يحتاج الإنسان لكي يحيى بشكل طبيعي وسليم للعناصر الضرورية الآتية: الهواء لكي يملأ رئتيه ويتنفس ولا يختنق، الطعام والشراب لكي يعيد بناء خلاياه من جديد ولا يموت من الجوع والظمأ والعطش، النوم لكي لا يضمحل في الأرق، والإيمان لكي يرتقي بروحه ويهذبها ولا يذوب في الوحدة والعزلة والانطواء. ورغم أنه لا خلاف بين الجميع على أن الغذاء ضروري للبقاء بكل بساطة على قيد الحياة إلا أن مجموعات كبيرة من الناس جربت الصوم أيضا إما من تلقاء نفسها أو تحت إشراف الأطباء لأجل التخلص من بعض الأمراض والاستمرار على قيد الحياة بعدما اكتشفت أن حشو بطونها بالطعام والانقياد لرغباتها في الأكل هو السبب الأول لمتاعبها الصحية والجسدية. هذا وقد جربت الإنسانية الصيام بفضل هبوط الديانات من السماء إلى الأرض حيث أنه ارتبط لديها بأهداف دينية ترنو إلى تنقية الروح وتطهيرها بغرض التقرب إلى الله. لكن الصيام فضلا عن بعده الديني أضحى في العشرين سنة الأخيرة موضوعا للدراسات والأبحاث لاستكناه أسراره وفوائده حيث جرى تجريبه كعلاج في عدد من أماكن المعمور مما أثبت دوره في رفع المستوى العام للصحة لدى الإنسان بل تشير بعض الدراسات التاريخية إلى أن الصوم الصحي يعود إلى أكثر من 8000 سنة حيث أن أبقراط مؤسس الطب وصاحب القسم الشهير الذي يقسم به كل الأطباء كان يصف الصيام في المراحل الحرجة للمرض 460 سنة قبل الميلاد. كما استعمله الطبيب العربي الرئيس أبو علي بن سينا الذي كان ينصح مرضاه بالصيام بضعة أسابيع متتالية في بعض الحالات المرضية التي فصلها في كتبه الطبية. كما ثبت أيضا أن الكثير من كبار العلماء والحكماء كانوا يلجأون للصيام لشحذ ذهنهم كأفلاطون وسقراط وبيتاغورس صاحب النظريات المعروفة في الرياضيات. منذ سنة 1822 بدأت البحوث الطبية التجريبية عن الصوم مع العالم Jennmgs تلاه غراهام GRAHAM سنة 1932 لكن الصوم الصحي سيرتبط أكثر باسم الدكتور دووى DEWEY عبر كتابه الشهير "الصوم الذي يشفي" "Le Jeune qui Guerrit". وهكذا سيظهر تباعا عدد من الأطباء الرواد المقتنعين بفوائد الصيام والمتخصصين في العلاج بالصيام كماك فادن (MAC FADDEN) الدكتور شلتون (Herbart Shelton) والبروفيسرو لوفانزان (Pr. Levenzin) والدكتور جيسبار بولينغ (Gisbert Bolling). لتعدد مرادفات الصوم الصحي: حيث هناك من يصفه بالصوم الوقائي (Le Jeune Hygeniste) والصوم العلاجي أو الصوم الطبي (Le Jeune Thérapeutique). كل هذه الأنواع من الصيام التي تكون بغرض العبادة أو العلاج تختلف طبعا عن التجويع الذي ينتج عن مقاطعة التغذية إما إراديا أو عن طريق الخطأ في الوقت الذي يكون فيه الجسم في حالة خصاص تام كالإضراب عن الطعام لأهداف أو غايات سياسية مثل الصيام الذي كان يقوم به المهاتما غاندي لإجبار الإنجليز على الجلاء عن الهند. والذي اكتشف في الصيام أكبر مجدد لطاقته وعزيمته على مواجهة المحتلين بالوسائل السلمية فكان أن قرر أن يخدم بالصيام صحته وبلده. ورغم شهادات العديد ممن عولجوا بالصيام والمعجزات التي حققها الصيام على يد بعض رواده والمتحمسين له لازالت هذه الوسيلة العلاجية غير معترف بها رسميا في مقررات كليات الطب ربما لارتباط الصيام في ذهن الأطباء بالممارسة الدينية أكثر من ارتباطه بالممارسة العلمية أو ربما لكون العلاج بالصيام لا يعود بالأرباح على أحد غير المريض إذ لا تسنده مختبرات صيدلانية مادام هو في النهاية مجرد علاج بالامتناع. ومع ذلك فإن هناك عودة قوية للعلاج بالصوم مادام الطب الكلاسيكي قد أبان عن محدوديته وقصوره أمام العديد من الحالات المرضية أو على الأقل في الحالات التي ينفض فيها الطب الحديث يديه من المريض. فوائد الصيام: لم تعد فوائد الصيام محط نقاش أو تشكيك فالصوم يمثل فرصة للراحة بالنسبة للجسم تمكنه من إصلاح الكثير من أعطابه ومراجعة ذاته، فما يحدث هو أن الجهاز الهضمي بالخصوص يتوقف مرحليا عن القيام بعمليتي الهضم والامتصاص داعيا الجسد إلى استخلاص الطاقة من مخزونه قبل أن "يصدأ"، وهكذا فإن الصوم يوقف عملية امتصاص المواد والنفايات السامة وخاصة جراثيم التخمير (Germes de Putréfucation) كذلك يعد الصيام فرصة سانحة أمام أعضاء التفريغ (Sécrétion) وضمنها الجهاز البولي. الجهاز الهضمي الكبد والمرارة لكي تسترجع نشاطها وقوتها ووظيفتها في تنقية الجسم كما يمكن الصيام الجسم من استقرار الثوابت في الدم والأنسجة. أما الفوائد الأخرى للصيام فيمكن إجمالها في ما يلي: أولا: استعمال الجسد لمخزونه من المواد الحيوية قبل اضمحلالها وانتهاء مدة صلاحيتها. ثانيا: تزداد الكريات الحمراء في الدم أثناء الصيام مما يساعد على علاج بعض حالات فقر الدم حيث تظهر التحليلات تحسنا في مكونات الدم على الأقل في الأسبوع الأول للصيام ورغم أنه يسجل انخفاض في كريات الدم البيضاء إلا أنه يبقى انخفاضا طفيفا وغير مؤثر. فالصيام يحث المعدة على تنشيط الخلايا الفارزة للعامل الداخلي الكامل (Facteur Inbrunseque Complet) والذي لا يمكن بدونه امتصاص الفيتامين B12 الذي يساهم في تكوين خلايا الدم. ثالثا: اختفاء البقع والتجاعيد واستعادة البشرة لنضارتها مستفيدة من تجدد الخلايا كما أن الصيام يحقق نتائج جد إيجابية في علاج حب الشباب. رابعا: الصيام يقوي الأسنان ويقيها من السقوط، لذلك فإن الآم الأسنان التي نسجلها خلال رمضان ناتجة عن الإفراط في السكريات وعدم الالتزام بقواعد النظافة فقط. خامسا: تحسن أداء الجهاز التنفسي وتراجع أعراض الربو أو الضيقة خلال رمضان. سادسا: استعادة القلب لعافيته بسبب انخفاض المجهود الذي يؤديه وانخفاض ضغط الدم حيث أن عمله يقل بمقدار الربع. سابعا: للصيام فوائد صحية أخرى تتجلى أساسا في علاج البدانة وعلاج بعض الأورام السرطانية وتحسين بعض حالات الصرع والتهاب الأعصاب وبعض الاضطرابات المزمنة للأمعاء وعلاج مرض النقرس (La goutte) من خلال نقص معدل الحامض البولي في الدم كما يساعد الصيام على تقوية العضلات من خلال تخليصها من الشحوم الزائدة ويرفع حدة السمع والبصر ويساهم في إلتئام الكسور. وفي الأخير فإن الصيام يساعد على الإدراك والتفكير ويشحذ الإرادة ويقوي الفطنة ومن هنا نفهم ما قاله غاندي عن الصيام: "الصوم من أجل السيطرة على أنفسنا وتهذيبها وتدريبها".