فاس مدينة العلم والعلماء ، فاس مدينة الحب والتآخي ، فاس مدينة الأناقة والجمال والفن الأصيل، فاس مدينة الأمن والآمان، فاس مدينة الغنى والبرجوازية، فاس مدينة الماء والخضرة والوجه الحسن ...فاس والكل في فاس : هذا ما كنت أسمعه ، منذ أن أسقطني المخاض،على دبدبات قصيدة "الدمليج" وصراخ الخطباء حين كان سمعي لا يتعدى حدود قريتي عالمي الكبير كما كنت أسمع حنا جير الشيخات يرددن بكبرياء "قولوا العام زين .. " عندما كان سمعي لا يتعدى أمواج ديكتاتورية إعلامنا المنافق عالمي الأوحد . فاس مدينة الأمية والأميين والحائطيين ، فاس مدينة الفقر والبؤس والتسول ، فاس مدينة التشرد واللصوصية والجريمة ، فاس مدينة الأوساخ والازبال والأمراض، فاس مدينة الجوع والضمئ والفيافي والوجوه البائسة.. ،فاس... والويل في فاس : هذا ما أصبحت أسمعه وأشاهده حين تحرر سمعي من إعلام لقيط وبصري من ظلام متجبر . فإذا كان خطباء الجمعة يفسرون " الويل" بنهر من الحمم النارية في جهنم يرتوي منه أنصار الشيطان، فهذه فاس " ويل" يسقي كل المواطنين ألأبرياء في وطن كله "ويل" يتجرع حممه كل البؤساء ، وما على كل فظ غليظ إلا أن يتجول بين جنباتها ووسط زحامها متجردا من عقليته المتحجرة : فلا تعليم ولا علم ،لا طب ولا تطبيب ،لا شغل ولا مشغلين ،لا حب ولا تكافل ،لا نقل ولا طرق . كل المواطنين محاصرين بالخنادق والحفر التي لا تنتهي بالزمن والمكان ، والحواجز وأكوام التراب والقمامة ، والمتسولين واللصوص والمجرمين ... حرب باردة ونار تحت الرماد تلتهم اليابس والأخضر وتحرق الروح والجسد. إنه البؤس ... البؤس في كل مكان على امتداد الليل والنهار بين ضلوع هذا البلد الأمين. - محمد المودني // فاس . (نونبر 2006)