في خطوة غير مسبوقة، أعلنت الحكومة المغربية عن إدراج المجالات البحرية قبالة سواحل الصحراء في المنظومة القانونية الوطنية؛ وذلك "لسد الباب أمام كل الادعاءات المشككة في أنها لا تدخل في نطاق السيادة المغربية"، وأيضا لقطع الطريق على الحروب الدبلوماسية التي تخوضها جبهة البوليساريو بالوكالة داخل ردهات المحاكم الدولية بخصوص "منتجات الصحراء". مسألة ترسيم مياه الحدود البحرية في سواحل الصحراء كانت قد أثارت جدلاً كبيرا بين المملكتين المغربية والإسبانية، حيث سبق أن احتجت الرباط عندما بادرت مدريد سنة 2015 وبشكل أحادي إلى وضع طلب لدى منظمة الأممالمتحدة لترسيم مياهها الإقليمية؛ وهو ما اعتبره المغرب حينئذ استفزازاً واضحاً واستعماراً جديداً لسواحله، واضطرت إسبانيا حينها إلى التراجع وتأكيدها استعدادها التفاوض مستقبلاً حول عملية توسيع المياه الإقليمية لجزر الكناري قبالة سواحل الصحراء بعد الحل النهائي لنزاع القضية الوطنية. تشويش الجبهة مباشرة بعد مصادقة حكومة العثماني الأسبوع الماضي على مشروع قانون تقدم به وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، يقضي بتغيير وتتميم الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.73.211 الصادر في 26 من محرم 1393 الموافق ل2 مارس 1973 المعينة بموجبه حدود المياه الإقليمية، تحركت جبهة البوليساريو دولياً للتشويش على القرار الحكومي؛ وذلك عبر تحريض الأحزاب الإسبانية الداعمة للطرح الانفصالي، للضغط على حكومة مدريد لتوضيح موقفها من "التوسع المغربي البحري في صحرائه". تشويش الجبهة سرعان ما استجاب له حزب "نوفا كاريا" المنتمي إلى اليسار الوسط، والذي دعا، عبر نائبته ماريا خوسي لوبيز سانتانا، ألفونسو داستيس، وزير خارجية الجارة الشمالية للمملكة، إلى شرح موقف الحكومة الإسبانية واتخاذ إجراءات فورية من ما اعتبرته "عملية التوسع المغربية" على سواحل الأطلسي قبالة جزر الكناري. وحسب ما نقلته وسائل إعلام إسبانية، فقد اعتبرت النائبة الإسبانية سالفة الذكر أن عملية ترسيم المغرب لمياهه الإقليمية "تخفي من ورائها مطامع اقتصادية واستراتيجية، تتصادم مع مصالح جزر الكناري، ويعد هجوما مباشرا على سيادة الأراضي الصحراوية". فهل يغضب القرار الجارة الإسبانية؟ خالد الشكراوي، الباحث المتخصص في شؤون الصحراء، قال، في تصريح لهسبريس ، إن القرار الذي اتخذه المغرب "جد إيجابي"، بالرغم من أنه "جاء متأخراً"، معتبراً أن النصوص القانونية التي تحدد المجالات البحرية الخاضعة لسيادة المملكة "كان عليها أن تخرج منذ أن حددت إسبانيا مجالاتها المياهية، وبالضبط عندما بدأت تتدخل بشكل مباشر قبل سنوات في تحديد السيادة المائية للمغرب". حروب دبلوماسية وفي جوابه عن سؤال هل يُؤثر القرار على المصالح الإستراتيجية لإسبانيا بالمنطقة؟ لم يستبعد الشكراوي ذلك، إلا أنه يعتقد بأن القرار المغربي "ليس أُحادياً"، وفي الغالب أخبرت الرباطمدريد بالخطوة، نظرا للمصالح المشتركة بين الطرفين، وهو الأمر نفسه قد يكون قد حصل مع الجانب الموريتاني، يوضح المصدر ذاته. ورداً على التحركات التي تقوم بها جبهة البوليساريو، أكد أستاذ الدراسات الإفريقية بجامعة محمد الخامس بالرباط أن الأمر "ليس بالشيء الجديد، بل حتى في سبعينيات القرن الماضي حاولت التدخل في هذا المجال البحري عبر التراب الموريتاني"، مرجحا أن تخوض الجبهة حروبا دبلوماسية حامية للرد على القرار المغربي، "مستغلة في ذلك بعض المشاكل التي ما زالت قائمة مع موريتانيا، خاصة إذا علمنا أن انسحاب هذه الأخيرة من إقليم وادي الذهب "لا نعرف حيثياته إلى الآن"، يردف الشكراوي. واستعداداً لذلك، أوضح الخبير المغربي أن حكومة سعد الدين العثماني مطالبة بتحضير نفسها لمواجهة ليس فقط البوليساريو، وإنما للرد على القرار الإسباني الذي يُعدّ الأقوى والأهم". وكان مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، قد أكد، خلال ندوة صحافية عقب انعقاد مجلس الحكومة الماضي، أن "هذا إجراء مهم جداً، خصوصاً أنه سيمكن من الملاءمة مع أحكام اتفاقية الأممالمتحدة حول قانون البحار".