جيب يا فم حسِّن عيشك يتيم، وزير الشغل، يؤكد أن الحكومة ستعمل على تنزيل مقاربة جديدة تروم رفع فعالية الاستثمارات ودورها في خلق الثروة وفرص الشغل وتحسين أثرها المباشر على مستوى عيش المواطنين. وأريد أن أبوح لك بسر، أرجو أن تحفظه في ثلاجتك. لا ليس الآن. لن أبوح بالسر الآن. المهم.. فين خلَيناها؟ الاستثمار والثروة والشغل وتحسين عيش المواطنين. أنا أغبط السيد الوزير على ترديده لهذه الكلمات الرنّانة. لها رنين خاص في أذني. فكلما سمعتها، يسيل لعابي، ولا أجد لحما آكله ثم أعود إلى كوخي الخشبي. تتكرر العملية معي دائما؛ الثروة والشغل والتحسين.. كلمات ليست كالكلمات.. ترنّ في أذني. يسيل لعابي. لا لحم للأكل. عودة إلى الكوخ. صعب أن تكون يتيما. لا شغل ولا مشغلة. وتعيش داخل كوخ. لا لحم تأكله.. هذه هي أعراض مرض سيلان اللعاب. البقع الحمراء التي ظهرت على جميع مناطق جسدي دليل قاطع على إصابتي بالمرض كما أنني صرت عاجزا عن ممارسة الحياة. فكلما أردت ممارسة الحياة، أشعر بخفقان متسارع في القلب ويصيبني إعياء شديد، فأتوقف في منتصف الطريق. وكثيرا ما بحثت في سوق المتلاشيات عن ماكينة حلاقة لتحسين عيش الموطنين ولم أجد شيئا. لذلك أتمنى على السيد يتيم أن يسلفني ماكينته الخاصة.. أحسَن بها عيشي وعيش العياشي جاري وأعيدها إليه. الماكينة أرجوك سيدي الوزير.. عَيشْك. الرزق بيد الله، وليس بيد الوزير ولا بيد الحكومة مجتمعة . لذلك قررت فتح محل لتحسين عيش المواطنين. يلزمني فقط بعض اليتامى للاشتغال معي. وعلى كل يتيم يتقدم للعمل في محلي أن يكون صاحب خبرة لا تقل عن خمس سنوات من البكاء على الأطلال، ولم يسبق له أن جرح وجهه وهو يحسن عيش المواطنين. ولآن إليك السر؛ لدي تلميذ يتيم يكتب بخط رديء. لم أعاقبه قط عن رداءة خطه. دائما آخذه إلى ركن منزوِ وأذكّره بيُتمه ثم أبكي معه وأكتب على دفتره: حسّن عيشك. كتوقع هل زعطوط شفار الواجهة الزجاجية للبنك مرآة ضخمة منصوبة بالمجان. فلا أحد يمر أمامها دون أن يلقي نظرة خاطفة للاطمئنان على تناسق ملابسه وجمالية مظهره الخارجي. زعطوط يقف الآن أمام المرآة الزجاجية وهو يتأمل وجهه وهيأته. تبين له أن لحيته صارت كثيفة. ذهب إلى الحانوت. اشترى شفرة حلاقة بصابونة وقنينة ماء صغيرة ثم انتصب أما المرآة الضخمة استعدادا للحلاقة. العيون الفضولية كانت تراقب حركاته بتوجس. أحد أصحاب الحسنة تطوع واتصل بالشرطة للإبلاغ عن واقعة غريبة: مواطن يحلق دقنه أما واجهة البنك. فعلا، الأمر يدعو للريبة. المتصل بالشرطة تلقى ردا غريبا: "هل هناك دم"؟ المتصل يقترب من زعطوط بحذر. زعطوط أصاب وجهه بجروح متفاونة الخطورة. المتصل للشرطة: كاين الدم. يتجمهر الناس حول زعطوط الذي يواصل الحلاقة. تحضر الشرطة وتُكلبش زعطوط بالمينوط. شرطي يضع أداة الجريمة( شفرة الحلاقة) في كيس بلاستيكي قصد تحليلها في المعمل الجنائي. تعليقات الناس: " لقاو عندو شفرة". " شفار..كان داخل للبنك". مرت سنة كاملة على الواقعة. الآن، كلما مر زعطوط أما الواجهة الزجاجية للبنك، يخفض رأسه ويتحسس وجهه المجروح. راس الحانوت ويُحكى أن الشيطان حزم حقائبه وتوجه إلى المطار، عازما على الرحيل بدون رجعة، ولما سألوه عن سبب رحيله، أجاب غاضبا: «كلما يُطرح سؤال (من أين لك هذا؟) على هؤلاء اللصوص، يقولون هذا من فضل ربي، ولا أحد قال هذا من فضل الشيطان» دقة ببصلة نوجهها لبعض المتسولين، محترفي التسول، ممن يملكون ممتلكات ومع ذلك يستمرون في التسول.. وليتهم يلتزمون بآداب التسول. بعضهم يطرق بابك بعنف. بعضهم تعطيه أشياء عينية مثل الملابس أو الأكل فيرفضها مطالبا بالنقود. هذه مهنة تدر أرباح كثيرة، فلماذا لا يتم الاعتراف بها وتقنينها.. سنكون أول دولة في العالم تُقدم على هكذا خطوة جريئة.