تدل العديد من اللقاءات الخاصة مع الأطفال والناشئين والشباب على معاناة الكثير منهم اضطرابات التي تتصل في الأساس بالحياة الأسرية المفتقرة لثقافة العناية النفسية والاجتماعية التي تعتبر ضرورة نمائية لدى الفرد الإنساني، وخاصة في المراحل العمرية السالف ذكرها، خاصة في ظل فراغات عارمة خارج الأحضان الأسرية بسبب غياب أو تغييب لأدوار منشآت التربية والتكوين خارج الصفوف الدراسية . مما يخلق خصومات مع ذواتهم ولا يستطيعون تحمل أجسادهم وهيمنة أحاسيس الفشل، ويصعب عليهم التركيز في الدراسة أو العمل ، وعدم تقبل أفراد الأسرة إلى درجة التشاجر مع بعضهم وتفضيل الانسحاب والنوم خارج بيت الأسرة ولو تطلب الأمر النوم في العراء على أرصفة الشوارع، وكثيرا ما يدفع ببعض المتعاطفين مع هذه الفئات التي تعاني من وقع هذه الصعوبات إلى القول بأنها أصيبت بالمس أو طالها سحر، أو أنها افتقدت لقدراتها العقلية، كما أن هناك من يرد الأمر إلى التدليل الأسري للأبناء أو المراهقة الأصدقاء سيئي الأخلاق وهي أمور انطباعية غير موضوعية كثيرا ما تعمق من تلك الصعوبات وتضيق على من يعاني منها إلى درجة اليأس من استعادة قوته بكيفية متوازنة فيهيمن السواد على تمثله لذاته وللحياة وللآخرين فقد يقتنع بأن معاناته نثاج حقد بعض الأشخاص من الأسرة أو لأقارب عليه فيكيد له المكائد عبر الأكل أو الشرب وفي الملابس أو فراش النوم فيحاول باستمرار التهجم عليه ونعته بأنه هو المعيق الأساسي في حياته الجرمية في حقه، وقد ينسحب إلى عالم الهامش على المخدرات والخمور أو التفكير في الانتحار. إننا أمام حالات من التوترات التي تختلف من حيث الصنف والحدة ومن حيث واقع المجال الحيوي للفرد صاحب الصعوبة، قد تجعل من العسير علاج تلك المعانات، بشكل جماعي وبوصفة واحدة. فقد نجمع في القول على أن هذه الصعوبات ليست بسحر جراء مرافقة أشخاص سيئين كما يسميهم البعض، كما يمكننا القول بأنها منتوج لغاب العناية النفسية والاجتماعية والمصاحبة الإنسانية وتربية التمكين وليس تربية الإدماج ، لكن من الصب القول بأن من نتعامل معهم هم من نمط واحد فقد يكون القلق هو سيد الصعوبات التي يعانون منها وهو الذي تسبب في الأساس في إهانة الكثير منهم بحالة الاكتئاب والاضطرابات وخاصة عندما يتعلق الأمر في التفكير في المصير الشخصي عند وفاة الأبوين أو التعثر في الدراسة أو انعدام الحصول على العمل، أو أمام الرفض من قبل الآخرين . هذه الثلة من التصورات والهواجس السلبية التي لا قدرة لمستهدفينا من هذه المقالة قد تتبوأ مراكز القيادة في أذهانهم وتهمن على تكوين اهتماماتهم وميولاتهم وتحاصر قدراتهم وتقلص من مستوى الإرادات الحرة لديهم . مما يجعلنا نطرح التساؤلات التالية: - كيف يتأتى لنا الإسهام في تيسير التواجد الإيجابي لهذه الفئة المهمة في حاضر ومستقبل الإنسانية ؟ - كيف نستطيع الإسهام في تحويل ما يعتبرونه أزمات وصعوبات إلى فرص وآفاق إيجابية مفعمة بمشاعر المتعة والسعادة ، بالإضافة إلى الارتقاء بقدرات التفكير والإبداع في ظل صحة نفسية جيدة وعلاقة إنسانية سليمة ومتماسكة؟. إن الأمر يتطلب عملا تربويا متراصا يقوم على البحث العلمي المتجدد للمساعدة في رصد الأسباب الحقيقية التي تواجه الفرد الإنساني وخاصة في مراحل الطفولة والمراهقة والشباب، فلا ريب في أن بداخل هذا الفرد دوافع غالبا ما يؤدي عدم إدراكها إلى هيمنة أحوال الخوف والتشنج وفقدان الثقة في الذات وفي الآخرين والشك في صحة قبولهم له وأن الأفضل أن يبتعد عنهم ويقضي أغلب أوقاته لوحده نائما معيدا سب ذلك إلى شكل جسده ومظهره الذي يعتبره غير مناسب لشخصيته وافتقاره لأساليب الملائمة للتعامل مع الغير وكيفية إرضائهم وكيف يعتذر عن عدم قدرته على ذلك دون جرح لمشاعرهم وعدم امتلاك مهارات الحزم والأداء الجيد والكفاءة المتنامية. هذه الدوافع التي تشكل الصعوبات السالف ذكرها والتي قد تكون متفاوتة في حضورها لدى العديد من الناس كثيرا ما يؤدي إهمالها من قبل الآباء والمربين وكافة القيمين على التمكين الإنساني إلى المساهمة في بناء شخصيات معتلة تعاني من مشاعر عدم القدرة على الانخراط في انخفاض مستوى الثقة في النفس والاتسام بالإتكالية والتبعية وعدم القدرة على اتخاذ القرار ومعالجة الصعوبات اعتمادا على الإمكانيات الشخصية بالإضافة إلى تدني مستوى تقدير الذات وهو ما يجعل العديد من الذين تحاصرهم هذه الأحوال إلى الاجتهاد في التصنع عند التعامل مع الغير خوفا من يكتشفوا معاناته فيرفضونه، وهذا الصنف من الناس الرازحون تحت براثين القلق الذي يحاصرهم ويحول كل محتويات كلامهم الداخلي إلى تساؤلات لوامة بدون إجابات، على سبيل المثال كيف سينظر الناس إلي .... إنني فاشل... لا أستطيع .... إن الإسهام في تيسير التواجد الايجابي لدى هؤلاء يتطلب عملا ينبني على التقبل والفردية والسرية والشخصية لتعبيد البدايات الأولى نحو امتلاك المعرفة والإسهام في إنتاجها والحرص على ممارسة العمل الجيد والنافع لكافة المخلوقات في الحاضر والمستقبل المستثمر للصحة والوقت في البحث عن سعادة الآخرين متقبلا لأحولهم واتجاهاتهم ملتمسا لهم الأعذار في كل وقت وحين. يتطلب إعطاء الأهمية الإعلامية والإدارية والأمنية والقضائية والثقافية و الفنية بالإضافة إلى الأهمية التربوية والاجتماعية والصحية للبحث العلمي في تكوين الموارد الإنسانية المتخصصة في العناية النفسية والاجتماعية والمصاحبة الإنسانية كأساس لصياغة الأساليب المثلى للتمكن من ولوج العوالم الداخلية للفرد الإنساني وتلمس صنوف الصعوبات التي تطاله ومستوى ونوع البرامج القوية على تحويل الصعوبات إلى فرص وآفاق بالتركيز على نوعيتها ووحدتها وعوامل إفرازها مثل تحديد نوعية النقص الذي ينتج القلق لدى الفرد ويحول دون إقدامه على أي تصرف إيجابي وذلك عبر توسع ثقافة الإنصات الفردي والمصاحبة الاجتماعية والأمن التربوي التصالحي التي يجب أن تسود كافة المرافق العامة والتابعة للدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والجمعيات ذات النفع العام بالإضافة إلى الحركة الجمعوية . تلعب ثقافة الإنصات دورا مهما في ترقية الفرد في التعامل مع أفكاره والتحرر من الوساوس التي تعيق النمو الشخصي وتضعف القدرة على الاختيار والتقرير وتحمل المسؤولية والنجاح في تجاوز المشكلات، كما تعد بمثابة آلية علمية وعملية متجددة نستطيع بواسطتها طمأنة المستهدف من هذه الخدمة على التمكن وامتلاك مهارات التصالح مع الذات وتقديرها وإدراكه لنقط ضعفه وعواملها وكيفية التخلص منها والقدرة على تحديد أهدافه وصياغة طموحاته ووضع لوسائل الكفيلة بتحقيقها، فعندما يستطيع الفرد الإنساني في مقتبل العمر إدراك ذاته بشكل سليم ويكون أفكارا إيجابية نحوها سيجد بأن هناك العديد من المعالجات والخيارات التي يستطيع توظيف بعضها في تجاوز الصعوبات التي تواجهه وهو أقل توترا وأكثر تحررا من مشاعر النقص والقلق الذي كانا سببا له القدرات التي يتميز بها ويرغمه على الركون في أحضان الجمود والارتسامات الانطباعية ورفض التطور والتغيير على المسويات الوجدانية والمعرفية والعملية فقد يركن إلى حياة الهامش وممارسة العنف في غياب عناية نفسية اجتماعية وثقافية تمكنه من امتلاك شروط استبدال النمط المعيش في ظل القلق إلى نمط اقل تشنج واضطراب من خلال أجنحة تربوية اجتماعية وصحية داخل در الشباب وفي المحقات والإدارية التابعة للعمالات والأقاليم ومقاطعات الجماعات الترابية، بل في الملاعب والقاعات الرياضية والمسابح التي أصبحت مرافق تجارية لا تمت للتربية والتكوين بصلة، وفي مراكز الأمن التي يجب أن تتوفر على طواقم الأمن المربي المتكون في الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي والمصاحبة الإنسانية المعتنية بالأطفال والناشئين والشباب ضحايا المخدرات والإهمال والاعتداءات بكل أنواعها من أجل خدمة تيسير التخلص من كل عوامل القلق والتوتر وتحفز على حشد الأفكار وتجميعها وتوظيفها في الرياضة والفن والثقافة والإعمال الاجتماعية والبيئية بغرض توسيع المدارك وتشييد الحياة البديلة بهارات واقتدارات بديلة وقوية على تصنيع الحياة والإسهام في قيادتها وهذه الخدمة التي يجب تأمينها لكل فرد إنساني عبر الكفاءات الإنسانية المتخصصة سيجد الفرد إمكانية من يلتجأ إليه ليستقبله وينصت إليه ويرافقه على قواعد الفردية والسرية وباحترافية متخصصة في مواجهة صعوباته والتخلص منها، فمثلا عندما نلي القبض على طفل أو ناشئ أو شاب ذكر كان أم أنثى وبحوزته قطعة مخدرة يستعملها ونأخذ أقواله تم نقوم بإحالته على المحكمة تم يحال لى الحبس أو الحكم عليه بغرامة في ظل غياب أية إمكانية لتطبيق الفصل الثامن من ظهير 21 ماي 1974 المتعلق بالاتجار في المخدرات وحمية المدمنين نكون قد أسهمنا في الرفع من حدة القلق لدى هذا الضحية بدل من العمل عل استقباله والعناية بأحواله وصياغة البرامج المساعدة على تخليصه من صعوباته اعتمادا على الإمكانيات المتوفرة للإدارة الأمنية تحت إشراف نائب لرئاسة النيابة العامة مكلفا بالشؤون التربوية والاجتماعية وهذا يتطلب تحويل أجنحة من مراكز الشرطة إلى فضاءات للإنصات والتوجيه المتخصص والقوى على إبرام شراكات التعاون من الجهات الصحية والتربوية والاجتماعية الرسمية المتخصصة و التطوعية . كما يحتاج إلى تحويل جهاز شيوخ ومقدمي الأحياء والمداشر إلى هيئة للمساعدة الاجتماعية والدعم الإنساني وتحويل المدارس والمراكز الاجتماعية والثقافية إلى فضاءات للتمكين الإنساني تشتغل مع محيطها بكل أفراده ومكوناته. إن هذه الخدمة التي تعتبر أساسيا للحد من نوازف الهدر الإنساني لا يمكن أن تكون تطوعية بل يجب أن توضع لها ميزانية أكثر من ميزانية الدفاع لأنها هي الأقوى على إنتاج الإنسان الأفضل للدفاع عن الوطن والتضحية من أجل الارتقاء بها حضاريا، ولذلك في خدمة ليست من باب العمل التفضيلي أو بغرض الإشفاق أو التعاطف مع من تستهدفهم، ولكنها مرفق عمومي يؤمن حتى الإنسان حاكما كان أم محكوما، والدا كان أم وليدا، غنيا كان أم فقيرا يريد الإرشاد والتوجيه والمصاحبة الإنسانية من أجل المعالجة الموضوعية والحاسمة لصعوبة شخصية تحول دون تطوره. إن الاحتياج الذي يتطلع إليه الإنسان في المغرب ونتحمل مسؤوليته كمقررين سياسيين وماليين وأمنيين وقضائيين وباحثين أكاديميين ويجب أن يتم تقييم جهود المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على أساسه هو تمكينه من مهارات وضع تصورات واضحة وواقعية في لأهدافه وتطلعاته ويستطيع أن يبذل جهودا في سبيل الولوج إلى الحياة وصيغة الأهداف الشخصية وفق ما يتكامل أو يتعاون أو يتقاطع بشكل حضاري مع أهداف الآخرين إلا وساعده على التوافق المؤمن للسلامة الصحية والنفسية، وتوسعت لديه دائرة التفكير وأشرقت لتضيئ لها السبيل نحو الأحسن وتحسنت لديه المقومات المؤطرة لشخصيته وتحرره من الناحية اللاشعورية من كافة معتقلات القلق والضنك وأصبح محصنا ضد كل الآفات النفسية والجسمية والاجتماعية، وإننا نطمح في التوفر على أجهزة تربوية وصحية وإعلامية وثقافية وإدارية واقتصادية وأمنية وقضائية بل وسياسية وجمعوية لها من قدرات التواصل والمصاحبة الإنسانية تمكن الفرد الإنساني من تحدي عوامل التوتر التي تتحكم في عالمه الداخلي ولا تسمح له باستقبال ما يفكر فيه بكيفية شعورية مثل أن يفكر بروية شعورية في تخصص معرفي أو تقني أو مهني أو سياسي معين وفجأة يتبخر ذلك عندما يصطدم المرء بأنه يحتاج إلى الإمكانات المادية أو علاقة زبونية أو وساطة معينة لتجاوز العوائق التي تمنعه من هذا التفكير، أي أن يحلم بالمقاولة الذاتية والتألق في عالم الأعمال فيفاجأ بأن من سبقوه في ذا المجال مهددون من قبل لأبناك لأنهم لم يستطيعوا تسديد أقساط القروض في وقتها أو لأنهم لم يؤدو الضرائب بالإكراه فيتبخر ذلك الحلم وتتعمق المخاوف في المنطقة اللاشعورية ويهيمن التوتر على التصرفات الخارجية فيرزح تحث شبح الفشل واحتقار الذات ، ويعود السبب إلى غياب العناية النفسية والاجتماعية القادرة على تأمين رغبات النجاح في البناء الداخلي لشخصية الفرد المؤمنة بالنجاح اعتمادا على الذات بعد الله عز وجل ، والقادرة على استجماع كل البدائل المتاحة التي توفرت له عبر التجارب السابقة وتوظيف الأسلوب السليم والإيجابي في صياغة الأهداف الشخصية التي يجب أن تتحقق في ظل مناعات سعيدة وخالية من كافة العوائق، وذلك بناءا على قاعدة التوازن الانفعالي والهدوء في التفكير والبرمجة والإنجاز والتقييم في ظل أحاسيس داخلية متحررة من كافة الهموم التي تتقل كاهل الفرد وتحقق نموه. إن العناية النفسية الاجتماعية المركزة على التمكين الإنساني كحق من حقوق الإنسان وواجب على كافة مؤسسات المجتمع الإنساني، الدولية والوطنية باعتبارها الأساس الذي يساعد المرء على إدراك رسالته الإنسانية في الحياة فيقدم على واجبه نحوها تفكيرا وعملا بأنفاس حضارية متجددة فيتحرر من كافة التوترات معتبرا ن القاعدة هي النجاح وفق قيم التفكير والعمل بالواجب، وأن التعثر هو حالة استثنائية يجب استثمارها في التقييم الموضوعي بغرض التصحيح والتطوير والتآلف الايجابي وليس السقوط في أحضان الإحباط وهذا يستدعي تمكين الفرد من مهارات معرفية وعملية منها على سبيل المثال، تطوير أساليب التفكير وتقنيات إيصال الرأي الشخصي للآخرين والتصرف على الحسم مع الذات والحسم مع الآخرين بروية وبعد لنظر، وبدون تسرع وذلك من أجل تخليص الذات من عوامل النقد الداخلية المعيقة بل والهدامة التي كثيرا ما تدمي حياة الفرد بمعاول التحطيم والخوف والدونية والقلق وتحول دون اعتزازه بذاته. إننا في المغرب بحاجة إلى فاعلين أساسيين في مختلف مرافق الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص والحركة الجمعوية أقوياء ليس على تأمين حسن الحال البيوعصبي والنفسي والاجتماعي والثقافي والبيئي للفرد الإنساني وليس غياب مجرد المرض بالتمنيع وهو - جهد مهم – ولكن لتمكين مجاله الحيوي من الإسهام في صياغة منطقة حيوية مشتركة مع غيره من أصحاب المجالات الحيوية المختلفة فيما بينها تستطيع توفير الملذات وتحفز على الإنجازات الشخصية والجماعية والمجتمعية وتسمو بالعلاقات الإنسانية وترتقي بالقيم الحضارية . إن مسؤولية الفاعل الإنساني الذي يحتاجه حاضرنا المغربي يتجلى في تأمين المشاعر الإيجابية المستمرة والتخلص من أحاسيس الرفض والسلبية والخنوع والتبعية، وتدعيم اقتدارات الإحساس والتفكير بالآخرين والاجتهاد العملي من أجلهم في ظل حرية التفكير والإبداع والتوازن العاطفي. من خلال العمل الاستطلاعي الذي تم إعداده خلال الموسم الجامعي الماضي حاولنا بتوجيه ومساعدة العديد من الزملاء الأساتذة، ومشاركة مجموعة من الطلبة الأعزاء، الوقوف على الصعوبات التي يعاني منها الناشئون والشباب بجهة الرباطسلاالقنيطرة، فتبين لنا من خلال عينة عشوائية تتكون من ألفين فرد من بينهم 800 شاب و1200 شابة تتراوح أعمارهم مابين 18عشر سنة و40 سنة ، أن 40 %في المائة منهم بدون عمل أو تأهيل علمي أو مهني، و30 %في المائة منهم يتابعون الدراسة في مستويات جامعية مختلفة ، و10% منهم يعانون إعاقة جسدية بدون أي تأهيل علمي أو مهني، و15% يزاول أعمالا هامشية رغم حصوله على كفاءات علمية ومهنية عالية، مثل، الحراسة وغسل السيارات ، والمقاهي والمطاعم (نادل)، بينما 5 % يشتغلون في معامل التركيب الموجودة بضواحي القنيطرة في مهام أقل من كفاءتهم العلمية والتقنية . من بين النتائج التي تم التوصل إليها في هذا العمل الاستطلاعي أن هناك ما يزيد عن نسبة 70% من العينة من بينهم43% من الإناث يعانون انحصار أهدافهم وتطلعاتهم من خلال كلام عن الكرامة والكبرياء والجسد والأنا والمكانة وغيرها من الكلمات التي يظن الناس أنها تمثلهم ولا يدركون أنها تمثل جوانب الهو EGO لديهم وفق تعاليم التحليل الفرويدي، وعليه فهم ظل هيمنة التصورات الوهمية كما تبدو من خلال الأفكار التي يعبرون عنها ونوعية الكلمات التي يستعملونها، وهو ما يبين مدى غياب ذواتهم والعيش على إيقاعات الهو كما يبدو في تعلقاتهم الشديدة بالأمور المادية صغيرها وكبيرها مثل السيارة والبيت واللباس والطعام والمال، حيث يربط أغلبيتهم السعادة بحصوله على هذه الأشياء بشكل متكاثر وإلى ما لا نهاية ولو على حساب القيم والمبادئ والمصالح العامة وعلى أنقاض مصالح الآخرين. في حين نجد أن نسبة تمثلات 20% يشتكون من غياب الحرية وسطحية وضعف فرص التربية والتكوين، وانعدام العناية النفسية والاجتماعية، وتدهور الأحوال الصحية وتشديد التشنج بين الدولة ومكونات المجتمع وتضاؤل مستوى الثقة في النظام السياسي، وتشتكي اتساع درجات الاقتناع بالأساليب الفاسدة كأسلوب لا مفر منه في سبيل الحصول على المصالح الشخصية في ظل انعدام حق المساواة والسعادة الإنسانية في صيانة سلامة الحياة الشخصية والجماعية جراء استحواذ السياسة على الدين وإنتاج تدين استعراضي وسطحي مفرغ من أي محتوى علمي.كما أن غالبية المبحوثين ومنهم 55% من الإناث يعيدون إخفاقاتهم وما يعانونه من صعوبات إلى الحسد والعين وهو ما يبين جسامة المأزق الذي يعانيه الفرد الإنساني الغارق في الاستبلاد المفروض عليه عبر ثقافة وإعلام الوهم وتنمية التخلف. فكيف نحرر ترواثنا الإنسانية من أوحال الإحباط واليأس ؟ وكيف نستطيع تمكينهم من تحدي الصعاب داخل واقع يسوده الإحباط عبر المصاحبة الداعمة لقدرات التأمل والدقة في تحديد الأهداف ورسم مناهج إنجازها ؟ . - كيف نيسر لهم سبل معاملة الآخرين كما يحبون أن يعاملونهم؟ .كيف نساعده على تنحية كل كلمات الإحباط والفشل ؟ وكيف نحرره من خدعة المظاهر والتملق للأغنياء وتحقير الفقراء ؟ مما يولد لديه مركب نقص يرغمه على التظاهر بالغنى . إن مهمة مطاردة الحزن واليأس والكآبة والكبت وتحويلها إلى دواع نحو الاجتهاد والمثابرة بالنفس وحب التضحية والتفوق وتحدي الشدائد وحمايته من الإرهاق الذهني وتوسيع فضاءات التعبير لديه والعيش بسلام نفسي ووئام اجتماعي مع الغير. إن من أهم مسؤولياتنا نحو الفرد الإنساني الإسهام في بناء شخصيته على قواعد التمكين الصحيحة كشرط للارتقاء بالمجتمع الإنساني حاضرا ومستقبلا ، والتركيز على التمكين وفق قيم المساواة المتجلية في التمثل بين الأفراد داخل المجتمع أمام القوانين والنظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بغض النظر عن عن النوع والمولد والمنحدر الجغرافي والاثني والعقائدي والمركز المادي أو العملي أو المهني حيث تمارس هذه القيمة الإنسانية عبر العديد من الحقوق منها حق العناية النفسية والاجتماعية والحق في الصحة البيوعصبية والبيئية، وحق التربية والتكوين وامتلاك المعرفة والحرية كهبة ربانية لا يستطيع شخص أن يمنحها لأخر أو ينزعها منه، فعبرها نتلمس إنسانية الفرد ووجوده حيث يولد ويبقى حرا وإن اختلفت الأزمان والأمكنة والدول، فالحرية هي أساس إرادة الفرد وتوافقاتها مع الإرادة الحرة للآخرين فكلما استمتع الفرد بحريته كلما تقوى إدراكه لمسؤولياته نحو الإنسانية والكون وكافة المخلوقات، فبالحرية ترتقي المعرفة وتسن القوانين المنصفة ومن أجلها يلتف الناس ويحطم المستعبدون قيودهم ويصبون السخط على الطغيان كما يقول أبو القاسم الشابي رحمه الله : إذَا التَفَّ حَوْلَ الحقِّ قَوْمٌ فَإنّهُ** يُصَرِّمُ أحْدَاثُ الزَّمانِ وَيُبْرِمُ فالحرية أساس تحمل المرء للمسؤولية التي تعنى استعداد الفرد الذي تم تمكينه من القيام بالواجبات الموكولة إليه نحو الخالق والمخلوقات لذلك فهي غير قابلة للتقسيط علما وعملا وعلاقات، ومنها العناية بسعادة الآخرين وصيانة خصوصياتهم بالإضافة إلى الإسهام في حماية القيم والقوانين واحترام الاختلاف والحرص على التوازنات في تحقيق المصالح الخاصة، فالإحساس بالمسؤولية لدى الفرد إزاء المجتمع الإنساني شرط أساسي في تكوين قيمة الانتماء لهذا المجتمع وهي شعور داخلي يجعل المرء يعمل بحماس وصدقية للارتقاء الحياة الإنسانية حيث يفكر بالعالم ويطبق عمليا عبر القطر الذي يتواجد فيه أو من خلال الاستثمار الإيجابي للتكنولوجيا . إن تيسير التواجد الايجابي للفرد الإنساني يتطلب استحضار فكرة الإنسانية بكل أبعادها الدينية والفلسفية والحقوقية نظريا وعمليا ترتقي عبره الخصوصية الفردية وتتقوى من خلالها الهوية الإنسانية التي تقويها تشيد الحياة المشتركة على قواعد الإنصاف واستحضار الإنسانية يستدعي التركيز على النظر في نظم التربية والتكوين وتوسيع أبعادها على قاعدة التربية حياة يحتاجها المرء من المرحلة الجنينية إلى اللحد ، والتربية لا تحتاج إلى التكوين التخصصي فيما المربي والمدرس فقط ، بل يجب أن يتكون ويستفيد من علومها كافة الفاعلين في تدبير الشأن الإنساني المشتغلون بالسياسة والدفاع أو الاقتصاد والمالية أو الإدارة والتجارة والصناعة والفلاحة، والمياه والغابات وباقي المجالات، حيث يصعب على هذه القطاعات القيام بأدوارها إلى لم يكن للمتخصصين القيمين عليها الفقه العلمي المتجدد والكافي بعلوم التمكين الإنساني البيوعصبية والنفسية والاجتماعية والتربوية . فهل نستطيع مراجعة برامج التكوين في مهن التربية والتكوين والصحة والإدارية الترابية والاقتصاد والمالية والضرائب والأمن والقضاء وفق مستجدات البحث العلمي في مجالات التمكين الإنساني؟ - هل من الممكن قراءة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمناهج تتيح التكامل في تأمين العناية النفسية والاجتماعية بالإنسان؟ - هل يمكننا المطالبة بإعادة صياغة الإعلام العمومي بغاية انتقاله من إعلام التنميط إلى إعلام التمكين ؟. - هل بإمكان تكليف العمال والولاة بتنظيم ملتقيات تخصصية رسمية ومدنية متعددة الأطراف للحوار القطاعي والترابي والجمعوي بشأن التمكين الإنساني داخل الأقاليم والجهات ؟. إن من أهم دوافع كتابة هذه الكلمات هي صالح الحياة الإنسانية وإنصاف الفرد الإنساني لكي يكون مسؤلا وصادقا في أداء رسالته الحياتية بتواجد فعال وهي شرط لكل انتقال حضاري لتنظيف من كافة الإضغان والحروب التي لا يمكنها يناء الأمجاد لأن المجد يصنعه الإنسان فلا مجد بالحرب والدمار لأن هذا الأخير عدو للإنسانية . في الماضي قال الشاعر: ^ فما المجد في أن تسكر الأرض بالدما** وتركب في هيجائها فرسا نهدا لكنّه في أن تَصُدَّ بهمَّة ** عن العالَمِ المرزوءِ، فيْضَ الأسى صدَّا فلنعمل على بناء المجد عبر العناية النفسية والاجتماعية. ركوب العواصف والقبول بالردئ كما يقول الشاعر : يود الفتى لو خاض عاصفة الردى ** وصد الخميس المجر والأسد الوردا ليدرك أمجاد الحروب ولو درى ** حقيقتها ما رام من بينها مجدا نلتمس من المجتمع المدني توسيع نطاق مبادراته في هذا الموضوع على قواعد العلم.