المثل أعلاه هو أنسب تعليق على طلب وزير الداخلية، الطيب الشرقاوي، من وزير العدل، محمد الناصري، فتح تحقيق قضائي جديد حول ما نشر في جريدة «الأسبوع الصحافي» بشأن علاقة حزب الأصالة والمعاصرة بتعيين عدد من الولاة والعمال في مراكز المسؤولية بالإدارة الترابية. بلاغ وزارة الداخلية، الذي نشر في الواحدة والنصف من بعد منتصف ليلة الخميس في وكالة الأنباء الرسمية (غريب هذا التوقيت في رمضان)، طلب من وزارة العدل إجراء بحث قضائي في الموضوع، وترتيب الآثار القانونية اللازمة على نتائجه... أي بالمغربي الفصيح: «وقفوا معاهم البيضة في الطاس». ما الداعي إلى هذه اللغة المتشنجة في بلاغ الداخلية، وهي المرة الثانية في أقل من أسبوع التي تحيل فيها الداخلية الصحافيين على التحقيق بعد أن قامت بالأمر نفسه مع جريدة «المشعل» حول نفس الموضوع. «الأسبوع الصحافي» لم تنقل سوى آراء نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، وهو حزب مشارك في الحكومة وله وزيران فيها أحدهما هو الناطق الرسمي باسم الحكومة. يقول بنعبد الله في تصريحه «إن هناك ولاة وعمالا مرتبطين بالبام»، بل أكثر من هذا سبق له وأن قال علانية، قبل أكثر من شهر ونصف: «إن هناك عمالا وولاة أصبحوا كتابا جهويين للبام». نشرت «الأسبوع» كذلك رأي حميد شباط، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، وهو حزب، حسب علمنا، يقود الحكومة التي أصبح وزيرها الأول رئيسا للحكومة... شباط قال ما لم يقله مالك في الخمر، واتهم «البام» بعدة اتهامات ليس أخطرها وقوف مؤسسه، فؤاد عالي الهمة، خلف تعيين ولاة وعمال وموظفين كبار. أكثر من هذا، فهو يقول، في تصريح لهذه الجريدة (انظر الصفحة 3) إنه مستعد للخضوع للتحقيق بشأن مزاعمه، ويقول أيضا إن عباس الفاسي طلب من أعضاء اللجنة التنفيذية، في اجتماع رسمي، مده بلائحة العمال والولاة الذين يرتبطون بالبام، وهو مستعد لأن يضعها بين يدي وزير الداخلية. قبل أن ينهي كلامه بهذا السؤال الموجه إلى الداخلية: «هل ستعتقلون عباس الفاسي هو أيضا؟». نفس الاتهامات يكررها حزب العدالة والتنمية وبعض قياديي الاتحاد الاشتراكي... هل المطلوب اليوم من الصحافة أن تدفن رأسها في الرمل حتى لا تُغضب حزب «البام» ووزارة الداخلية، وأن تمتنع عن نشر تصريحات زعماء الأحزاب والنقابات، حتى ولو كانت علنية وبالاسم والصورة؟ الصحافيون أصبحوا بمثابة «الحائط القصير» الذي يقفز فوقه الجميع بلا خوف أو تردد. جر الصحافيين إلى التحقيق أصبح وسيلة يبعث من خلالها السياسيون الرسائل إلى بعضهم، فعوض أن يتحدث وزير الداخلية مع نبيل بنعبد الله أو شباط أو بنكيران أو حسن طارق، ويطلب منهم إما التوقف عن اتهام «كتيبة العمال والولاة»، أو إظهار ما في حوزتهم من أدلة، تفضل الداخلية التحقيق مع «المشعل» و«الأسبوع الصحافي»، وعلى كل حال، شر أهون من شر، لأن هناك من أصبح يعلق على ما يكتبه الصحافيون في جرائدهم باتهامهم بالشذوذ أو النصب أو معاشرة الغلمان. نعم إلى هذا الحد لم تعد لهذه المهنة من كرامة، ولهذه الحرفة من أصول، وللسياسة من ذوق.. دعك من الأخلاق والفضيلة، فهذه أمنية ما عاد في المستطاع طلبها.