عرفت الأيام والأسابيع الماضية مواجهة مفتوحة بين المغرب وفنزويلا في أروقة الأممالمتحدة. وإن كانت العلاقات بين البلدين ليست على ما يرام مند سنوات عديدة، وخصوصا مع تولي "هوغو تشافيز" سدة الحكم سنة 1999 ومن بعده وريث "التشافية" الرئيس الحالي "مادورو"؛ وذلك بسبب دعم فنزويلا "لجبهة البوليساريو" وتزعمها لتيار الدول اللاتينية المناوئة للوحدة الترابية للمغرب، إلا أن الجديد هذه المرة هو نهج المغرب سياسة هجومية من خلال تصريحات مندوب المغرب بالأممالمتحدة وبلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون بشان الوضع الانساني والأحداث الدموية التي تشهدها العاصمة "كاراكاس" بين قوات الحرس الوطني ومتظاهرين محسوبين على المعارضة. كذلك، فإن رد الحكومة الفنزويلية لم يتأخر طويلا؛ حيث نعتت المغرب بالمحتل للصحراء، وأضافت أن المغرب "مصنف من قبل برنامج الأممالمتحدة الانمائي كواحد من ضمن البلدان التي تحقق أدنى مستويات التنمية البشرية"، وهي نقطة وجب الوقوف عندها وعدم تركها تمر دون أن تستوقفنا كمواطنين مغاربة وتسائل مسؤولينا والحكومات السابقة والحالية التي تستعد للتصويت على برنامجها وتنصيبها من قبل البرلمان. فنزويلا أحسن ترتيبا من المغرب تمر فنزويلا بأزمة إنسانية وسياسية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة؛ فالبلاد على كف عفريت، وتأزم المفاوضات بين المعارضة والحكومة رغم الوساطات الدولية أصبح يتهدد البلاد بالجنوح إلى العنف أو أبعد من ذلك إن ظل الرئيس "مادورو" مدعوما بالجيش متشبثا بولايته إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية في 2019. فانهيار أسعار البترول فضحت "التشافية"؛ حيث وصل التضخم أرقاما خيالية، وأصبح شح وانقطاع المواد الغذائية والطبية شبه عادي، بل حتى التزود بالكهرباء في أكبر بلد مصدر للبترول في أمريكا اللاتينية أضحى يعرف خللا كبيرا. لكن رغم كل هذا، فما دفع حكومة "مادورو" إلى انتقاد ترتيب المغرب المتدني في مؤشر التنمية البشرية هو مرتبة "فنزويلا"؛ حيث تتموقع في الرتبة 71 بحسب التصنيف ذاته لسنة 2015. في المقابل، فحكومة بنكيران السابقة لم تغير بشكل كبير من ترتيب المغرب المتأخر؛ حيث بلغ سنة 2014 الرتبة 129، وهي رتبة جد متأخرة وأقل من المتوسط العالمي رغم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والعديد من المبادرات الأخرى والموارد المرصودة التي تستدعي وقفة تأمل لمعرفة أوجه الخلل دون التبخيس من قيمة ما أنجز وما هو في طور الانجاز. مؤشر التنمية البشرية في المغرب كما هو معلوم، فمؤشر التنمية البشرية يعتبر أداة لقياس تطور بلد معين، وهو عبارة عن مقياس تركيبي مستخلص من معطيات إحصائية تهم الناتج الاجمالي الداخلي الوطني والفردي ومتوسط العمر، مستوى التعليم والأمية والمستوى المعيشي للمواطنين. والحقيقة أن مؤشرات المغرب في التنمية البشرية، ورغم المجهودات المبذولة، تبقى دون مستوى العديد من الدول اللاتينية كالأرجنتين والشيلي والبرازيل وكوبا وغيرها؛ حيث إن مجهودات المغرب في المجال وجب قياسها بمجهودات الدول الأخرى في المجال. يكفي التذكير هنا بأن "كوبا" التي تم التوقيع على عودة العلاقات الدبلوماسية بينها وبين المغرب بعد قطيعة دامت زهاء أربعة عقود، تحتل المرتبة 67 في مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة؛ فقد نجحت، رغم حصار دولي غير مسبوق، في خلق تنمية بشرية متقدمة بفعل استثمارها في الرأسمال البشري والمنظومة التعليمية وخدمات القطاع الصحي التي أضحت مرجعا دوليا محترما في هذا الباب. يكفي أن نقول إن محاربة الأمية في دول أمريكا اللاتينية أصبحت متجاوزة في العديد من دولها؛ فدول مثل الأرجنتين والشيلي والاوروغواي تعرف نسب أمية أقل من 3 في المائة. حكومة العثماني وتحدي التنمية البشرية لقد نجح المغرب في بلورة نموذج اقتصادي في تصاعد، إلا أن ذلك لم ينعكس إيجابا على أغلب شرائح المجتمع المغربي؛ فمؤشرات الأمية لازالت تفوق 30 في المائة، ومؤشرات القطاع الصحي جد ضعيفة من حيث الأرقام والخدمات، وملايين المغاربة بدون حماية صحية، والتعليم عماد ومستقبل البلاد لازال في تدهور غير مسبوق رغم الإمكانيات المرصودة له، دون أن ننسى التفاوتات بين العالمين الحضري والقرى. لقد حان الوقت للاستثمار في التنمية البشرية، والتعلم من دول أمريكا اللاتينية في هذا الباب، خصوصا وأنها استطاعت النجاح فيه بإمكانياتها المحدودة، وهو ما يستطيع المغرب تحقيقه وتجاوزه إن توفرت الإرادة السياسية لذلك والحكامة الجيدة. والخلاصة أن تذكير فنزويلا للمملكة بتأخرها في مؤشر التنمية البشرية وجب أخذه من جانب الغيرة الوطنية وكتحدٍّ لتبيان أن نجاح المغرب في أوراش عديدة لن يصعب عليه لإحداث معجزة ونموذج للتنمية الاجتماعية والبشرية، خصوصا وأن المؤسسات الدولية أصبحت على قناعة بأن الوضع الاجتماعي للناس هو المعيار الحقيقي لتقييم مستوى التنمية في أي بلد ولا ينبغي الاكتفاء بمستوى نموه الاقتصادي؛ وذلك لأن معدلا عاليا من النمو الاقتصادي لا يعني أن ثماره تصل بالضرورة إلى الجميع، ولا أن آثاره تحسن لزاما رفاهية عيشهم.