ليست إشكالية التربية والتكوين إشكالية طارئة, كما أن الحديث عنها ليس جديدا. لقد كانت المسألة التعليمية بالمغرب وما تزال موضوع نقاش عمومي وجدال سياسي ودراسات أكاديمية متعددة الأبعاد والمقاربات، بل كانت وما تزال موضوع رهانات سياسية واديولوجية متصارعة. فمنذ بداية الاستقلال إلى اليوم عقدت أكثر من مناظرة وطنية، وتعاقبت « إصلاحات» كانت غاياتها المعلنة تقويم النظام التعليمي وتجديده وملاءمته لواقع اقتصادي واجتماعي وثقافي متغير. ويعتبر الميثاق الوطني للتربية والتكوين الوثيقة المرجعية التي أطرت ما عرفته منظومة التربية والتكوين من إصلاحات خلال العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين، مست أساسا الهياكل الإدارية والتنظيمية، ولم ترق إلى تجويد العرض التربوي والارتقاء به لمستوى الطموحات والغايات التي حددها الميثاق نفسه؛ مما أدى إلى تفاقم مشكل التربية والتكوين الذي أضحى من المشاكل الكبرى التي يعاني منها بلدنا الذي يحتل مرتبة متأخرة في سلم التنمية البشرية عموما، ومن حيث نجاعة النظام التعليمي ومردوديته النوعية خاصة. كل المؤشرات الكمية والنوعية، بدء بنسبة التمدرس والهدر المدرسي في كل تجلياته ونسبة التأطير البيداغوجي، وانتهاء بالكفايات المعرفية والتواصلية والمنهجية للتلاميذ ومستوى البحث العلمي والتحصيل الأكاديمي بالجامعة والمعاهد العليا ومدى تلاؤمها مع حاجات سوق الشغل، تثبت أن نظامنا التعليمي و التكويني ذو مردودية ضعيفة، تعلق الأمر بالنجاعة الداخلية المرتبطة بطبيعة المناهج والتمكن من الكفايات العليا والمركبة، أو بالنجاعة الخارجية المتصلة بالإسهام في تغذية المجتمع والدولة بالموارد البشرية المؤهلة لخدمة المشروع التنموي، إن كان ثمة مشروع، في مختلف أبعاده ومجالاته. فما هي أصول هذه الأزمة؟ وما هي عوامل إخفاق كل الإصلاحات ؟ وما السبيل إلى إرساء سياسة تعليمية وتربوية ناجعة قادرة على مواجهة تحديات المستقبل في مجتمع يسعى إلى الإصلاح والديمقراطية والتنمية المستدامة، وفي عالم أهم ما يميزه أنه عالم المعرفة والثورة التكنولوجية بامتياز؟ قبل كل محاولة لمقاربة هذه الأسئلة التي نالت قسطا وفيرا من اهتمام الباحثين من مختلف الآفاق العلمية والأكاديمية على امتداد عمر نظامنا التربوي، قد يكون مفيدا التأكيد على بعض الحقائق التي غالبا ما يتم إغفالها في تحليل المسألة التعليمية، مما يترتب عنه فهم ناقص ومختزل للإختلالات التي تعاني منها منظومة التربية والتكوين، ويؤدي بالتالي إلى قصور في مغالبة الصعوبات وتجاوز العوائق البنيوية. الحقيقة الأولى هي أن المنظومة التربوية التعليمية نسق فرعي يكون إلى جانب أنساق فرعية أخرى، وفي تفاعل مستمر معها، النسق المجتمعي العام الذي يزود النظام التعليمي بمداخلاته المختلفة (المتعلمون، الغايات والقيم، الموارد البشرية، المناهج التربوية وموازنات التجهيز والتسيير، الخ...)، ويستقبل مخرجاته التي يدمجها بعد تكوينها وتأهيلها في الحياة المهنية و الاجتماعية.علاقة المنظومة التربوية التعليمية بمختلف مؤسسات الدولة والمجتمع علاقة جدلية تفاعلية من المفروض أن يطبعها التناغم والتكامل، بحيث من المطلوب أن يستلهم النظام التربوي قيم المجتمع، وبنياته الذهنية والاجتماعية، وتراثه الفكري والحضاري؛ وأن يعمل في ذات الوقت على تمكينه (المجتمع) من ربح رهان التنمية الشاملة والرقي الحضاري، عبر تطوير البحث العلمي، واستيعاب منجزات الحضارة الحديثة، والتنمية الثقافية، وإشاعة قيم المواطنة وحقوق الإنسان. وتكمن الحقيقة الثانية، في أن أي مشروع تربوي، لا يعدو أن يكون جزءا من مشروع مجتمعي شامل، يستمد منه غاياته وقيمه، ويسعى لتوطيد دعائمه وضمان استدامته المتجددة. وعليه يستحيل قيام نظام تربوي فعال ومنتج ضمن محيط اجتماعي واقتصادي وثقافي مأزوم؛ فكثير من عوائق التربية والتعليم والتكوين و البحث العلمي على صلة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأسر، وبتمثلاتنا للمدرسة والمعرفة وبالكثافة الثقافية للمجتمع، وعموما بالنموذج التنموي والنظام السياسي. صحيح أن علاقة المشروع التربوي بالمشروع المجتمعي ليست دوما علاقة تبعية وميكانيكية, إذ يمكن للنظام التربوي أن يكون متقدما على البنى الثقافية والاجتماعية ,وان يكون رافعة للتقدم الحضاري لمجتمع متخلف كما تشهد على ذلك تجارب عالمية رائدة؛ لكن شريطة توفر إرادة سياسية قوية ومشروع تحديثي شامل يعتبر التربية والتعليم قاعدة الانطلاق نحو عهد جديد. أما الحقيقة الثالثة، فهي أن الاختيارات التربوية اختيارات سياسية بالمعنى العام للسياسة، باعتبارها تدبيرا للشأن العام من موقع السلطة. إن تمويل التعليم وتحديد غاياته وصياغة مناهجه ترتبط ارتباطا لا يمكن إنكاره بالاختيارات السياسية والاديولوجية للدولة.فالمدرسة جهاز اديولوجي ليست مهمته تكوين الأطر الضرورية لتغذية المؤسسات العمومية والخاصة بالموارد البشرية فحسب، وإنما هي أيضا مؤسسة للتنشئة الاجتماعية والثقافية، والضبط السياسي، من خلال ترسيخ قيم وعلاقات، وتسويغ ممارسات وسلوكات، وشرعنة عنف رمزي ووضع اجتماعي قائم، كما يمكن أن تكون مشتلا لبزوغ قيم جديدة وبالتالي رافعة للتغيير. لذلك، كانت المسألة التعليمية وما تزال مسألة سياسية ونقطة تماس ساخنة في الصراع السياسي والاديولوجي. بعد هذه الملاحظات التمهيدية، والتي قد يعتبرها البعض بديهية، نعود لما طرحناه من أسئلة حول تجليات أزمة التعليم وأسباب تعثر الإصلاحات والسبل الممكنة للارتقاء بمنظومتنا التربوية. تجليات أزمة منظومتنا التربوية والتكوينية كثيرة ومؤشراتها أكثر: الهدر المدرسي،عدم تكافؤ الفرص بين الفئات الاجتماعية والجهات، بِؤس الحياة المدرسية، العنف بكل أشكاله، الحصيلة العلمية والمعرفية المتدنية، غياب الهاجس المعرفي والعلمي ونبذ القراءة والكتاب من قبل جل التلاميذ والطلاب وأغلب المدرسين حتى، ضعف الكفايات التواصلية والمنهجية لدى التلاميذ والطلاب على السواء، ضحالة القسط الأوفر من المناهج وتخلفها عن المعرفة الحديثة، هامشية البحث العلمي في الجامعات والمعاهد، وهلم جرا...هذا الواقع المأزوم في كل عناصره ومكوناته أدى إلى تكون صورة سلبية عن المدرسة والجامعة لدى المدرس والمتمدرس ولدى جل الآباء والأمهات. لم يعد إلا القليل من الناس يرى في المدرسة مؤسسة للارتقاء الاجتماعي والنجاح المهني وفضاء للتهذيب الأخلاقي وتحصيل العلم النافع. كل الأسر تسعى لتعليم أبنائها، لكن معظمها يفعل ذلك من باب الواجب... والكمال c vb00على الله. ثقة الناس في المدرسة ورهانهم على التعليم لتحقيق طموح ما، تراجعت بالمقارنة مع زمن الستينيات والسبعينيات حين كانت المدرسة والجامعة نوافذ مفتوحة على الوظيفة والراتب والمكانة الاجتماعية والاعتبار الرمزي. لم تسؤ صورة المؤسسة التربوية بسبب اختلالاتها الداخلية فحسب, وإنما أسهمت في ذلك بدرجة أكبر اختلال علاقة المنظومة التعليمية والتكوينية بالأنساق الفرعية الأخرى، وخاصة القطاعات الإنتاجية والخدماتية المشغلة. فمنذ بداية الثمانينات وانتهاج الدولة آنذاك سياسة التقويم الهيكلي،فضلا عن التزايد المطرد لخريجي الجامعات والمعاهد المغربية،استفحلت بطالة المعطلين الذين لم يجدوا مناصا من الانتظام في جمعيات، والانخراط في احتجاجات ومعارك نضالية شتى، من أبرزها الاعتصام قبالة قبة البرلمان التي يرونها تظل بموفور رزقها، وتحتضن بين جنباتها البهية، نوابا بعضهم لم يحصلوا على الشهادة الابتدائية، وكثير منهم امتطى صهوة الفساد السياسي والانتهازية السياسية لينعم بالحصانة التي تخوله المال والمكانة.هذه العوامل مجتمعة ومتفاعلة كرست تبخيس المدرسة، وفي ذلك تبخيس للمعرفة وللعلم والمتعلمين أجمعين بغض النظر عن درجاتهم العلمية وتخصصاتهم الأكاديمية. هكذا أضحى التعلم رحلة نحو المجهول، وأصبحت الجامعة ملاذا مؤقتا من جحيم بطالة قادمة لا محالة، مما ولد مشاعر اليأس والإحباط لدى السواد الأعظم من الطلبة، فتحولت الجامعة إلى مشتل العنف والتطرف والعدمية السياسية والضحالة الفكرية، وغدا المعطلون رمزا لعبثية التعليم والتعلم بالنسبة للأجيال الناشئة التي لم تعد تعلق آمالها على التحصيل العلمي والنجاح الدراسي. ثمة جوهر أزمة نظامنا التعليمي، وهذا مربط الفرس الذي إن لم نفك وثاقه لن ينطلق الإصلاح. إصلاح نفوس المعلم والمتعلم والطالب الجامعي والأستاذ والأب والأم أهم من ترميم الحجرات وتزيين المكاتب واقتناء الحواسب ... أزمة التعليم إذن وفي المحصلة النهائية جزء من فشل نموذج تنموي قام على الريع الاقتصادي والسياسي، ولم يراهن أبدا على التربية والتكوين رافعة لتنمية مستدامة كفيلة بخلق فرص شغل حقيقية تتطلبها صيرورة النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي والثقافي. ولا أدل على الطابع البنيوي لأزمة التعليم أن كل الإصلاحات لم تنجح في تجاوز الأزمة التي ما فتئت تستفحل عقدا بعد عقد. فلم فشلت كل مشاريع الإصلاح بدءا بإصلاح بنهيمة إلى المخطط الاستعجالي مرورا بكل الإصلاحات الجزئية خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي؟ يختلف الباحثون حول طبيعة الأسباب الحاسمة التي كانت وراء فشل كل مشاريع الإصلاح، وحول العوائق الكبرى التي حالت دون تفعيل كثير من مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وذلك باختلاف المقاربات المنهجية المعتمدة في التشخيص والتحليل، وخلفياتها النظرية. وفي هذا السياق يمكن التمييز بين ثلاث مقاربات على الأقل: - مقاربة اقتصادية / سياسية، وهي مقاربة شمولية تركز على الاختيارات السياسية والاقتصادية للدولة وأثرها على التعليم والتربية. حسب هذه الفرضية، ما أزمة التعليم سوى امتداد طبيعي لأزمة سياسية واقتصادية، ونتاج فشل نموذج تنموي غير منصف، ونهج سياسي غير ديمقراطي. أزمة التعليم من هذا المنظور، نتيجة حتمية لاختيارات سياسية واقتصادية واجتماعية غير عادلة؛ وبالتالي لا سبيل لتجاوزها إلا ضمن استراتيجيه تنموية جديدة تؤطرها اختيارات مغايرة وتندرج ضمن مشروع مجتمعي بديل. - مقاربة اجتماعية- ثقافية تركز على علاقة المؤسسة التربوية باعتبارها مؤسسة ثقافية واجتماعية بالمجتمع الذي تحكمه قيم وعلاقات اجتماعية ورموز ثقافية ولغوية تشكلت عبر تاريخ طويل. وبناء على هذا الطرح، ينظر إلى أزمة النظام التربوي/ التعليمي على أنها نتاج عدم تناغم الثقافة والمعرفة المدرسية والجامعية مع متطلبات الحياة الاجتماعية، ومن ثمة يمكن اعتبار أزمة التعليم أزمة هوية ثقافية وحضارية لا يمكن تجاوزها إلا ضمن تصور يقوم على إعادة بناء الجسور بين النظام التربوي في أبعاده الثقافية والعلمية والتكوينية والأنساق الفرعية للمجتمع والدولة. وتندرج المسألة اللغوية ( لغة التدريس وتدريس اللغات) التي يعيش المغرب على إيقاع نقاش ساخن حولها إحدى تجليات هذا الطرح. - مقاربة نفسية بيداغوجية تربط ضعف المردود التربوي وضعف الكفايات المركبة لدى المتمدرسين والخريجين إلى عتاقة مناهج التعليم وطرق التدريس وضعف التأطير التربوي بما يعنيه من تخطيط للعمليات التعليمية والتكوينية وإرشاد وتوجيه وتقييم وتتبع، وكذا إلى ضعف الحوافز بالنسبة للمتعلمين والقائمين على شؤون التربية والتكوين. هذه العوامل تضافرت جميعها لتجعل من المؤسسة التربوية فضاء رتيبا يولد لدى الأطفال والشباب الشعور بالقنوط والضجر. وهكذا تنمو في دواخلهم ميول سلبية اتجاه المدرسة وما ترمز إليه، فيعرضون عن المعرفة وينزعون إلى العنف المادي والرمزي.هذه المقاربة تدعو إلى التجديد التربوي الذي يجب أن يكون عملية دائمة يتم بموجبها إعادة نظر في المناهج التعليمية والتكوينية على نحو منتظم. ثلاث مقاربات تستند لمرجعيات نظرية متباينة (فلسفة التربية، سوسيولوجية التربية وعلم النفس التربوي/الديداكتيك) وتتبنى منظورات مختلفة في ما يخص تجليات المشكل وسبل تجاوزه. والواقع أن كل مقاربة من هذه المقاربات حصرت مجال تفكيرها عند مستوى محدد من مستويات المنظومة التربوية والتكوينية؛ وفي ذلك يكمن قصورها عن تقديم تحليل متكامل لمشكل التعليم وعن تقديم مشروع إصلاح شمولي. والواقع أن منظومة التربية والتكوين عمارة تتكامل طوابقها، ونسق مركب من بنيات متفاعلة، فضلا عن كونها منفتحة ومتفاعلة مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. دون مقاربة شمولية لأزمة التعليم، ودون بناء استراتيجية متكاملة وبعيدة المدى لإصلاح عميق للمنظومة التربوية في كل مستوياتها سيكون من الصعب وضع حد لتدهور التعليم ببلادنا. فما هي مقومات الإصلاح المنشود ومرتكزاته الأساسية؟ يمكن إجمال مقومات الإصلاح المنشود في: أولا: اعتبار الميثاق الوطني للتربية والتكوين الإطار العام لأي إصلاح، مع مراجعة بعض مضامينه وتحيينها، استنادا لحصيلة عشرية الإصلاح وتجربة البرنامج الاستعجالي، واستجابة للتحولات التي عاشها المغرب والعالم من حوله خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وتفاعلا مع التوجهات التنموية الراهنة والمستقبلية ( الجهوية، المغرب الأخضر، المغرب الأزرق، وما إلى ذلك من المشاريع الكبرى المهيكلة). ثانيا: اعتبار المجلس الأعلى للتعليم المؤسسة المؤهلة لصياغة استراتيجية الإصلاح وآليات تنفيذها على المدى البعيد، على أن تتكفل الحكومات المقبلة بوضع البرامج المرحلية المستمدة منها. ثالثا: التزام الحكومات القادمة، بغض النظر عن هويتها الاديولوجية والسياسية باستراتيجية الإصلاح، على اعتبار أن قضية التربية والتعليم أولوية وطنية لا يجب أن تخضع لرهانات حزبية ومصالح فئوية. رابعا: تأهيل الموارد البشرية وأساسا الإدارة التربوية على كافة المستويات حتى تكون قادرة على نهج حكامة تربوية عصرية وناجعة، مع إسناد المهام الإدارية اعتمادا على معياري الكفاءة والعطاء بدل معايير الأقدمية والشهادات والعلاقات الشخصية والولاءات السياسية. خامسا: تعبئة الموارد المالية الكافية لتوفير فضاءات تربوية تشجع على البذل والعطاء، وعلى الإبداع والابتكار وتفتح الشخصية؛ وذلك من خلال صيغ متعددة لتمويل المدرسة العمومية ( الشراكة مع القطاع الخاص، مساهمة الجماعات المحلية، واجبات التمدرس بالنسبة للأسر الميسورة...) وتتحدد مرتكزات الإصلاح في: _ دمقرطة التعليم من خلال تعميمه بنفس شروط الجودة في كافة الجهات، وإلزاميته بالنسبة للجنسين، على اعتبار أن الحق في التعليم والتربية والولوج إلى المعرفة حق من حقوق الإنسان. ونعتقد أنه ليس في الإمكان أن يقبل المغاربة اليوم، في ظل نظام سياسي يسعى إلى ترسيخ قيم المواطنة، باستمرار التفاوتات المجالية والنوعية الصارخة، لاسيما في مجال التربية والتعليم. ونعتقد أن سن الجهوية الموسعة من جهة ونهج مقاربة النوع من جهة ثانية سيساعدان لا محالة في عملية الدمقرطة هذه. _ تحديث المنظومة التربوية، عبر مراجعة لمناهج التعليم، من حيث مضامينها المتأخرة عقودا من الزمن عن المعرفة الحديثة في شتى حقول العلم والمعرفة، ومن حيث المقاربات التربوية؛ وإدماج التكنولوجيات الحديثة في الحياة المدرسية. إن بناء مجتمع ديمقراطي حداثي، لن يتم إلا من خلال تربية حديثة تنشئ الأطفال والفتيان والشباب على قيم المواطنة، وتعليم عصري يمكنهم من استيعاب وتمثل العلوم الحديثة، والتمكن من المناهج العلمية في دراسة الظواهر الإنسانية والفيزيائية والرياضية، وتنمية الفكر النقدي والقدرة على الإبداع. إن تحديث منظومة التربية والتكوين وثيق الارتباط بتحديث كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية،(وسائل الإعلام والاتصال، الجمعيات التربوية، الأسر...) التي تشكل إلى جانب المدرسة والجامعة نظاما تنشئويا من الضروري أن تتناغم إيقاعاته وتتكامل أدواره في إطار منظور تربوي يتوخى نفس الغايات مع اختلاف الأغراض والوظائف. _ انفتاح المدرسة على المحيط بكل أبعاده على مستوى المدخلات والمخرجات، من خلال عملية تفاعلية مستمرة، تمكن النسق التعليمي/التكويني من تجديد ذاته معرفيا ومنهجيا، وتمكن المجتمع من إدماج خريجي النسق التربوي ضمن قطاعاته الإنتاجية ومؤسساته الاجتماعية والثقافية. على هذا النحو سيستعيد التعليم دوره الاستراتيجي في التنمية الشاملة والمستدامة، وسيعود للمدرسة سحرها وجاذبيتها ضمن مجتمع يسعى للحداثة الفكرية والديمقراطية الحقة، مجتمع يعلي من قيمة المعرفة ويعتبر تعميمها حقا إنسانيا وشرطا للارتقاء الحضاري.