مرت أسابيع قليلة على تنصيب السيد سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة خلفا للسيد عبد الإله بنكيران، وهي الحكومة التي استبشرنا خيرا بتشكيلها، سعيا إلى التخلص من الظاهرة الهزلية التي طبعت المشهد السياسي سابقا، والإنتظارية التي استغرقت أزيد من خمسة أشهر بعد استحقاقات 7 أكتوبر 2017، وأملا في مباشرة وتسريع القضايا الاستعجالية التي تشغل بال المواطن المغربي، من قبيل معالجة وتصحيح اختلالات قانون المالية المعد سلفا، والانكباب على إخراج قانون التغطية الصحية الخاص بالمهن الحرة وتعميمه، إلى جانب قضايا التعليم والصحة والتشغيل والعدل... بما يستدعيه الأمر من متابعة متبصرة لكل مستجدات الساحة السياسية، والبحث عن الطرق الناجعة لمعالجتها، باعتبارها أساس الاستقرار الذي ظل المغرب ينعم به على الدوام. والملاحظ أن الحركات الاحتجاجية التي انطلقت بالحسيمة، بموازاة وفاة محسن الفكري، حركت وضعا تاريخيا واجتماعيا ظل مسكوتا عنه ومؤجلا إلى حين، أذكاه تصريح السيد عبد الإله بنكيران عندما سئل عن أحداث الحسيمة، مدعيا أنه لا يعرف موقع المدينة ضمن خريطة المغرب، بالرغم من العناية الملكية التي وجهت لأقاليم الشمال عموما، ولإقليم الحسيمة منذ زلزال 2004 خاصة؛ فالعوامل التاريخية والمجالية والسياسية والاقتصادية جعلت من الإقليم هامشا لم يستفد من خيرات المركز، فكان طبيعيا أن تكون هذه الاحتجاجات التي أجمعت كل المنظمات الحقوقية على سلميتها ومشروعيتها، بالنظر إلى نضجها التأطيري المحكم، أصبحت تؤطر ارتباك الحكومة، على الرغم من أن المغرب يعد رائدا عربيا وإسلاميا وقاريا في تدبير الاختلاف والتنوع. لذلك كانت ثقافة الاحتجاج عريقة في المغرب عراقة تعايش كل مكوناته وأعراقه، وهذه الثقافة هي التي أنجته من هزات "الربيع العربي" من دون شك. لكن مع الأسف، فعوض أن تستحضر الأغلبية الحكومية ورئيسها المعطيات التاريخية والآنية لتحصين المكتسبات بحوار ناجح، آثرت أسلوب التخوين والعمالة دون أن تعي خطورة الأمر. ولذلك، فالأغلبية الحكومية أصبحت محط مساءلة بخصوص دورها في تعزيز الاستقرار السياسي وديمومته، وهل هي فعلا قادرة على حمايته في ظل المشهد الحزبي الذي يتسم بضعف المردودية والفعالية في تأطير المواطنين، بما يحقق الامتداد التنظيمي والسياسي لمشروعها المجتمعي إن كان لها أصلا؟ وما هي مسؤولية الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني في رصد التحولات المجتمعية ومواكبتها بما يعزز الدينامية التي أطلقتها الدولة في مختلف المجالات؟ إن الأحزاب السياسية، وفي مقدمتها الأغلبية الحكومة، لا ينبغي أن يقتصر دورها على استخلاص تمويلات الدولة بعد كل استحقاق، لتعود إلى سابق عهدها بعد انتهاء موسم الجني، علما أن تلك الأموال مستخلصة من ضرائب الفقراء؛ فهم أولى بالاستفادة منها بما ينمي وعيهم السياس ، ويقوي انخراطهم الإيجابي في كل قضايا الوطن، كل من موقعه وحسب مسؤولياته، أما وأن الدولة، أو السلطات العليا، هي وحدها الموكول لها حل كل المشاكل القارية والإقليمية والمحلية في المدن والقرى، فذاك أمر معجز، فضلا عن كونه استنزاف للطاقة، وهدر للزمان، اللهم إن كانت هذه الحكومة مجرد عصابة، حسب ما كتب على إحدى لافتات المحتجين. الشيء نفسه ينطبق على جمعيات المجتمع المدني، خاصة "الكبرى منها"؛ فاستفادتها من المنفعة العمومية يخول لها الحصول على أموال طائلة، غالبا ما تنأى عن أية مساءلة أو افتحاص لماليتها العمومية، إلى جانب الجمعيات التي مولت في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. فعوض أن تصبح هذه الجمعيات بكل أصنافها مؤشرا لمعرفة حاجات المجتمع الضرورية، بما يساعد في التخطيط والتنزيل الأمثل لمختلف المشاريع التنموية، وحلقة من الحلقات الأساسية في التعاقد بين المجتمع والدولة، تصير عائقا ببناء جو من عدم الثقة والمصداقية والنزاهة، فما يجري بالحسيمة لا يخرج عن هذه القناعة التي تزداد يوما عن يوم استفحالا وخطورة، بالنظر إلى الخيارات التي يمكن أن تتبناها. وعليه، فإننا لن ننتظر انتهاء التجربة الحكومية لتقييم الحصيلة التي بدأت معالمها وتوجهاتها بالاختيارات المرتجلة، ومحاولة التملص من المسؤولية انطلاقا من عدة مؤشرات دالة ومحددة لسياستها، وهي من دون شك تظل بعيدة عن تمثلات المضمون السياسي لخطاب دكار، وعن المساهمة في التنزيل الأمثل لدستور 2011 بما يعزز المشروع الديمقراطي الحداثي.