تتوالى الأحداث وتتسارع في المشهد السياسي الفرنسي، على بُعد ثلاثة أسابيع ونيف من الانتخابات الرئاسية. وتفيد استطلاعات الرأي اليومية، تقريبا، بتقدم زعيمة الجبهة الوطنية متبوعة بالمرشح عن حركة Macron En marche ثم مرشح اليمين فيون المتأثرة حملته بالفضائح المتلاحقة بسبب وظائف وهمية لزوجته؛ فيما يبقى اليسار في ذيل اللائحة ممثلا بالفائز في تمهيديات الحزب بنسبة 10 في المائة فقط. وإذا صحت هذه التنبؤات، فإن الحزب الاشتراكي لن يكون حاضرا في الدور الثاني، وسيحصل على أسوأ له منذ رئاسيات 1969 قبل أن يتولى الرئيس فرانسوا ميتران أمر إعادة هيكلته وضخ دماء جديدة فيه. الحزب الاشتراكي الفرنسي، في شخص مرشحه Benoit Hamon، لم يحظ بالمساندة والدعم المنتظرين من قبل الأنصار التقليديين الذين انفضوا من حوله ونقضوا وعودهم القاضية بدعم الفائز الذي أطاح بالوزير الأول السابق Valls . هذا الأخير، وبعد تجرع مرارة الهزيمة في التمهيديات، خرج يوم 29 مارس بتصريح يفيد بنيته التصويت لماكرون في الدور الأول. أنصار هامون تلقوا الصدمة، معتبرين أنها خيانة وضربة موجعة لأخلاقيات السياسة. وقبل فالس، انسحب وزراء وبرلمانيون ومسؤولون بالجملة والتحقوا بحركة En marche . ولقد برر فالس هذا "الانقلاب" بوجوب قطع الطريق أمام مرشحة اليمين Marine lepen من أجل الوصول إلى قصر الإليزيه في ماي المقبل. ويعتقد الملاحظون أن نسبة الالتحاق بحركة ماكرون مرشحة للارتفاع، إلا أن هذا الأخير لم يعقد صفقة ما مع الوزير الأول السابق عكس ما فعله مع زعيم الوسط François Bayrou وعقد ندوة صحافية يوم 28/3/2017 "يقطر فيها الشمع" على الوافد الجديد، موضحا أن لا مكان للوجوه القديمة في حركته في حكومة مقلصة ومشكلة من الكفاءات ومن المجتمع المدني. ويبدو، من خلال هذه المؤشرات، أن حظوظ الحزب الاشتراكي تتضاءل ولن تسعفه أية مفاجأة للوجود في الدور الثاني. ويبدو أن فالس، وبعد هزيمته المدوية، ندم على بقائه بالحكومة (4 سنوات ونصف السنة)، إذ كان "يحلم" بلعب الدور الذي أخذه منه ماكرون بدهاء؛ لكن عوامل أخرى لا تقل شأنا ستفقد الحزب الاشتراكي بريقه، وأهمها الحصيلة السلبية جدا لولاية فرانسوا هولاند التي لم تقلص من نسبة البطالة ولم تمح سبورة المديونية ومررت إصلاحات باللجوء إلى الفصل 43.1 (قانون الوزيرة الخمري) إضافة إلى قانون نزع الجنسية عن المتورطين في قضايا إرهابية. ولقد كلف الإرهاب هولاند وحكومة فالس فاتورة ثقيلة أفقدتهما الشعبية المطلوبة للدفاع عن حصيلة الخمس سنوات الماضية. ولاية تنتهي على وقع احتجاجات غير مسبوقة في كايين وغويان. وتطرح، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، على الكاتب العام للحزب Cambadélis، مسؤولية إنعاش الحزب وإخراجه من موت سريري؛ لكن يجب انتظار ما ستؤول إليه النتائج (نتائج الرئاسيات والتشريعية) وتهدأ الزوابع، وسيحتاج الأمر شخصية كاريزماتية تنعدم عنده (ينعت بليونة العريكة) وتنعدم عند هامون (اختار بسار اليسار) بالرغم من ثقة حوالي مليون ناخب في التمهيديات، كما تنعدم لدى الفلول المتبقية والمناصرة "للشرعية". المؤكد هو أن المشهد السياسي لما بعد 7 ماي سيكرس الأزمة السياسية العميقة التي تعيشها فرنسا، وسيكون مختلفا عما سبق. سيكون اليمين في أسوأ حالاته، وسيتعين عليه جمع أشلائه وإحصاء خسائره بعدما كان قريبا من كسب معركة التناوب في شخص فيون الذي أغرق سفينته بتمسكه الأعمى بترشيحه، بالرغم من الفضائح المتلاحقة وانسحاب كوادره المصدومين أيضا بهزائمهم (ساركوزي وجوبي). وسيعود اليسار من جديد إلى اللازمة المعروفة بكيل التهم والتهم المضادة، لأن الوحدة لم تتحقق: j.lMélenchon القوي ب14 في المائة يعول على انتفاضة ما للناخبين المترددين، ويرى أن هامون هو الأجدر بالالتحاق به؛ لأنه يعتقد أنه قضى 5 سنوات في انتقاد الحزب الاشتراكي، ولا يصح أن يهب لإنقاذه اليوم أو التنسيق مع هامون. على يسار اليسار هناك مرشحان اثنان لا حظوظ لهما ولا وزن انتخابي لهما (1 في المائة). الجبهة الوطنية تزحف وتسجل حضورا إعلاميا غير مسبوق (نجحت في إفساد خطة الشيطنة) متفائلة بنتائج الانتخابات المحلية كما باستطلاعات الرأي. لم تستجب زعيمتها للقضاء بسبب تورطها في فضائح مالية، متخفية وراء حصانتها البرلمانية وتطمح في أكثر من الحضور في الدور الثاني. في ظل تنامي الشعيوية وتراجع قوة الاتحاد الأوروبي وصعود ترامب في أمريكا وترقب بوتين لما يجري، فإن الحزب الاشتراكي ما عليه سوى انتظار معجزة والفرنسيون لا يعتقدون بذلك... وفوق كل هذا وذاك، فإن انتخابات 2017 توصف بالمجنونة وبالإمكان أن تفرز مفاجآت بالنظر إلى شبح المقاطعة الذي يخيم ويذكر الفرنسيين بما حدث في العام 2002 حين انهزم جوسبان ووجد جان ماري لوبين نفسه في النهائي إلى جانب جاك شيراك. إعادة ترتيب المشهد السياسي تحتاج إلى أكثر من صدمة، أكثر من رجة.. وهذا يقع، اليوم، في فرنسا.