"تريرة تريرة .. هاد الشهر كلو حريرة"، "رمضان بوشاشية .. شبعنا شباكية"، "أ رمضان يا الحبيب .. شبعنا قهوة وحليب"، بعض من كلمات أناشيد وطقوس رمضانية يرددها أطفال مغاربة صغار احتفالا باستقبال شهر الصيام والقيام، رواج اقتصادي غير مسبوق، شوارع مفتوحة تعج بالفواكه والأطباق المحلية الخالصة التي تتنافس السيدات على إعدادها بمهارة من فطائر ومعجنات وحلويات رمضانية، كالشباكية و"الحلو". خيام رمضانية تضامنية، بعيدة عن الممارسة والحملات الانتخابية السياسية، تؤنس وحدة الفقراء والجياع من المتشردين حتى خيوط الفجر الأولى، وتبادل للزيارات بين الأهل والأحباب والجيران على موائد الإفطار، هي مشاهد رمضان الماضي، لكن رمضان اليوم لم يعد كذلك أبدا، وتحول من عبادة إلى أكل وشرب، ومن ثم إلى نوم وكسل طوال النهار. العولمة في قفص الاتهام تغيَّر المشهد الرمضاني، وصار الأمر أكثر اختلافا، ولم يعد الشهر مخصصا للصيام والقيام، بالعبادة والزهد، بل أصبح استهلاكياً بامتياز، ما أفقد الشهر المبارك خصوصيته ورونقه بسبب الازدحام في الشوارع، وما يصاحب ذلك من مظاهر "الترميضينة" التي غالبا ما تنتهي في أقسام المستعجلات ومخافر الشرطة. وساهم غزو التكنولوجيا، خاصة الهواتف الذكية، في اختفاء الأجواء الحميمية التي كانت ترافق التئام الأسر المغربية حول مائدة الإفطار لمتابعة المسلسلات والسيتكومات الكوميدية، إلى جانب رداءة الأعمال الفنية الرمضانية التي تكرر نفسها بشكل مميت خلال فترة الذروة من كل سنة، وهي عوامل غيرت ملامح فرحة الشهر المبارك وقزمت طقوسه. حسنى، أستاذة مادة التاريخ بالتعليم الثانوي بالقنيطرة، قالت لهسبريس إن رمضان لم يتغير كثيرا بالنسبة إليها، وأضافت: "لا فرق بين رمضان الأمس واليوم؛ فالعادات والتقاليد وحتى الأطباق الرمضانية هي نفسها، لا زلنا متمسكين بها، لكن بساطة الأمس كانت لها حلاوتها لكون الإنسان يرى الماضي أجمل ويحن إليه باستمرار". واستحضرت الأستاذة ذاتها غياب زيارات الإفطار بين العائلات على عكس ما كان عليه الحال في الماضي؛ حيث كانت الزيارات أمرا أساسيا، واستدركت: "لكن الفرحة بشهر رمضان المبارك تبقى هي نفسها في القلوب بالرغم من اختلاف الأجواء وتحولها إلى طقوس تتسم بالطابع الرسمي؛ إذ أصبحنا نفكر في حلويات وأطباق رمضان أكثر مما نفكر في رمضان واستغلال الأيام المباركة للتقرب من الله". سياسة "القفة" من جانبه، قال حكيم الرامي، إطار بمعهد الإمام ورش للتعليم العتيق، إن "رمضان الماضي كان يطبعه العمل الجاد والاجتهاد، وتبادل الزيارات بين الأسر، مع منح صدقات للأسر المعوزة حتى تتذوق حلاوة الشهر الفضيل في جو سمته التضامن والتكافل الاجتماعي". وعاب المتحدث تقلص القيم الروحية لرمضان بفعل العولمة وسيطرت القيم المادية المرتبطة بالسوق واللباس التقليدي، وقال: "فقدنا رمضان الأمس وفقدنا معه الغاية والمقصد من تخليده، وصار شهرا شكليا أمست الصلاة موسمية لا خشوع فيها ولا تقوى عند غالبية الصائمين، هدف الواقف وراء الإمام نيل صفة المصلي بدل رضا الخالق عز وجل". وأضاف الإطار بالمعهد الديني أن هذه المظاهر والطقوس الرمضانية "اختفت من رمضان مغاربة اليوم، وعوضتها الانعزالية والأنانية وقطع أواصر صلة الرحم، وأصبحت القفف الرمضانية تدخل في العمل السياسي والصدقة رياء، وأضحى رمضان شهر الجوع والعطس بدل شهر الصيام والقيام والغفران"، وفق تعبيره.