حكومة بستة رؤوس، بستة برامج، بستة توجهات، ستكون ضعيفة كسابقاتها، بل أكثر ضعفا وأقل انسجاما. وعليه، فتقليد مائة يوم من أجل سبر التصور ونحت البرنامج المندمج وتقييم العمل سيكون ضربا من ضروب الخيال، ودربا من دروب التجني. المتحمسون للشكل الديمقراطي الهجين، كما هو الآن، يملؤون الآفاق بدفاعهم المستميت عن كون الحكومات تخضع للمحاسبة، ويزيدون بأن أقصى درجات تلك المحاسبة وأقساها تلكم التي يلوح بها الناخب يوم التصويت لحكومة أخرى، حيث يعمد إلى إنزال عقابه بالحزب الذي لم يحقق طموحاته. يستقيم هذا مع البناء الديمقراطي المتين، الذي نهض على استحقاقات ديمقراطية بحتة، في ممارسة سياسية تخضع لقوانين يختارها الفاعل السياسي وينتجها المشرع بعيدا عن منطق التعليمات الفوقية وسوط الإملاءات، عملية تحتكم لدستور يختاره الناس برضى، إيمانا منهم بأنه الأس الرصين الذي يؤسس لعلاقة الحاكم بالمحكوم، والركن الركين التي ينتصر لإرادة الناخب. يستقيم الأمر مع هذا كله، لا مع الدعاية والافتراء، التي تشيد صروحا جوفاء، بشعارات تخلب لب السامع فيما المنجَز هواء. إن من يشيد على أساس منيع، ويغرس شتلته بالحب وصدق الإرادة يطمئن لحتمية التملي بالنظر إلى الثمار ولو طال بها الأمد، فيكون الصبر في هذه الحالة مطلوبا ومنطقيا. أما من يستجدي بشتلات نخرتها سوسة الالتفاف والتنميق، فمهما غُذيت بماء الشعارات والتطبيل فإن ثمارها المرة لا تسعد ولا تنجد، ثم يُنخر الجذع وتيبس الفروع وتسّاقط الأوراق لينهدّ الهيكل كاشفا غابة الفساد، مؤذنا بسخط الجياع وحنق المُستغفَلين. فما لمثل هذا يُطلب الصبر، وما لأجل هذا يُنصح بالتروي وعدم استعجال الثمرات، وإلا فهو الأضحوكة بعينها. فكيف بالحالة الفريدة التي استقرت عليها التشكيلة الحكومية الحالية -على الأقل في صورتها الأولى بعد المخاض المفتعل- أن تخضع للمحاسبة وقد تفرقَ دمها بين الأحزاب. ثم لا يستنكف المصفقون للتجربة العرجاء أن يقولوا بأن ديمقراطيتنا ديمقراطية ناشئة وخطوة أولى في الرحلة، هي ليست على مقاس السويد ولكن طبعا هي أفضل من "سوريا". بأصوات هؤلاء تنهض بناءات منتفخة كأحلى ما يشتهي الناظر، لكن على أساسات هشة لم يسعفها الوقت ولا النقد ولا التقييم الموضوعي، لتنقض بعده لأبسط رجة وأيسر اختبار في أرض التحقق، حيث الأرقام الصارخة والتقارير الدولية المحايدة لا تحابي أحدا، ولا تخضع للابتزاز والمساومة. ولم يعد سرا القول بأن الحكومات لا تعدو أن تكون من أدوات الإلهاء وأكباش الفداء التي يُجزُّ صوفها وترمى عظامها فيما تبقى روحها وفية للنمط المعهود، فلا جرم أن يُنظر إلى التشكيلات الحكومية بعين الريبة في الأوساط المؤمنة بالديمقراطية الخِداج. في حين ترسم ملامح الامتعاض في الأوساط المقتنعة بعوج المسار وخطل الاختيار، لدغل في الأساس وانتفاء الإرادة واستجلاب النماذج العرجاء عوض التشوف إلى ذوي التجربة والمراس. تنتهي ولاية هذه الحكومة وتبدأ تلك، وكلما تشكلت حكومة لعنت سابقتها، فيما تظل دورة الفساد مستمرة بقنوات متغيرة، وجلابيب متجددة وقَسم باطني صادق بأغلظ الأيمان على حلب البقرة. مقابل قَسم مبتذل أجوف على حفظ الأمانة وخدمة الإنسان. تلكم هي دورة الفساد والبهتان.