعوائقها" أنّ هناك مقاولات في المغرب لم تعرف إضرابات منذ تأسيسها؛ لأن أصحابها يضعون، موازاة مع بناء وحداتهم الإنتاجية، قواعد للاعتراف بمساهمات العمال داخل هذه البنيات الإنتاجية، لإدراكهم أن عجلة الانتاج داخل هذه البنيات لا يُمكن أن تُدار بدون وجود عمال، معتبرا أن المقاولات التي وضعت هذه الآلية المستعملة في المجتمعات المتقدمة ربحت ربحا مستداما، لأنها استنبتت قِيَما فيها درجة محترمة من الاعتراف بعطاءات العمال باعتبارهم أطرافا حاسمة وليس فقط مجرد قوّة إنتاج.