في وقت أولت مجموعة من المدن اهتماما كبيرا بذوي الاحتياجات الخاصة، بإنشاء ممرات وتوفير خدمات خاصة بهم، ومراعاة أوضاعهم وأخذها بعين الاعتبار في مختلف مراحل تسطير المشاريع التنموية والبنيوية الجديدة، لازالت أوضاع نظرائهم بمدينة خريبكة تراوح مكانها منذ عشرات السنين، خاصة على مستوى الولوجيات التي تسمح لهم بالتنقل بين الإدارات والمؤسسات من أجل قضاء مختلف أغراضهم الاعتيادية. وفي جولة أجرتها جريدة هسبريس الإلكترونية بين عدد من الإدارات العمومية بمدينة خريبكة، لوحظ غياب تام لأبسط متطلبات الأشخاص في وضعية إعاقة، وبدا ذلك جليا عند المداخل الرئيسية للبنايات التي من المفروض أن تتوفر على ولوجيات، من أجل مساعدة تلك الفئة المجتمعية على دخول الإدارة بسهولة، دون الحاجة إلى طلب مساعدة المرتفقين، خاصة إذا تعلق الأمر بمستعملي الكراسي المتحركة. فريد لوستيك، رئيس جمعية المستقبل لذوي الاحتياجات الخاصة بخريبكة، أشار إلى أن الولوجيات صار لها في الآونة الأخيرة مفهوم شامل لا يقتصر على الممرات فقط، بل يتعداه إلى تمكين تلك الفئة من "الولوج إلى المعلومة بسهولة ويسر، والولوج إلى الأماكن العمومية والفضاءات الخضراء والنقل العمومي، والولوج إلى وسائل الاتصال بمختلف أنواعها المكتوبة والمسموعة والمرئية، ما يؤكّد أن الولوجيات لا تخص ذوي الإعاقة الحركية فقط"، حسب تعبيره. وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس، أن "المكفوفين وضعاف البصر ومستعملي الكراسي المتحركة وذوي الإعاقة الذهنية...كلهم فئات تحتاج إلى نوع خاص من الولوجيات، وهي المتطلبات التي لا تتوفر في مختلف المصالح الإدارية في مدينة خريبكة، باستثناء أماكن جد محدودة، مثل عمالة الإقليم، وبعض المرافق التابعة لمؤسسات معينة، مثل النادي الخاص بعمّال المكتب الشريف للفوسفاط". وعن معاناة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، أوضح لوستيك أن "احتلال الرصيف من طرف المقاهي والمحلات التجارية والباعة المتجولين يشكل خطرا على المواطنين عامة، وذوي الإعاقة بشكل خاص، إذ يجدون أنفسهم مضطرين إلى السير على الطرقات، ومنافسة ومزاحمة الشاحنات والسيارات والدراجات"، مؤكّدا أن "الخطورة تزداد إذا تعلق الأمر بالمكفوفين وذوي الإعاقة الحركية، أو الذين يعانون مشاكل على مستوى حاسة السمع". واستنكر المتحدث ذاته "الانعدام التام للمخططات التنموية للمجالس الجماعية المتعاقبة على تسيير الشأن المحلي بخريبكة، حيث لم يسبق للجماعات الترابية والمجلس الإقليمي أن التفتت ناحية ذوي الإعاقة، أو فكرت في إنشاء ولوجيات وخدمات تساعدهم على الحياة بكرامة، رغم وجود ترسانة قانونية في الموضوع، من بينها قانون الولوجيات 10.03، الذي صار إلزاميا منذ سنة 2011، ويفرض إنشاء ممرات خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة في جميع البنايات". وأشار فريد لوستيك إلى أن "مدينة خريبكة تعززت في الآونة الأخيرة بحافلات للنقل الحضري، ضمن صفقة بملايين الدراهم، ساهمت فيها مجموعة من المؤسسات والإدارات، لكن دفتر التحملات الخاص بالمشروع لم يأخذ بعين الاعتبار ذوي الاحتياجات الخاصة، وحاجتهم إلى ولوجيات تمكنهم من استعمال الحافلات"، مشدّدا على أن "أغلب المعنيين بالموضوع ينتمون إلى أسر فقيرة وهشة، ولا يمكنهم استعمال سيارات الأجرة الصغيرة التي يرفض سائقوها في بعض الأحيان نقلهم". وأعدّت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بني ملالخريبكة تقريرا حول "واقع الولوجات بخريبكة"، أشار في خلاصته إلى "محدودية تطبيق القوانين المتعلقة بالولوجيات"، مضيفا أنه "باستثناء الأبواب الرئيسية والمجازات بين المكاتب، هناك غياب تام في تطبيق باقي المقتضيات المتعلقة بالمواقف العمومية للسيارات والشبابيك والمصاعد، مع وجود إمكانيات لتطبيق تلك القوانين ببعض المواقف والشبابيك والممرات التي تعتبر في الغالب ميسرة للولوج". وأشارت التقرير، الذي تتوفر هسبريس على نسخة منه، إلى أن "بعض المرافق ينقصها التشوير ووضع لوحات لتعيين المخصص منها للأشخاص في وضعية إعاقة"، لافتا إلى "التطبيق الجزئي أو غير السليم للقوانين المتعلقة بالولوجيات، ما يجعل آثارها في الواقع جد محدودة، إذ لم يتم احترام نسبة الميل في بعض الولوجيات، مع افتقادها إلى التشوير، وغياب مساند في جانبها، مع تعذر شبه كلي لإمكانية التنقل عموديا بدون مساعدة بين المكاتب في الطوابق غير الأرضية". ومن ضمن التوصيات التي سطّرتها اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، "مراجعة القانون 10.03 المتعلق بالولوجيات، لتشمل مقتضياته المؤسسات المبنية قبل دخوله حيز التطبيق، وذلك بإلزامية مقتضياته بمناسبة كل إصلاح أو توسيع أو إعادة تهيئة، وتطبيق القوانين والنصوص التنظيمية المتعلقة بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، وخاصة ما يتعلق منها بالولوجيات، واحترام المعايير والمقاييس التي تحددها النصوص التنظيمية، وتحسيس المكلفين بالدراسات والتصاميم والمكلفين بتتبع إنجاز الأشغال واستلامها بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، والقوانين الوطنية التي تكفلها، وضرورة التقيد بمقتضياتها وبنصوصها التنظيمية". وأوصت اللجنة ب"تنظيم لقاء تواصلي يضم السلطات الإقليمية والمحلية والمجالس المنتخبة والمهندسين المعماريين والوكالة الحضرية ومؤسسة العمران والمصالح الخارجية، لتنسيق الجهود في الموضوع، وتذييل الصعوبات التي تعترض تطبيق قوانين الولوجيات، خاصة تلك التي تتطلب تنسيقا بين عدة متدخلين، ووضع برنامج للتشخيص، يهم مدى تطبيق باقي مواد القانون 10.03 المتعلق بالولوجيات، وتوسيع مجال التشخيص ليشمل مختلف المباني المفتوحة، وذلك وفق مقاربة تشاركية مع السلطات المعنية وجمعيات المجتمع المدني". وأكّد التقرير ذاته على ضرورة "حث المؤسسات على تشوير ووضع لوحات بالأماكن التي تخصصها للأشخاص في وضعية إعاقة، وحث المؤسسات على التقيد بالمقتضيات القانونية والتنظيمية ذات الصلة بالولوجيات، بمناسبة مباشرتها لإصلاحات أو ترميمات أو توسعات أو إعادة تهيئة، وإحداث شهادة "مؤسسة صديقة للأشخاص في وضعية إعاقة"، ودرع للصداقة تمنحهما لجنة بناء على طلب من المؤسسة المعنية، وتمنحهما وفق مسطرة تضعها".