تعتبر مكتبة الكونغرس الأمريكي، التي تعد المكتبة الأكبر والأكثر تكلفة وأمانا في العالم، كنزا معرفيا وأرشيفا إلكترونيا يواكب توثيق بداية التاريخ الحديث للولايات المتحدة، ومرجعا عالميا للمواد القانونية والخرائط والأفلام وحتى المعزوفات الموسيقية . وقد تأسست مكتبة الكونغرس في 24 أبريل 1800 لتمثل ذراعا بحثيا داعما لأعضاء الكونغرس الأمريكي في تأدية واجباتهم الدستورية وتحقيق المزيد من الارتقاء في المعرفة والإبداع لمصلحة الشعب الأمريكي . وتضم هذه المؤسسة الفيدرالية الثقافية، التي تعتبر من المعالم البارزة في عاصمة الولاياتالمتحدةالأمريكية، واشنطن، والتي تبلغ مساحتها 39 هكتارا ، وطول رفوفها 856 كيلومترا، 130 مليون مادة مختلفة، منها 29 مليون كتاب، ومواد مطبوعة ب460 لغة، وأكثر من 58 مليون وثيقة. ويعود الفضل في إنشاء هذه المكتبة، التي انطلقت آنذاك بخمسة آلاف دولار، للرئيس الثالث للولايات المتحدة، توماس جيفرسون، الذي كان متعدد المواهب، حيث جمع بين الكتابة والدبلوماسية والقانون والهندسة، مما ساعد على اختياره قبل ذلك نائبا للرئيس الثاني لأمريكا، جون آدمز . وظلت المكتبة ملحقة بمبنى الكونغرس منذ إنشائها، وتوسعت في قاعات المبنى الذي أحرقه الإنجليز في 24 غشت 1814، حيث فقدت مقتنياتها فعوضتها في 30 يناير 1815، بشراء مكتبة توماس جيفرسون، لتظل جزءا لا يتجزأ من مبنى الكونغرس . وخلال سنة 1851، تعرضت المكتبة مرة أخرى لحريق كبير دمر نحو 35 ألف كتاب، من إجمالي 55 ألف كانت برفوف المكتبة، بسبب عيب في أحد المداخن، ليعرض حينها المهندس المعماري توماس والتر على الكونغرس خطة لبناء جناح جديد للمكتبة بمواد غير قابلة للاشتعال . وتتألف المكتبة من ثلاثة مبان، أولها جناح توماس جيفرسون (الرئيس الثالث للبلاد) والذي افتتح سنة 1897، ويعرف بمكتبة الكونغرس الرئيسية، وقد شيد وفقا للطراز المعماري لعصر النهضة. إلى جانبه يوجد جناح جون آدمز (الرئيس الثاني للبلاد) ويقع شمال المبنى الرئيسي وافتتح في 2 دجنبر 1938، إضافة إلى مبنى "جيمس ماديسون" (الرئيس الرابع) وافتتح عام 1981 . وقد اتفق المهتمون والباحثون العالميون على أن مكتبة الكونغرس الأمريكي تمثل موروثا ثقافيا عالميا بما تزخر به من كنوز لا تقدر بثمن من التراث الثقافي العربي، حيث تضم المكتبة عددا كبيرا من المخطوطات والكتب والصحف العربية المتاحة أمام القراء مجانا. ويعتبر قسم إفريقيا والشرق الأوسط من أهم أماكن البحث والمطالعة التي يقصدها الباحثون والطلبة لما يوفره من مصادر وكتب ومخطوطات نادرة حصلت عليها المكتبة في الماضي، أما الآن فقد توقفت المكتبة عن اقتناء وشراء الكتب بعد تطبيق الدول العربية لقوانين صارمة لحماية الموروث الثقافي . ولكي توفر المكتبة الوثائق النادرة والمراجع التي تتعرض إلى التلف في عدد من الدول العربية أنشأت مكتبة الكونغرس سنة 2009 قسما خاصا بالتصوير الالكتروني للمخطوطات الالكترونية لحفظ أكثر من 2000 وثيقة عربية تتميز بقيمتها العلمية والتراثية الى جانب مخطوطات وخرائط ونسخ قديمة تعرض بالمجان في موقع المكتبة الالكتروني . ويشترك مع مكتبة الكونغرس الأمريكي في مشروع التصوير الالكتروني شركاء من كل أنحاء العالم، بما في ذلك المنطقة العربية . وقد انخرطت مكتبة الإسكندرية في مصر والمكتبة الوطنية في العراق مؤخرا بشراكة خاصة مع مكتبة الكونغرس في مشروع لتأسيس مكتبة إلكترونية عالمية على شبكة الإنترنت . وتروم هذه المكتبة الرقمية العالمية تحفيز الناس علي التفكير في تفاعل الثقافات ، وتعزيز التفاهم والرغبة بالاطلاع علي المنجزات الثقافية علي الصعيد الإنساني . وإلى جانب مكتبة الكونغرس، أسهمت العديد من الجهات في هذه المكتبة الرقمية العالمية لاسيما دار الكتب والمحفوظات المصرية، علاوة على جهات ثقافية ومكتبات من بريطانيا ، وفرنسا ، وروسيا ، والبرازيل ، والصين ، حيث يتيح الأرشيف الإلكتروني الضخم للمكتبة الوصول إلي مخطوطات ووثائق تاريخية وخرائط ومطبوعات وأرشيف موسيقي ، وآخر للصور وملفات باللغات السبعة المستخدمة في الأممالمتحدة . ومن الوثائق الأمريكية التي توفرها المكتبة يوجد إعلان الاستقلال، والدستور الأمريكي، وصور الحرب الأهلية، وإعلان إلغاء العبودية إضافة إلي وثائق الهجرة والتجنس لمشاهير أمريكيين . وهكذا، تمثل مكتبة الكونغرس، أقدم مؤسسة فيدرالية ثقافية بالولاياتالمتحدة، والتي تعتبر كنزا معرفيا ثمينا وأرشيفا فريدا من نوعه، نافذة كونية على جواهر الثقافة الإنسانية. *و.م.ع