قال عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، إن "الهوية والانتماء لم يكونا أبدا حاجزا معيقا للاندماج"، مضيفا أنهما كانا "حافزا بالنسبة للجيل الأول من المهاجرين المغاربة". حديث بوصوف جاء خلال كلمة له في افتتاح معرض فني وتقديم كتاب "تاريخ المغاربة بهولندا" وعرض الفيلم الوثائقي "أنعاق"، اليوم الثلاثاء بالمكتبة الوطنية بالرباط؛ إذ شدد على كون "الجيل الحالي من المهاجرين يعيش على وقع تشنجات تولد التطرف والارهاب"، معتبرا أنه "يعيش مشاكل هوياتية". وتساءل الأمين العام لمجلس الجالية عن الأسباب التي تجعل من له ثقافة أصلية يتعايش ويندمج دون مشاكل، وقال: "الجيل الأول لم تطأ أقدامهم أبدا مخافر الشرطة، ولم يقفوا يوما أمام القضاء، ولم يسيئوا يوما إلى بلد الاستقبال وثوابته". واعتبر بوصوف أن المجتمع الهولندي بعث رسائل قوية خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة التي عرفتها الأراضي المنخفضة، وزاد: "لقد قالوا إن اليمين المتطرف لا مكان له في هولندا، وعبّروا عن تشبثهم بالديمقراطية والتنوع والتعدد". وأضاف الأمين العام ل"CCME": "بدورنا نقابل ذلك بالمساهمة في دعم ركائز السلم والاستقرار والتعايش في المجتمع الهولندي، ولا بد لكل طرف أن يقوم بما يجب القيام به من جانبه". ودعا بوصوف إلى العمل على تطوير الثقافة الأصلية لتكون عالمية وقادرة على التفاعل الايجابي مع الثقافات الأخرى، مشددا على "ضرورة العمل للالتقاء على المشترك الانساني الذي ليس لنا بديل عنه للتعايش؛ لأن الصراع سيؤدي إلى فناء المجتمع". وختم بوصوف كلمته بالتأكيد على أن كتاب "تاريخ المغاربة بهولندا. حضور وذاكرة" وفيلم "أنعاق" يدخلان في إطار عمل المجلس الذي يروم الحفاظ على ذاكرة الهجرة، معتبرا أنهما تكريم للجيل الأول من المهاجرين. تاريخ المغاربة بهولندا كتاب "تاريخ المغاربة بهولندا. حضور وذاكرة" الذي ألفه عبد اللطيف المعروفي، المكلف بمهمة بمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، يؤرخ، وفق كاتبه، للحضور المغربي في هولندا الذي بعود إلى القرن 16 وبداية القرن 17، ويتناول المراحل التاريخية الرئيسية لهذه الهجرة، ويقدم قصصا إنسانية وأرشيفات وصور حصرية ونصوصا حية توثق لمسلسل استقرار وتجذر المغاربة في هولندا. ويتضمن الكتاب 249 صورة، ويتناول 13 موضوعا موزعة على أربعة محاور؛ حيث تم التركيز بداية على مرحلة ربط العلاقات بين البلدين ومرحلة الهجرة، ومرحلة الاستقرار ومرحلة المواطنة المزدوجة، مع تقديم بورتريهات لمغاربة تشخص كل مرحلة. واعتبر المعروفي، في كلمته التقديمية للكتاب والمعرض، المنظم بالفضاء ذاته، أن الهجرة من بين الأفعال المؤسسة للمجتمع، مشددا على أن تاريخ المغرب هو تاريخ هجرات، "لكن لم تلاق الاهتمام الكافي"، وزاد: "للمهاجرين دور كبير في التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي". "أنعاق" خلال التظاهرة نفسها التي حضرها إلى جانب الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج كل من سفيرة المملكة الهولندية المعتمدة لدى المملكة المغربية، ووزير التشغيل والشؤون الاجتماعية، عبد السلام الصديقي، تم عرض الفيلم الوثائقي "أنعاق"، الذي كتب له السيناريو وأخرجه محمد بوزية وقاسم أشهبون، وأشرفت عليه مؤسسة حوار بدعم من "CCME" والوزارة المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج وشؤون الهجرة ومؤسسة الحسن الثاني لمغاربة الخارج. الشريط الوثائقي يهدف، وفق القائمين عليه، إلى تسجيل ذاكرة الجيل الأول من المهاجرين حفاظا عليها من الضياع وإغناء لمجال البحث الأكاديمي المتعلق بالهجرة، وإلى إبراز دورها في المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب. وشدد قاسم أشهبون، في كلمته التقديمية للوثائقي، على كون الهجرة لم تبدأ، كما هو شائع، في ستينيات القرن الماضي، وإنما قبل ذلك "حين لجأ العديد من المغاربة بالريف وسوس إلى الهجرة نحو الجزائر التي كانت في حاجة ماسة إلى يد عاملة في مجال الفلاحة؛ حيث قطعوا آلاف الكيلومترات واستقروا في بجابة ووهران وبلعباس". واعتبر مخرج "أنعاق" أن الهجرة ازدادت كثافة في الأربعينيات مع موجة الجفاف الشديدة التي ضربت الريف؛ حيث توجهت العائلات حينها نحو الجزائر، قبل أن تتوقف مع استقلال الجزائر واندلاع حرب الرمال، وبسبب الخلاف الحدودي في منطقة فكيك. وختم المتحدث كلمته بالتأكيد على أن الشريط جاء ليجلي جانبا من تجربة الهجرة التي تعتبر إحدى أهم المحطات في تاريخ المغرب المعاصر، واعترافا بالجميل وردا للاعتبار للرواد الأوائل من المهاجرين الذين ضحوا بشبابهم وصحتهم من أجل إعالة أسرهم والمساهمة في تنمية المناطق التي ينحدرون منها وفي تقدم المغرب وازدهاره. إغناء الثقافة سفيرة المملكة الهولندية المعتمدة لدى الرباط اعتبرت، في كلمتها المقتضبة، أن الهجرة المغربية إلى الأراضي المنخفضة، الممتدة لسنوات، ساهمت في إغناء الثقافة الهولندية، مشددة على كون بلادها كانت دائما مهتمة بإدماج المغاربة في المجتمع. وذكرت الدبلوماسية الهولندية تألق كل من خديجة أعريب، رئيسة البرلمان الهولندي، وأحمد بوطالب، عمدة روتردام، سياسيا، وتوهج نجم الهولندي من أصل مغربي حكيم زياش، رياضيا، مع فريق أجاكس أمستردام. ولم تفوت السفيرة الفرصة دون التأكيد على متانة العلاقات بين البلدين وعلى غناها، لتختم مداخلتها بالتأكيد على أن "الهولنديين غيروا سندويشات الجبنة بالكسكس المغربي"، في إشارة إلى التعايش بين الثقافتين.