بعد إقالة عبد المجيد تبون، الوزير الأول الجزائري السابق، قبل أن يكمل ثلاثة أشهر من تقلده لهذا المنصب، يبدو أن الجارة الشرقية للمملكة تعيش أزمة داخلية، تغذيها الجهات المتنافسة على الإمساك بدفة السلطة، استعدادا لتدشين مرحلة ما بعد الرئيس الحالي. الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أشّر، اليوم الثلاثاء، على واحدة من أسرع الإقالات التي تصدر في حق المسؤولين بالبلاد، معوّضا تبون، الذي شغل أيضا منصب وزير السكن لأزيد من سبع سنوات، بأحد أبرز قادة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، والوزير الأول الأسبق لثلاث ولايات أحمد أويحيى. "هذه الإقالة السريعة تؤشر على أن هناك صراعا كبيرا على السلطة داخل الجزائر، وتحضيرا قائما لإدارة مرحلة ما بعد الرئيس الحالي" يقول خالد الشكراوي، أستاذ العلاقات الدولية والخبير في الشؤون الإفريقية، مبرزا أن هناك صراعا بين مجموعة من الأجندات، بينها الأمنية والعسكرية من جهة، والسياسيين ورجال الأعمال، ممثلي القطاع الاقتصادي من جهة ثانية. الخطأ الذي وقع فيه الوزير الأول الجزائري المقال، حسب تصريح للشكراوي خص به هسبريس، هو اتخاذه لقرارات ضد مصالح رجال أعمال محسوبين على سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الحالي بشكل لم يكن منتظرا، وتابع قائلا: "ربما تبون كان يعتمد على قوة حزب جبهة التحرير الوطني الذي ينتمي إليه، كما كان يعتمد على مشروعيته المكتسبة من ممارسة السلطة واطلاعه على كواليسها". غير أن هناك قطاعات جديدة بدأت تسيطر في ميزان القوى الجزائري، استنادا إلى تصريحات الخبير ذاته، الذي أضاف أن هذه القطاعات "تتعلق أساسا بالتيار الذي يقوده شقيق الرئيس الجزائري، سواء بالمجال الأمني والعسكري؛ ويتعلق الأمر بوزير الدفاع، ورئيس أركان الجيش الجزائري، وقطاع الأعمال الذي يتحكم بدوره في الآلة السياسية". وشدد الشكراوي على أن هذا الأمر يوضح الصراع الكبير الذي تعيشه قطاعات الأمن والجيش والسياسة والاقتصاد استعدادا لمرحلة ما بعد بوتفليقة، مضيفا أن "هذا الأخير لا يد له في كل ما يدور من تطاحنات، ويبدو أنه أصبح يتخذ القرارات بنوع من الارتجالية، سواء تعلق الأمر بالتعيين أو بالإقالة، ما يؤشر على ضعف مؤسسة الرئاسة بالجزائر، واستعار التطاحنات بين مختلف القطاعات". من جهة ثانية، استبعد المتحدث ذاته أن يشكل تعيين أحمد أويحيى، الوزير الأول الأسبق، وأحد أكثر السياسيين الجزائريين عداء للمغرب، تغيرا في الموقف الرسمي للبلدين، معتبرا أن السياسيين الجزائريين برمتهم غير قادرين على تغيير الوضع، وزاد: "كل هؤلاء ينتمون إلى الجيل نفسه الذي ورث سياسة بومدين تجاه المغرب، والأمر نفسه بالنسبة لبوتفليقة ومحيطه العسكري والسياسي". وسجّل الشكراوي أن عداوة الجزائر للمغرب أمر ثابت، مؤكدا في الوقت نفسه أن الرئيس الجزائري هو الآخر لا يمكن أن يحدد العلاقات الحدودية الجزائرية، وأن "هذه القطاعات مرتبطة أساسا بكل من الجيش والأمن الجزائريين، وزاد موضحا: "أقصد هنا قايد صالح، رئيس أركان الجيش الجزائري على وجه التحديد". المختص في الشؤون الإفريقية أوضح أن هذا التغيير في الموقف بتعيين وزير أول جديد أمر غير مطروح في العلاقة بين الرباطوالجزائر العاصمة، على اعتبار أن هذه الأخيرة حافظت على منسوب عدائها نفسه تجاه المغرب منذ سنة 1963، مضيفا: "الدولة العميقة بالجزائر، وأستثني هنا الشعب، هي المتحكمة في ذلك.. وحتى الأحزاب الكبرى التي قد تشهد مواقفها من المغرب بعض الليونة لا تستطيع بدورها تغيير الوضع على مستوى علاقة الجزائر بالجيران". وخلُص المتحدث ذاته إلى أن العلاقة المتوترة مع الجزائر وجيرانها لا تعني المغرب لوحده، بل تطال دولا أخرى، مبرزا أن "ليبيا والنيجر تعرفان الأمر نفسه، إضافة إلى التدخل السافر في مالي الذي أدى إلى عدم استقرار الأوضاع إلى الآن"، وزاد: "وحتى العلاقات مع موريتانيا تبقى غير متوازنة، فضلا عن عدم وضوح العلاقة مع فرنسا، العدو التاريخي والشريك الإستراتيجي".