كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أزمة دبلوماسية بين المملكة المغربية والمملكة الأردنية الهاشمية بسبب عدم حضور الملك محمد السادس لأشغال القمة العربية الأخيرة التي جرى عقدها بالبحر الميت؛ وهو الأمر الذي نفاه علي القايد، سفير المملكة الأردنية الهاشمية بالرباط، مفيدا بأن البلدين تربطهما علاقات ممتازة "لم يسبق أن كان لها مثيل"، مشددا على أن سبب مغادرته للمملكة راجع إلى انتهاء مدة خدمته على رأس السفارة الأردنية ولا يرتبط بأية "أزمات" على الإطلاق. الجميع يشهد على العلاقات التاريخية الجيدة بين المملكة المغربية والمملكة الأردنية الهاشمية، وأيضا حسن التعاون بينهما على كافة المستويات؛ إلا أنه كثر الحديث، في الآونة الأخيرة، عن بداية أزمة سياسية بين البلدين عقب تغيب الملك محمد السادس عن أشغال القمة العربية.. ما مدى صحة هذا الأمر؟ الأمر غير صحيح على الإطلاق، هذا كلام غير مقبول على الإطلاق، والعلاقة التي تجمع المملكة المغربية والمملكة الأردنية الهاشمية علاقة تاريخية وإستراتيجية، وعلاقة أبناء عمومة يشتركون دما واحدا.. هناك زيارات متبادلة ما بين الطرفين، وتنسيق متبادل بين أصحاب الجلالة، وأيضا بين حكومتي البلدين. أستغرب من الحديث الذي راج أخيرا والذي يعود أساسا إلى القمة العربية، إذ جرى استدعائي لأكون رئيس بعثة الشرف لصاحب الجلالة الملك محمد السادس خلالها؛ إلا أنه كانت هناك ظروف حالت دون حضوره للقمة، وهو الأمر الذي تزامن مع فترة نهاية خدمتي. لقد شغلت مهمة سفير بالمملكة، لمدة خمس سنوات؛ وهي المدة التي ينص عليها القانون الأردني، وأنا أتممت المدة كاملة بالمغرب. إذا، سيتم التغيير مستقبلا في السفارة الأردنية؟ لن يتم أيّ تغيير، العلاقات ممتازة ما بين البلدين والمسؤولين بوزارة الخارجية المغربية، والقصر الملكي على علم بهذا الأمر، وهم على دراية بأن العلاقات هي ممتازة، وسبق أن أعلمتهم بأنه هناك احتمالية نقلي خارج المملكة المغربية لإتمامي مدة خمس سنوات؛ إلا أن تزامن عودتي إلى عمان، لأكون مرافقا للملك محمد السادس خلال القمة العربية مع فترة انتهاء مدة عملي بالمغرب، أدى إلى توارد الأحاديث. الأردن هي بلد ثان لجلالة الملك المغربي يمكنه زيارتها متى شاء، والعلاقة بين البلدين لم تكن يوما أحسن مما هي عليه الآن. أدعو من هم على غير دراية بعمق العلاقات بين المملكتين إلى أن يقرؤوا التاريخ؛ فالعلاقات التي تجمع بين البلدين عميقة جدا، أرساها المغفور له جلالة الملك محمد الخامس والملك حسين بن طلال. إذا، العلاقات هي تاريخية ومستمرة إلى حد الساعة، وهي اليوم في أحسن حالاتها لا يعكر صفوها شيء. أنا أنهيت مدة خمس سنوات، وكنت أتمنى أن أظل بالمغرب لمدة أطول، نظرا للعلاقات القوية والمتينة التي تربطني بالمغاربة. كما أني، هنا في المغرب، أحس بأني في بلدي. إذا، نفهم، سعادة السفير، أن مدة خدمتكم بالمغرب انتهت؟ مدة خدمتي انتهت، الأمر يتعلق بقانون وزارة الخارجية الأردنية؛ فولاية السفير، وفق القانون المذكور، هي خمس سنوات. هل تمت تسمية سفير ثان غيرك بالمغرب؟ لا، لم تتم، إلى حد الساعة، تسمية سفير للأردن بالمغرب. أنا ما زلت موجودا بالسفارة الأردنية بالرباط. لقد عدت من أجل أن أجلس بعض الوقت وأودع بلدي الثاني، يمكن أن يسمى سفيرا غيري في أي وقت. الأمر يتعلق بشيء روتيني، وأنا لن أترك المغرب، وسأتردد على زيارته دائما؛ فهذه بلدي. المؤسف أن هناك أناسا لا يفهمون في العلاقات ما بين البلدين؛ إلا أنهم يعملون على التعليق عليها، وليست هناك أية دولة عربية تتمتع بمثل العلاقات التي تجمع الأردن والمغرب. من خلال إلقاء نظرة سريعة على إعلان الديوان الملكي الأردني القاضي بنقلكم إلى مركز وزارة الخارجية وشؤون المغتربين بالأردن اعتبارا من يوم الأحد الماضي، والذي تضمن تغييرات على رأس مجموعة من سفارات المملكة في عدة بلدان، يتبين أن جلها جرى تعيين سفراء جدد على رأسها من قبيل جنوب إفريقيا وماليزيا؛ إلا سفارة المغرب التي لم يتقرر، إلى حد الساعة، الاسم الذي المفترض أن يخلفكم. لماذا جرى ذلك؟ السبب هو أنني ما زلت موجودا هنا. وزارة الخارجية منحتني وقتا إضافيا لكي أودع جلالة الملك وأيضا الحكومة؛ فالعلاقات التي بيننا وبين المغرب ليست مثل باقي الدول. وللتوضيح، فإنه في الأردن أيّ قرار أو نقل أو غيرها يتم توشيحها بالإرادة الملكية السامية.. ومن ثم، فإن أيّ سفير ينقل يكون قرار نقله يصدره مجلس الوزراء، ويوشح بالتوقيع السامي. تفاعلا مع الموضوع أيضا، سبق أن كتب جميل النميري، البرلماني الأردني السابق، تدوينة على الفايسبوك مفادها أن العاهل الأردني قام بتغيير مدير مخابرات البلاد؛ لأن هذا الأخير كان قدّم له نصيحة بالتوجه إلى المغرب وتقديم دعوة رسمية إلى الملك محمد السادس لحضور القمة العربية، إلا أنها لم تأت بنتيجة.. جلالة الملك لا يحتاج نصيحة من أي أحد، لا من مدير مخابرات أو سفير ولا غيرهما؛ لأن العلاقة التي تربطه بالملك محمد السادس هي أكبر، إذ يتكلمان مرارا على الهاتف، وهناك تنسيق مباشر بينهما.. جلالته لا يحتاج لأي نصيحة، في هذا الإطار؛ فالمغرب بلده يأتي متى شاء. وقد سبق أن زار، خلال السنتين الماضيتين، المملكة المغربية ثلاث مرات. هو ليس في حاجة إلى إذن من أحد لزيارة المغرب. الأردن بلد ديمقراطي مثل المغرب، وأي أحد يمكنه كتابة ما شاء على أية وسيلة كانت. يبقى التأكد من صحة رأيه، وهل هو على دراية بمجريات الأمور. أدعو هؤلاء الناس إلى قراءة التاريخ، والتعرف على العلاقات المغربية الأردنية. ليس كل من أراد قول شيء يفصح عنه، ويوثر الناس ويوثر الجميع. أكرر العلاقات المغربية الأردنية جيدة جدا، ولم يسبق أن كانت أفضل مما هي عليه اليوم. هل صحيح أن العاهل الأردني لم يتلق أيّ اعتذار أو إخبار من الملك محمد السادس يفيد تغيبه عن القمة العربية؟ الاتصالات بين الملكين هي دائمة، فالأمر يتعلق بأبناء عم وأخوين يمكنهما التواصل بأي وقت.. والأردن ليست مثل أي دولة، فهي بالنسبة إلى المغرب دولة شقيقة تختلف عن أية منطقة بالعالم. العلاقة التي تربط العاهلين لا أستطيع أن أفصح عنها؛ فبينهما تنسيق إستراتيجي، وأيضا تنسيق بشأن مشاكل إفريقيا والشرق الأوسط والعالم بأسره. أعيد لأكرر أنني سافرت للأردن من أجل مرافقة الملك المغربي، ولو كنت أعلم أنه سيغيب لم أكن لأتوجه أنا إلى عمان. سافرت لأنني أكن احتراما وتقديرا للملك محمد السادس، الذي يكن له كل الشعب الأردني التقدير؛ وعلى رأسهم ملك البلاد، وأنا أعتبره من الملوك العظماء. ولو لم يكن الأمر كذلك لم أكن لأسافر، أضف إلى ذلك أنني سبق أن أعلمت وزارة الخارجية المغربية أن مهمتي كسفير ستنتهي خلال أبريل الجاري. هل هناك وعود بزيارة الملك محمد السادس للأردن قريبا؟ الأردن هي بلد الملك محمد السادس متى ما أراد سيتجه إليها، والأمر سيان بالنسبة إلى العاهل الأردني.. العلاقة بينهما هي أكبر من أي شيء ثان، وأقوى من أية تفسيرات. بعيدا عن الحديث عن ما تمت تسميته ب"الأزمة"، فلننتقل إلى الحديث عن المشاريع التي يمكن أن تجمع البلدين، خاصة بعد زيارة العاهل الأردني الأخيرة.. تم توقيع عدة اتفاقيات بين البلدين.. إن جلالة الملك عبد الله يهتم كثيرا بتطوير العلاقة بين الطرفين، ليس فقط على مستوى القيادة؛ بل أيضا على مستوى الشعبين. المملكتان هما حالة نادرة بالمنطقة، ولا بد أن يتم التعاون بينهما؛ فالبعد الجغرافي لن يؤثر على العلاقات إلا فيما يتعلق بالتجارة. اليوم، سيتم العمل على تمديد الخطوط الملكية الأردنية لتصل إلى المغرب، وأيضا إيصال الخطوط الملكية المغربية إلى الأردن. كما تم بحث إلغاء التأشيرات بين المملكتين لتسهيل السفر، خاصة بعد ما حدث في منطقة الشرق الأوسط؛ وهو ما يصعب زيارة مناطق أخرى لتبقى المملكتان هما الاختيارين الموجودين للسياح. جميع العوائق هي في طريقها إلى الزوال، كما تم إنشاء مجلس أعمال مغربي أردني لبداية إنشاء مشاريع كبرى مستقبلا. بات الجانب الأمني الشغل الشاغل لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الآونة الأخيرة، ونحن نعلم أن كلا من المغرب والأردن هما عضوين في التحالف الدولي ضد الإرهاب.. هل هناك تعاون ثنائي بينهما في هذا المجال؟ التنسيق بين المغرب والأردن كبير جدا ودائم، إضافة إلى تكثيف الاتصالات بينهما.. الأمر يتعلق بإخوان لا يمكن أن يستغنوا عن بعضهم البعض، فنحن نتحدث عن دوليتين قريبتين من بعضهما. ومن ثم، لا بد من التنسيق بينهما، نحن بلد واحد وشعب واحد، لنا ملوك نفتخر بهم. هل يمكن القول إن المغرب والأردن هما نموذجان بالمنطقة العربية؟ خلال فترة الربيع العربي، استطاع البلدان تجاوز هذه العاصفة التي مرت على العالم العربي، خاصة مع وجود بلدان كانت تتغنى بالديمقراطية وأخرى غنية أصبحت في حال والملكيات في حال ثان؛ وهو ما جعل عددا من البلدان تنادي برجوع الملكية. كيف ترى مستقبل البلدين؟ مزيد من التنسيق والمحبة والالتصاق مع بعضهما.. أتمنى أن يكون المغرب والأردن دائما نموذجين للعلاقات العربية- العربية.