تعبر الشعارات التي يرفعها المتظاهرون عن مستوى الوعي الذي تتحلى به الشريحة المحتجة وعن الخلفيات الثقافية والإديلوجية والإجتماعية التي ينحدرون منها، بل إنك تستطيع من خلال الشعار تحديد المجال الإحتجاجي ومنحنى السقف المطلبي الذي يصبو إليه الحراك. المتتبع للشعارات التي تداولها الحراك الوطني سيجد أنها لم تنفك عن عن مسار الحركة الإحتجاجية التي عرفتها المنطقة ابتداءا من تونس مصر الجزائر ليبيا اليمن البحرين و... وذلك راجع للقاسم المشترك الذي يطال ساكنة المنطقة ولطبيعة الأنطمة التي تمارس سلطة الإشراف فيها، والتي وإن اختلفت وعاءا إلا أن المحتوى وآليات التسيير تتشابه إلى أقصى الحدود، فلا غرابة إذا من أن يصرخ التونسيون بدءا "خبز حريّة كرامة وطنيّة"، ليتطور الشعار ويأخذ بعدا آخر "الشعب يريد إسقاط النظام" ليتوج الحراك صموده بشعار"إرحل" والمعادلة متعدية ما دام المشترك قائما. في هذا الإطار لا يمكن أن نستثني المغرب من هذا التواصل النضالي، وخاصة وأن الشعارات التي رفعت في بدايات الإحتجاجات كانت محتشمة، حتى زعم بعضهم أنها ردة صدى لما يحدث في المنطقة لا غير. لكن سرعان ما وجدناها قد راكمت شجاعة غير مسبوقة لتنتقل من فضاء التعميم إلى وضوح المطلب لتطال سدة الجكم مباشرة، وما الأهازيج الشعبية التي تغنى بها المواطنون في مظاهراتهم من قبيل "لا مقدس إلا..." و "قلان ... باطل" و"هاهو جاي هاهو جاي ..." لخير دليل على أن البيان التصاعدي للحراك هو نفسه. السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا هذا التشابه المثير للدهشة حتي لكأنك تستطيع أن تتنبأ بالنتائج. الجواب بسيط جدا ويتمثل في طريقة تعاطي الأنظمة مع هذه الإحتجاجات ... آلة القمع العربية والتي لا تحسن الحوار والتي أصبحت تدرك أنها أنطمة غير شرعية لا تجد سبيلا لإدارة المشهد الإحتجاجي سوى بتحريك آليات القمع والإعتقال والقتل، لترهب حشود المحتجين وتعيدهم إلى أوكارهم ... لكن هيهات حينما ينفرط العقد وتدرك الشعوب ألا خيار لديها سوى الصمود وأنه ليس لديها ما تخسره أكثر مما امتهنت فيه من حرية وكرامة، وأن النصر صبر ساعة، ومثال سوريا وليبيا حي شاهد!!! النظام المغربي كاد يكون استثناءا ويحدث المفاجئة بعد الخطاب الملكي لو أن سلطات الإشراف كانت أكثر جرأة، وتفاعلت بالحجم المطلوب مع الأزمة، لكن ما لاحظناه هو محاولة لامتصاص غضب الشارع وتمديد الإحتجاجات لأشواط إضافية أخرى، ولا أظنها قدرت العواقب جيدا. فالإصلاح الدستوري المقترح، والإستفتاء حوله، والنتائج الإفريقية بامتياز ... كل هذا يدفعنا للتساؤل عن جدية الإرادة التي تدير الأزمة ... أهي واعية بدقة الظرف الذي تمر به البلاد أم أنها لعبة شد الحبل ... أم ماذا؟ 98% أربكت كل التكهنات، لأن حسن الظن بالعهد الجديد لم تبرح ظلاله مساحات النقاش السياسي عند النخب التي تدرك جيدا أنها نتيجة لا يمكن بحال من الأحوال أن تحصل عليها حتى في أكثر البلدان استقرارا وازدهارا، فما بالك في بلد يقبع على فوهة بركان ... إنه الضحك على الأذقان والإستهجان بحالة الإحتقان الإجتماعي والسياسي والإقتصادي للبلد وما تسخير أحزاب الكرتون التي وظفت إعلامها النشاز لتُشَرعِنَ لهذه المهزلة السخيفة إلا دليل على الإفلاس، بالإضافة إلى محاولة صناعة النصر والتقليل من شأن الإحتجاجات: بزج المغفلين ونتاج السياسات الفاسدة "الشماكريا" وأصحاب السوابق إلى الشوارع وتحريضهم على الإعتداء على المناضلات والمناضلين الشرفاء ومحاصرة مقراتهم واتهامهم بالخيانة وما إلى ذلك من معجم المصطلحات الذي أقرزته آلية المخزن الصدئة. ياترى ... أكان من أولويات حلحلة الأزمة صياغة دستور جديد، هل كان المغاربة في حاجة لإحداث قنوات جديدة لهدر المال العام، أم كان المغاربة في حاجة إلى قرارات جادة وجريئة تقضي بمحاسبة فورية لكل المفسدين وبارونات السياسة وتفكيك لوبيات الفساد والتعاطي بجدية مع ملف الإعتقال السياسي وحرية التعبير وتحرير القضاء ليقوم بدوره بعيدا عن الإملاءات و الهواتف، بالإضافة إلى فتح حوار اجتماعي جاد بعيدا عن سلوك البلطجة والطبالة المأجورين ... مرحلة جديدة من الشعارات سوف تدخل حيز التنفيذ هذه المرة أكثر صلابة ووضوحا ف"الشعب الآن، يريد إسقاظ الدستور أيضا" لأن مشكلاتنا لا تحلها وصفاة دستورية مستعجلة، وخاصة وأن الورم قد استفحل ... ولتعلم الإدارة السياسية في المغرب أنه "لا ذنب للكتاب إذا لم يأخذه يحيى بقوة"، وأن منحنى الشعارات لم ينحرف بعد ولم يتراجع عن مثالي تونس ومصر، وأن الأمر رهين بوقفة جدية مع الذات لاستئصال الخبث من جذوره، وتوبة سياسية وقرار جريء تتحدد فيه معالم العهد الجديد، وتكاثف كل القوى الجادة بعيدا عن النعرات البالية واللغة المتخشبة من أجل الخروج من هذا المستنقع البئيس، وليعلم الجميع أنه لا حصن للشرفاء في هذا الوطن إلا الجماهير الصادقة التي قررت العيش بكرامة.