يقول كوستاف لوبون "إن الشيء الذي يهيمن على روح الجماهير ليس الحاجة إلى الحرية وإنما إلى العبودية. وذلك أن ظمأها للطاعة يجعلها تخضع غرائزيا لمن يعلن بأنه زعيما."1 والزعامة "Le Leadership" زعامات، إما فردية أو جماعية، رمزية أو عملية وتنتهي دائما من كونها تجسد السلطة. والسلطة إما تقليدية تستمد مشروعيتها من خصائص موجودة داخل مجتمع أو وسط معين وإما سلطة ناتجة عن الكاريزما أي عن جاذبية يمتلكها شخص معين أو سلطة بيروقراطية مؤسسة على قوانين. وتنطلق الزعامة من الأسرة حيث تكون السلطة والهيمنة للأب أو للام حسب المجتمعات أو للام في غياب الأب أو للأخ الأكبر أو للأخت الكبيرة أو للعم وحتى للجار في بعض الأحيان. كما أن الزعامة تكون عائلية في بعض الأحيان حيث يصير الحديث عن العائلة الحاكمة مثلا. كما يمكن للزعامة أن تكون عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو مهنية أو رياضية أو فنية أو ثقافية أو غيرها. وفي إطار الزعامات أيضا نجد الزعامة الوطنية أو الإقليمية أو الدولية أو اللغوية كالزعامة العربية أو الدينية كالزعامة الإسلامية أو الإقليمية كالزعامة الإفريقية أو الأوروبية مثلا حيث يتنازع البعض تاج القيادة والريادة. فالجماعات لها اهتمام بالغ بالزعامات ولا يهدأ لها بال حتى تضع زعيما عليها ترى فيه البطل الذي يدرك أمالها ويحقق أهدافها. والمسألة جد معقدة ويصعب تفسيرها والبحث عن مبرراتها إلى درجة أنه حتى في حالة فراغ على مستوى الزعامات يلاحظ الباحث بأن المجتمع تنتابه حالة من الذعر وهو من سيبحث عن لشخص ليجعل منه رمزا وزعيما له. وهكذا يتبين بأن الفرد والجماعة بحاجة إلى "زعيم" وإلى تبعية "الزعيم". والزعامة إما شعبية أو مفروضة. والزعامة الشعبية في أصلها وكنهها نعمة من نعم الله يؤتيها لمن يشاء من البشر الذي لم يسعى إليها ولم يطلبها2 كزعامة الأنبياء مثلا إلى درجة أن من يتقلدها يصبح رمزا يجتمع عليه الناس ويلتفوا من حوله نظرا لحكمته وعلمه وفراسته وذكاءه وكفاءته وصلاحه وفضله وصبره ومبادئه. فالزعامة ميزة لا تعطي لأي كان. وهي القدرة بالنسبة للزعيم على التأثير على الجماعة لتوجيهها ولكي تقوم بحماس وعن طيب خاطر بما يطلبه الزعيم لبلوغ الأهداف التي أقنعها بها. وقد عرف التاريخ العديد من الزعماء سواء على رأس الدول أو الحكومات أو الوزارات أو الأحزاب السياسية أو النقابات أو الشركات أو المؤسسات أو الكليات وغيرها. إلا أن الزعامة لا تكتسب بالمراكز والمناصب بل هي اعتراف ضمني من قبل الجماعة بكريزما الزعيم الذي يمارس نوعا من الجاذبية على الأخر إلى درجة أن الأمر يكتنفه شيء من الغموض. ويكون الزعيم سهل التواصل، قوي الشخصية والتأثير، في إطار علاقة ثقة متبادلة وعلى بينة بإمكانيات الجماعة واكراهاتها وآمالها ويجسد طموحهم ويهدئ أنفسهم إلى درجة أنه يصبح ملهمهم يتبعونه بطريقة غريزية وبلا وعي إلى درجة العبودية أحيانا. وكم من جماعات بكت ولا زالت تبكي زعمائها الذين رحلوا عنها نظرا للتأثير الايجابي الذي كان لهم على الجماعة. إلا أنه إلى جانب الزعامة الشعبية توجد الزعامة المفروضة التي يسعي إليها الكثير من الناس. فالكل يريد اليوم أن يصبح زعيما ذي سلطة في هذا العالم. فالبشر لم يعد يعطي قيمة لاستقلاله وحريته بقدر ما أصبح يؤله الزعامة بجميع الوسائل لإجبار الغير على السجود له. فمسألة الزعامات أصبحت غالبة وأصبح الكثير يجد متعة في نفخ جمرها وهو ما يزيد أحيانا من تأجج المواقف والخلافات إن مع الأفراد أو مع الشعوب. ونجد الكثير من مرضى الإفراط في حب النفس، ومحبي التصدر واللهث وراء الزعامات، مستعدون لكي يعبدوا من غير الله وأن يسجدوا لغير الله من أجل قسط من السلطة والهيمنة ليبحثوا بدورهم غدا على من يبجلهم ويسجد لهم ليصبحوا حسب اعتقادهم ذو شأن في أعين الآخرين. كما أن من بين من يلهثون وراء الزعامات، وهم غير أهل لها، أولائك الذين لا يكتفون بالركوع لغير الله بل يذهبون بعيدا باستعمال المال وغيره من الرشاوى للوصول لأهدافهم رغم انعدام الكاريزما والكفاءة والورع التي تطلب عادة في الزعيم. وأمام ضعف النفس البشرية أمام المصالح المادية فقد يصبح الطالح زعيما بالقانون هدفه السلطة والهيمنة والمال. إلا أن الجماعة لن تؤمن بزعامة حصدت بوسائل غير مشروعة ولن يكون الراشي زعيما في مخيلة الجماعة في يوم من الأيام. وبجانب الراشي نجد أصحاب الدسائس الذين لا يتوانون في استعمال جميع الحيل للوصول إلى بعض المراكز كالأكاذيب وصنع القصص الوهمية ودغدغة العواطف والتلاعب بالعبارات وتزوير الوقائع مثلا، ليس بهدف خدمة الآخرين، بل بهدف السلطة والمال. وهنا لا يمكن للمركز مهما علا شأنه أن يجعل من صاحبه زعيما يسجل التاريخ اسمه. ونختم بالذين يغتصبون الزعامة بالقوة وحتى بالسلاح حيث لا تهمهم التضحية بدماء وأرواح البشر، إذ أن هدفهم هو الوصول إلى الزعامة ومن تم إلى السلطة والمال لا غير. وهنا أيضا فإن المغتصب لا يمكن أن يصبح زعيما لأنه ليس بصاحب كاريزما ( أو كاريزمات في شخص واحد ) ولا يمكنه أن يكون قدوة أو رمزا يستقر في النفوس لأنه مجرد معتدي وقاتل يتبعه الناس خوفا منه ومن بطشه لا أيمانا به. 1- غوستاف لوبون، سيكولوجية الجماهير، ترجمة وتقديم، هاشم صالح، دار الساقي، ط2، 1997م، ص130 2-طالب الولاية لا يولى ( حديث صحيح )