إن إدانة الصحافي المهدوي هي إدانة لحرية الصحافة بالمغرب، عنوانها العريض: أيها الصحافيون اتحدوا لقد ألغي ونسخ قانون الصحافة بإدانة المهدوي بالقانون الجنائي. لقد حرم الصحافي من حقه في المتابعة بقانون الصحافة في حالة سراح، وزج به في السجن ضدا على مبدأ عدم جواز الحكم على الصحافي بالعقوبات السالبة للحرية التي عوضت الغرامة المالية. ماذا بقي من قانونكم أيها الصحافيون؟..أنتم جميعا في حالة سراح مؤقت، لقد طوقتكم النيابة العامة والقضاء بواجب التحفظ، وعدم الإزعاج يمنع عليكم الصياح قولا أو كتابة.. من سخرية القدر أنهم حددوا لكم حتى مفهوم المهنة وحدودها وقيودها.. أنتم حطابون للأخبار وجامعوها، ويمنع عليكم نقدها أو إبداء الرأي أو الموقف بشأنها. الصحافي بات ببغاء لما تريد الدولة عمله، وهو التصفيق والمباركة وليس النقد والتحليل والتنوير وتوجيه الرأي العام. أيها الصحافيون إن المهدوي قدم اليوم تضحيات من أجل استقلاليتكم، لقد دخل التاريخ من الباب الواسع، وبمحاكمته تبدت حقيقة استقلالية الصحافي ومهنة الصحافة، وخلصنا جميعا إلى أن قانون الصحافة مجرد سراب خادع، سيتابعون به من أرادوا ويخلعونه عمن أرادوا؛ لا قيمة للحرية والرأي؛ ولا قيمة لعلوية القانون؛ ولا قيمة لمن يزعجنا بأفكاره، وسنرسله إلى السجون، وعليكم أن تنسوا أنكم سلطة رابعة. إنكم سلطة تابعة لقوى النفوذ التي ستملي عليكم مساحاتها الخضراء والحمراء، وستمشون في دائرتها الحقة، مباركين وفرحين بما أتتكم؛ فهنيئا لكم بمولودكم الجديد التي اختارت له السلطة الحاكمة مفهوم الصحافي الصائح والمحرض، في عودة رمزية إلى ظهير كل ما من شأنه . لقد عرت محاكمة زميلكم المهدوي أنكم بدون حماية، وأنه يمكن اصطيادكم بسهولة بجريمة التحريض، فمن اليوم كلكم محرضون والسجون تنتظركم، فراقبوا أقلامكم وصياحكم، والأفضل لكم أن تصيحوا وتكتبوا باسم سلطة الدولة عوض سلطة القانون والحرية . لقد قالها المهدوي للقاضي بتعجب الفاهم والواعي خطورة القادم الأسوأ: بأي معيار ستفصلون بين أقوالي وكتاباتي، بين كوني صحافيا وبين كوني مواطنا عاديا؟ كيف أكون صحافيا في الفيديوهات المفرغة من موقع بديل، وغير صحافي في ساحة عمومية أجيب عن أسئلة بعض المواطنين حول دور الصحافة في تغطية أحداث الريف؟..ويسترسل في القول: إن من حقي أن أطالب وأدافع عن كل حقوق وحريات المواطنين الدستورية، وهذا من جوهر مهامي ورسالتي الصحافية، فليست الصحافة فقط نقل الأخبار، بل أيضا التحقيق فيها وإبداء الرأي والمشاركة في صنع القرارات. هنا يكمن سر صرف النظر عن المادة 72 من قانون الصحافة، واستعيض عنها بالقانون الجنائي للانقضاض على المهدوي وحبسه، عن غير وجه حق، ضدا على المادة 98 من قانون الصحافة التي تمنع اعتقال او توقيف الصحافي. التكييف القانوني ليس مطلوبا منه أن يجسد روح القانون، بل روح السلطة الحاكمة التي عليكم أن تعملوا وتتسابقوا لنيل رضاها من هذا اليوم. أما الزميل المهدوي فقد قالها بشجاعة: إني أنتظر مصيري، ولن أبالي بعقوبتكم، ولو كانت الإعدام، لأنني لم أسرق ولم أخن أمانة المهنة، بل دافعت عن مبادئها بضمير، وكنت أبتغي المصلحة الوطنية.. إنني وطني وملكي وأحترم الدولة ومؤسساتها ولن تنالوا من عزيمتي وإصراري، ولن تدفعوني نحو التطرف، لأنني صحافي ومواطن أصيل. إن المحاكمات السياسية للصحافيين تدفعهم إلى التطرف، لأن الرأي يواجه بالرأي، ولأن الصحفي يحمل قلما وليس سلاحا حتى يودع السجن. محاكمة الزميل المهدوي هي محاكمة لجنس صحافي مزعج، وإدانته هي إدانة لهذا الصنف من الصحافة، والصياح المدان هو صياح قوة الكلمة والجرأة والشجاعة في الطرح؛ فقد كان يقول الصحافي المهدوي: دائما أنا ضد الفساد والاستبداد، وهذا سر محاكمتي، والآن ليس مطلوبا مني أن أدافع عن الملكية والوطنية، بل أن أدافع عن الفساد والاستبداد لأنجو بقلمي وحريتي..لقد أرادوا فرض واجبهم علينا كصحافيين في ممارسة الصحافة بتحفظ.