(1) "" النقد هو جزء من حرية التفكير والكلام والكتابة والتصوير ... هو منهج من مناهج الديمقراطية المطلقة . لكن يجب أن يكون ضوءا وهاجا ينير طريق الفرد أو الجماعة لتصحيح الخلل حتى يكون آلة من آليات التقدم والازدهار، وإذا زاغ عن سكته أصبح فيروسا فتاكا يدمر كل الآمال والطموح ... وهذا هو المرض المزمن الذي ينخر العقلية العربية . (2) إلى الأستاذ العربي : المغرب جزء من الوطن العربي : تربة وإنسانا وعقلية ودينا ولغة وحتى مناخا وإن اختلفت اللهجات ، - نظامه السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي لا يختلف في شيء عن نظيره في باقي " الدولة " العربية ، - التركيبات الطبقية هي واحدة من المحيط إلى الخليج وإن اختلفت كما ونوعا ، - تناقض القمة والقاعدة وما بينهما سيمة المجتمع العربي، - الفقر الفكري والمادي هو واقع الشعب العربي وإن تظاهر البعض بالغنى المزيف ، - الأنانية وحب المال والجاه والسلطان من مميزات النفس العربية مهما حاولنا دس رؤوسنا في الرمال ، - العيش بين أطلال الماضي والنباح بفقرات التاريخ والتهريج والتزمير " بعظمة " الحاضر والمستقبل هو فن عربي أصيل ، - النفاق والكذب والتحايل والضحك على الذقون ثقافتنا من البحر إلى البحر ، - الخيال والنوم في العسل تحت الشمس والقمر لذتنا من الزبال إلى الزعيم . (3) طبعا ستثور ثائرة " الوطنيين " و" القوميين " كعادتنا مع كل حقيقة مرة وسيطفح الإلهام العربي فنحن عرب ، متربعين على العروش كنا أم مشردين بين صناديق القمامة ، نحب الانتفاخ والاسترخاء بين سطور قصص الخيال والنوم على أبيات قصائد المدح والجنس ونأبى أن نستيقض على واقع أقوى من العلقم نغرق فيه منذ معاوية وإلى أن يقوم سيف عمر ، ونرفض النظر إلى مرآة وجوهنا البائسة. أليست هموم الشعب المغربي هي نفسها في الجزائر وتونس وسوريا وموريطانيا والسعودية ومصر و...؟ إنه شعب واحد في اثنتين وعشرين دويلة ، أليس كذلك يا عربي ؟ أليست هذه هي حقيقتنا أيها الثائر تحت الكثبان الرملية وعلى الشاشات الببغائية ؟ أتنكر هيكلك أيها الهارب من ظلك ..؟ فدمك عربي وإن غسلت دماغك ودخلت البيت الأبيض أو الأسود أو اللورداط ، الشعارات والتهريج .. الأبهة والفخفخة والأبراج العاجية كلها عنوان واحد للنفاق والكذب والتحايل العربي لا يشبع البطون ولا يحرر الثغور ولا يرفع الهامات .. فما الفرق بين الكتابات الدائرية والأفقية إذا ؟ مشكلتنا ، يا عربي ، هي رفضنا المطلق لسماع ومشاهدة ما يعكر صفو ملذات أحلامنا وهي عقدتنا منذ أن وجدنا . (4) - كيف أتطفل على اختصاصات عمالقة النقد العربي بربع قلم التقطته من زقاق لا منفذ له ، وأتطاول على حدود تحرق كل ما هو عربي وأخترق فضاء امبراطورية أمراء الوعض والإرشاد والرأي السديد يتلقفون بلهفة أوامر أعدائها ويزلزلون الأرض تحت أقدام بعضهم البعض ؟ وطني قد يتقبل وقاحتي حتى وإن عاقبني فكيف يقبل بها المصابون بالحساسية المقلوبة ؟ هل أكتب عن تشرذم الشعب العربي إلى دويلات وما زال منظروها ومهندسوها يرسمون مزيدا من الخرائط وتسلم مغربيتي من لسانهم ؟ هل أكتب عن النفس العربية الأمارة بالفساد التي باعت بشهوات الرذيلة الأندلس وسبتة ومليلية وفلسطين ولبنان والعراق والباقي على قارعة الطريق ؟ هل أكتب عن العداء العربي العربي المعلن والغير المعلن والحرب الباردة الطاحنة بين الدويلات العربية بسلاح الكراهية والضغينة والنفاق ؟ هل أكتب عن الفقر المفقع في السودان ومصر واليمن والجزائر والمغرب و ... والأموال العربية التي ملأت خزائن أرويا وأمريكا حتى الإنتفاخ ؟ هل أكتب عن البذخ العربي الزائف والتباهي بالفضائيات العقيمة والأمواج الراقصة حول ناطحات الغيوم ، وتكديس الأسلحة ليرضى عنا الغرب والشرق حتى وإن غضب علينا شعبنا ... والشذوذ العربي ، والجوع العربي ، والموت البطيء العربي ؟ هل أكتب عن الخيانة المتفشية في الجيوش العربة التي هزمت شعبها في كل المواقع ومرغته في الوحل تحت أقدام إسرائيل وأمريكا والزعماء العرب وإعلامهم اللقيط يتشدقون ويتباهون بزيف الإنتصار دون استحياء ؟ أليس هذا هو واقع حالنا ؟ فمن يقبل به دون أن يجلدني مائة جلدة ؟ (5) لست بطلا ولا وطنيا أكثر من غيري في الشعب العربي ، لست مفكرا ولا سياسيا ولا ثائرا ولا مرشدا ، لست لا هذا ولا ذاك .. إني فقط حامل أثقال نحيل الجسم قصير اليد ضعيف الصفة ، أعيش وسأموت وفي قلبي شيء من هموم زينب وهموم شعبي ووطني ... ومعذرة لكل العرب فلن أعود إلا للتفاصيل. - محمد المودني . فاس . ( أكتوبر 2007)