شهدت بلدان الشمال الأوروبي، التي عرفت موجة جديدة من تدفق طالبي اللجوء خلال سنة 2016، انعطافة نحو اليمين، كما في بلدان أخرى في أوروبا، بسبب تزايد تأييد القوى الشعبوية. ويرجع ذلك إلى كون سياسة الأذرع المفتوحة، التي اتبعتها هذه الدول سابقا، لا تحظى بالتأييد اللازم لدى الرأي العام والطبقة السياسية التي تتجه يوما بعد يوم نحو المقاربات اليمينية في معالجة ملف الهجرة غير المسبوقة في المنطقة. وبدأت البلدان الاسكندنافية، التي طالما اعتبرت ملاذا لطالبي اللجوء، تشدد من إجراءاتها الخاصة بالهجرة واللجوء. وبغض النظر عن العبء الاقتصادي، فإن "كارثة اللاجئين"، كما تسميها وسائل الإعلام المحلية، أحدثت منذ عدة أشهر مناخا اجتماعيا متوترا في بلدان المنطقة، مما أدى إلى وقوع هجمات عنيفة ضد أماكن لإيواء اللاجئين. فالسويد، التي استقبلت منذ سنة 2014 عددا قياسيا من النازحين (245 ألف شخص)، سايرت الوضع من خلال تشديد إجراءات اللجوء، عبر مراقبة الحدود واتخاذ قرار بطرد 80 ألفا من طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم. ودفعت الفترات الإدارية الطويلة، والإجراءات المعقدة من أجل جمع شمل أسر اللاجئين، والانتقاء الصارم للطلبات، إلى تسجيل رقم قياسي بنحو 10 آلاف و655 من اللاجئين الذين غادروا البلاد خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة المشرفة على الانتهاء. ويرى التحالف الاشتراكي البيئي في السويد أن هذا التحول يأتي لعدم وجود دعم من الاتحاد الأوروبي، ورفض بعض البلدان احترام نظام الحصص المتبع. وقال رئيس الوزراء زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ستيفان لوفين، إنه "حينما تقول الإدارات والبلديات إن الأمر ليس مستداما، يجب علينا أن نتصرف"، مشيرا إلى أن البلاد قد وصلت إلى حدودها القصوى. وأتى كبح جماح الهجرة، الذي مكن الدولة من توفير أكثر من خمس مليارات يورو، ثماره؛ حيث بلغ عدد طلبات اللجوء أقل من النصف ما بين يناير وشتنبر الماضيين، مقارنة مع ما كان عليه الأمر في سنة 2015. ويتعلق الأمر بتباطؤ كبير، خاصة أن السويد قد شهدت تضاعفا في عدد طلبات اللجوء بين عامي 2014 و2015 لتصل إلى 160 ألف طلب في السنة الماضية. وفي الدنمارك أطلقت حكومة الأقلية لوسط اليمين سياسة لجوء أكثر صرامة في القارة الأوروبية، أملا في ثني المرشحين للجوء عن التوجه إلى البلاد؛ وذلك بعد أن استقبلت 21 ألف مهاجر خلال السنة الماضية. وأرست السلطة التنفيذية العديد من الإجراءات المثيرة للجدل، في الوقت الذي يشعر فيه اليمين الشعبوي، الذي انضم إلى الائتلاف الحاكم، بارتفاع التأييد له بعد اختراق تاريخي في الانتخابات البرلمانية التي نظمت خلال سنة 2015 بحصوله على 21 في المائة من الأصوات. وكان الإجراء الأكثر مأساوية هو مصادرة المقتنيات الثمينة للاجئين الذين يصلون إلى هذا البلد الاسكندنافي لتمويل التكفل بهم. وقد أثار هذا القانون، الذي صادق عليه برلمان البلاد، انتقادات من قبل الأممالمتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، خاصة أنه يسمح للشرطة بالبحث في أمتعة اللاجئين ومصادرة النقود والأشياء الثمينة التي تبلغ 10 آلاف كرونة دنماركية (1340 يورو) للشخص. وأكدت وزيرة الهجرة والاندماج، إنغريد ستويبيرغ، في تبريرها لتشديد معايير اللجوء، أن "الدنمارك تقع على عاتقها مساعدة الأشخاص الذين يرغبون في اللجوء. ولكن نتحمل أيضا المسؤولية في الحفاظ على المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد". وقررت كوبنهاغن، بالإضافة إلى ذلك، وقف مشاركتها "إلى إشعار آخر" في برنامج وكالة الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين المتعلق باستقبال نحو 500 من طالبي اللجوء كل سنة. ورغم ذلك، فإن جميع القرارات التي اتخذتها السلطة التنفيذية، التي انتقدت على نطاق واسع في الخارج، كانت محل إجماع الطبقة السياسية، ومن ضمنها بعض المنتسبين إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي، أكبر أحزاب المعارضة. وعلى خطى ستوكهولم وكوبنهاغن، قررت هلسنكي إعادة النظر في المزايا "السخية" الممنوحة للقادمين الجدد إلى البلاد، ولاسيما من خلال تقديم تصاريح إقامة مؤقتة وإقرار شروط أكثر صرامة للتجمع الأسري. وأعلنت فنلندا، التي بدأ اقتصادها يتعافى خلال سنة 2015 بعد ثلاث سنوات متتالية من الركود، أنها تعتزم ترحيل حوالي 60 في المائة من أصل 32 ألفا من المهاجرين الذين وصلوا إلى البلاد خلال السنة الماضية. كما تخطط الحكومة الفنلندية، وتحت تأثير حزب "الفنلنديين الحقيقيين" الشعبوي المناهض للهجرة، لإغلاق ثلثي مراكز استقبال اللاجئين بحلول نهاية سنة 2017؛ وذلك لأسباب اقتصادية ولتراجع أعداد اللاجئين المتدفقين على البلاد. *و.م.ع