تظل الهجرة والإقامة في كندا أو كيبيك حلما مشروعا لكل مواطن مغربي، خصوصا عندما يتابع مستجدات الانفتاح والبحث عن الأطر واليد العاملة الجديدة التي تقوم بها الحكومة الكندية أو حكومة الكيبيك. وبعد جهد جهيد، والتمكن من الوصول إلى تراب كندا، يجد المهاجر أو اللاجئ نفسه أمام إكراهين أساسيين سنتعرض لهما بإيجاز: ارتباط فرصة العمل بالاعتراف بالشهادات الصعوبة الكبيرة تكمن في إيجاد عمل، وتزداد الصعوبة عندما يكون اللاجئ حاملا شهادات جامعية في الطب أو القانون أو الهندسة؛ إذ ليس سهلا تعديلها، وقد يضطر إلى العودة إلى مقاعد الدراسة الجامعية لبضع سنوات، ما يحرمه من دخل مادي هو بأمس الحاجة إليه، إضافة إلى إضاعة سنوات في إعادة التحصيل العلمي. تقديم طلب بمعادلة الشواهد الجامعية أمر يحتاج الي الدقة والعناية بالتفاصيل؛ لأنه يطلب إثبات جميع المواد التي تمت دراستها وساعات الدراسة وتقديم لائحة الدراسة في الجامعة الأصلية ونبذة عن تاريخها، وتدعيم الطلب بسنوات الخبرة والتجربة؛ لأن ما ينقص من الدراسة قد تدعمه الخبرة بحيث لا يطلب دراسة مواد إضافية للمعادلة، أو يطلب ذلك في أضيق الحدود. وتخطط حكومة "فيليب كويار" الكيبيكية لاتخاذ خطوة لتعزيز اندماج المهاجرين في سوق العمل، وسن تدابير لضمان الاعتراف بالشهادات التي تم الحصول عليها في الخارج من قبل الكيبيكيين الجدد؛ وذلك في إجراء عملي عقب المأساة التي وقعت في 29 يناير 2017 في الجامع الكبير في كيبيك. غلاء المعيشة والنفقات غير المتوقعة: هناك تفاصيل صادمة تتعلق بالوافدين الجدد، من بينها غلاء المعيشة، بدءً من ركوب سيارة أجرة المطار إلى الخطوة الأولى للاستقرار. بعدها يجب دفع 700 دولار لاستئجار شقة صغيرة لأجل زوجين شابين، في انتظار أن تتطور الأمور بشكل إيجابي، و170 دولارا أخرى لاشتراك شهري لشخصين في خدمتي النقل (الحافلة والميترو)، و10 دولارات كأدنى سعر من أجل وجبة بسيطة في الخارج، و3 دولارات من أجل الخدمة... دون الحديث عن المواد الأساسية التي ارتفعت أسعارها بطريقة صاروخية على مدى العشر سنوات الأخيرة. بإضافة كل هذه النفقات على شراء الأثاث، دورات تعلم القيادة، والاشتراك في الانترنت، خط التلفاز والهاتف (التي تعادل ضعف ثمن الاشتراكات بالمغرب)، ندرك سريعا أن الفرصة الحقيقية الأولى للعمل يجب ألا ترتبط بتوفير الحاجيات الأساسية للأسرة، بل غالبا ما تكون ثمرة سنوات طويلة من العمل، تماما كما تبدأ الثلوج في الذوبان تحت أشعة الشمس. وفي الوقت نفسه، هناك عقبات لا حصر لها تفرضها ضوابط المهنية والتمييز في العمل التي يتحدث عنها، ولكنها واضحة للعيان من خلال اختيار المرشحين. انطلاقا من الإكراهين الذين اختصرنا شرحهما، وأمام تواجدهما كحجرة عثرة أمام طموحات المهاجرين واللاجئين، يصبح الوضع صعبا جدا، وعندما يعمد إلى صرف العملات المحلية المخزون القبلي المدخر بالدولار الكندي الذي يوجد في مرتبة متقدمة في سلة العملات، يدب الكثير من الذعر في نفوس الوافدين الجدد، ويتساءلون عن المخاطر المترتبة عن هذا الفشل… غير أنه في المقابل هنالك العديد من المزايا التي يرتاح لها أي وافد جديد فضل هذا الاختيار، المكتبات، وحمامات السباحة البلدية المغطاة في الهواء الطلق، والحدائق، ومسارات المشي، ومسارات الدراجات، معظم المدن في كندا لديها مراكز مخصصة للجالية والمهاجرين بها مرافق ورياضات ترفيهية (التزلج على الجليد، حوض سباحة وملعب تنس، وغيرها)، كما يتم تقديم مجموعة متنوعة من الدورات التدريبية في اللياقة البدنية، وأجهزة الكمبيوتر، واللغة الإنجليزية كلغة ثانية… هذه هي التفاصيل هي التي تخلق الاختلاف، حتى لو كان في العمق هاجس طالما لا نشعر باطمئنان لوجوده، والقلب لا يتمتع به حقيقة، فكثيراً ما يخسر مهاجرو العالم الثالث حقوقهم بسبب الحالة النفسية المصاحبة لهم من العالم الثالث ورواسبه من جهة، ومن جهة أخرى عندما يصطدمون بغياب العدالة الاجتماعية، مما يجعل المهاجر الجديد لا يأبه لحقوقه، وقد لا يسأل عنها إلاَّ متأخراً. إن رغبة السياسيين تتمثل في الاستفادة من موارد الوافد الجديد باعتبارها معينا لا ينضب، وهاجس إنجاح مشروع الهجرة يعتمد على تسريع الاندماج في أجال معقولة، وكسر التفكير النمطي الذي يعشش في أذهان من يشككون في مزايا نظام الهجرة ككل. وتحقيق الرفاه الاجتماعي الذي يعني العيش على حساب دافعي الضرائب الأخرى ليس خيارا ذكيا، لا للحكومة ولا للمهاجر، الذي يمكنه، إذا لزم الأمر، أن يعود إلى بيته الأصلي على افتراض أنه يمكن استعادة وظيفته القديمة، أو اللجوء إلى المقاطعات الكندية الأخرى، بحثا عن فرصة أفضل، مما يفرض على النظام أن يظهر مزيدا من المرونة والذكاء لتسهيل إدماج أفضل للقادمين الجدد. *دكتورة باحثة في سوسيولوجيا الهجرة بجامعة مونتريال بالكيبيك