دقت عدد من مراكز التفكير الأمريكية المؤثرة ناقوس الخطر محذرة من "الهشاشة المؤسساتية" التي يغرق فيها النظام الجزائري، بسبب "الغموض الذي يلف خلافة رئيس الجمهورية" وحرب المواقع بين "مختلف أقطاب السلطة" بالجزائر. ولاحظت مراكز التفكير هاته أن الشعب الجزائري يعيش على وقع تسريبات يومية حول ما تعتبره صحافة البلد ب"عدم تماسك" العمل الحكومي، في سياق يشهد تزايد "التوترات بين مختلف مراكز السلطة". وبعد أن تيقنوا من إفلاس عقيدة النظام الجزائري، يعاين الجزائريون تصلب مواقف حكامهم، غير القادرين على التخلص من تفكيرهم العقيم والبائد القائم على مبادئ الحرب الباردة، وهو موقف ألحق الضرر بصورة الجزائر على المستوى الدولي، وترجم على أرض الواقع بتراجعها الكبير في محيطها القريب وعلى الساحة الإفريقية. وهي الملاحظة التي توصل إليها الوزير الأول الجزائري، عبد المالك سلال، الذي عبر عن إحباطه من هزالة المبادلات الثنائية للجزائر مع البلدان الإفريقية، في وقت يواصل فيه المغرب امتداده المتعدد الأشكال بالقارة دون أي تمييز جغرافي يذكر. وفي تحليل دقيق للظرفية الاقتصادية بالجزائر، لاحظت "هيريتيج فوندايشن" أن "هشاشة المؤسسات بالجزائر تواصل زرع الألغام أمام آفاق التنمية الاقتصادية على المدى البعيد، خاصة بسبب عدم اليقين السياسي والموقف السلبي إزاء الاستثمارات الخارجية، بالإضافة إلى العوامل التي تعيق الاندماج الكامل في الاقتصاد العالمي". وفي هذا السياق، أبرزت مجموعة التفكير الأمريكية، في مؤشرها حول "الحرية الاقتصادية" برسم سنة 2017، أن "السياسات الرامية إلى تشجيع ودعم الإصلاحات بالجزائر تم إهمالها أو عكسها بالكامل"، مضيفة أن الحكومة الجزائرية "لم تحقق سوى تقدما طفيفا في مجال تحسين الحكامة الضريبية، في حين أن الإصلاحات الهيكلية لتنويع أسس الاقتصاد أسفرت عن نتائج هزيلة". وفي هذه الدراسة، سلطت "هيريتج فوندايشن" الضوء على غياب نتائج مقنعة في مجال الإصلاحات الهيكلية وكفاءة التشريعات الرامية إلى انفتاح السوق الجزائرية وتطوير القطاع الخاص. أي أن الأمر يتعلق بما يشبه استقالة للنظام الجزائري في مواجهة التحديات المرتبطة بالتطلعات المشروعة للشعب الجزائري نحو التقدم والازدهار. وعودة إلى الأخطاء التاريخية وغياب رؤية استراتيجية على المدى البعيد، أشارت الدراسة إلى أن النموذج الاشتراكي الذي تم تبنيه غداة الاستقلال سنة 1962 كانت من نتائجه عرقلة التنمية المستدامة بالجزائر بسبب هيمنة الدولة، مضيفة أنه بالرغم من عائدات النفط، تعاني الجزائر بشكل مزمن من الارتفاع المستمر لمعدل البطالة والخصاص الصارخ في السكن. من جهتها، اعتبرت مجموعة التفكير الأمريكية "كارنيغي إندومنت فور إنترناشونال بيس"، أن التراجع المزمن لأسعار النفط والغموض والشكوك حول خلافة الرئيس بالجزائر تغرقان "أركان السلطة" في الفوضى، والتي تخشى من أن أي رفع للضرائب أو خفض في نفقات الدولة قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي والنفور من النخبة. وكتب ريكاردو فابياني، الخبير في شؤون شمال إفريقيا ضمن "أوراسيا غروب"، أنه "على خلفية صعوبات الخلافة الرئاسية، تخشى أقطاب السلطة من أن أي رفع للضرائب أو خفض لنفقات الدولة قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي وتشقق النخبة الحاكمة". وفي مواجهة شبح الاحتجاجات والاضطرابات، لاحظ فابياني أن السلطات الجزائرية فضلت في البداية مقاربتين اثنين، تتمثل الأولى في الخطاب البيداغوجي في وسائل الإعلام بهدف تحضير المواطنين لإجراءات تقشفية لا مفر منها، وإن كانت غير محددة المعالم، مضيفا أن المقاربة الثانية تكمن في الاقتراض من الداخل، لكن من خارج النظام البنكي، بهدف الاستفادة من الودائع المدخرة بشكل غير رسمي. وأوضح أنه أمام فشل الخيار الأول الذي لم يكن له تأثير على السكان الذين ينتقدون السياسيين وفسادهم وعدم فعاليتهم، أصبح الخيار الثاني المفتاح من أجل فهم كيف يحاول النظام تجنب أي هيكلة ضريبية على المدى القريب. وسجل فابياني، في هذا السياق، أن استراتيجية تنويع وتأهيل الاقتصاد الجزائري تواصل تجاهل سلسلة من المشاكل التي قوضت جهود التنمية بالجزائر على مدى عدة عقود، معتبرا أنه بعيدا عن التركيز على المشاريع المشتركة واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، ليس هناك أي مخطط دعم للمقاولات المتوسطة التي تعاني من "ميز متواصل من طرف الزبائن الرأسماليين القريبين من السلطة". وخلص إلى أن "عدم اليقين الذي يحيط بالانتقال السياسي بالجزائر يدل على أنه ليست هناك أية ضمانة، عدا الإطار التنظيمي، ستبقى فعالة، علما أن الجزائر عرفت في الماضي تحولات لم يتنبأ بها أحد".