لكل انتصار فرح يلتصق به ، ولكل فوز مذاق خاص به ، وفوز المنتخب المغربي على نظيره الجزائري برباعية نظيفة بملعب مدينة مراكش برسم إقصائيات كأس افريقيا للأمم ، زرع في قلوب الملايين المتيمة بهذا الوطن بذور فرحة لطالما انتظرنا غرسها في جميع القلوب المتعايشة كرها مع أغصان اليأس وجذور خيبة الأمل المتجددة على مدار كل ساعة . وشخصيا تتبعت كغيري هذه المباراة التي أسالت الكثير من المداد قبل انطلاقتها وبعد نهايتها ، ووجدتني عقب إطلاق صافرة النهاية والبهجة بالرباعية تنسيني البحث عن نوعية الخطة التي لعب به مدربنا " الغالي " ، وجدتني أنقر على خانة مستطيلة تدعوك لتكتب كل ما يخطر على بالك في الفيس بوك كلمات قلت فيها : " اليوم فرح بفوز المنتخب الوطني ... فهل ستعم الفرحة باقي الجماهير المتعطشة لرؤية مغرب ديمقراطي تصان فيه كرامة الإنسان وتنأى خيراته عن الريع والنهب ويشعر فيه المواطن بأنه مواطن حقيقي لا مجرد رقم غير معترف به .... " . اليوم أعيد طرح التساؤل مع سبق الإصرار والقصد ، لا تشاؤما ينأى عن التفاؤل بلاعبي المنتخب الوطني ومجهوداتهم ، ولا استهتارا بمشاعر الملايين المسرورة بهذا الإنجاز ، ولكن هي فرحة لم تكتمل ، وأنى لها الاكتمال والكمال في مغرب يعتريه النقصان من كل جانب ؟؟ وكيف لها أن تكتمل وهي محاطة ومحاصرة بنكبات ونكسات شكلت جدار منيعا لصد كل فرحة قد تغازل القلوب في لحظة من اللحظات ؟؟؟ كيف تكتمل الفرحة في وطن مستقبله حاضر مرير وحاضره ماض أسود ، شعبه بلا حكومة وحكومته بلا شعب ،عدالته بالجور تنطق أحكامها، وديمقراطيته بالاستبداد تصنع دساتيرها وقوانينها ، واقتصاده ريع بالفساد يمور ويموج ، ورتبه بين الأمم والبلدان بأسفل سافلين تلتصق ، ساسته لا يتقدمون به إلا ليتأخر ، ولا يخططون له إلا ما وافق أهواءهم ومصالحهم ، ولا يشرعون له إلا ما يجعلهم فوق كل قانون قد يزج بهم في غياهب سين وجيم ؟؟؟ كيف تكتمل الفرحة وأكثر من ثلثي الشعب فقراء يحرم عليهم التقاط الفرص أو امتلاكها، ويردعون إن هم فكروا في يوم من الأيام أن يكون لهم حظ من الفتات المتساقط من على موائد "الريعيين" ، وكيف تستقيم الفرحة في وطن لا الأمن فيه بالذي تطيب له الأنفس وتقر له العيون، ولا التعليم عنده يخرج عن قدر البطالة المكتوب على طلابه ، ولا الصحة بين يديه بخير، ولا مستوى المعيشة فوق ترابه يرقى لإسكات أنين المعوزين وآهات المحتاجين وطلبات المساكين وغيرهم ممن لا ينتمون لزمرة "لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"؟؟؟. كيف تكتمل الفرحة في وطن المواطن فيه متهم من غير براءة تنجيه ، والمعارض لصانعي القرار فيه مدان بلا تهم تعتريه ، والشريف فيه يخون رفقة بنيه وصاحبته وفصيلته التي تؤويه ، والفاضل فيه خلف قضبان السجون يلقى ، والمناضل في المعتقلات ينسى ، والكاتب الحر تقطع رؤوس أقلامه بوسائل شتى ؟؟؟ كيف تستقيم الفرحة في وطن موازينه مقلوبة ، وسكة الصواب فيه معوجة وخطيرة ، و سبله مسيجة بأشواك مسمومة تنذر من اقترب من حدودها بسوء العاقبة وتتوعد من همّ بتجاوزها بالويل والثبور وبؤس المصير؟؟؟ نعم ستكتمل الفرحة حين ترفرف أعلام الحرية والعدل والكرامة في كل شبر من أرجاء هذا الوطن ، وستستقيم إذا تمتع فيه المواطن بمقومات المواطنة الحقيقية وسمع صوته وترك له الحق في ممارسة مواطنته وفق ما يختاره هو من غير وصاية فوقية أو إكراه قمعي ، وستكتمل حين يضرب بيد من حديد على كل ينهب خيرات هذا الوطن من قريب أو من بعيد ، وستكتمل الفرحة حين لا يرى مسؤولونا في النقد الهادف تهمة وفي القلم الحر نقمة وفي الوعي جريمة وفي المطالبة بإحقاق الحق وتحقيق المطالب التي ترفع هنا وهناك سببا مباشرا في فرض قوانين الطوارئ وملئ الأزقة والدروب بشتى تلاوين الأجهزة القمعية . ستكتمل الفرحة حين نرى الوطن الذي نحبه إلى أبعد الحدود وطنا لا ظالم فيه ولا مظلوم ، ولا غالب فيه ولا مغلوب ، ولا سارق فيه ولا مسروق ، أما الفرحة وسط ما ذكرنا وما نسينا فستبقى بلا شك ناقصة معطوبة ينطبق عليها قول الشاعر : فَرَحٌ هنا وهناك قام المأْتَمُ = شعبٌ يَنوحُ وأمَّةٌ تَترنَّمُ وحتى لا ننسى فلا يستقيم البتة فرح بفوز منتخب وطني على منتخب شقيق ومدرب منتخبنا وللأسف الشديد لا يعرف للحوار أدبا ولا للردود المستقيمة طريقا !!! وكل عام والمغاربة في فرح وسرور وانتصار ... وعقبى لباقي الأفراح . http://www.goulha.com