من المعلوم الذي يسلم به الخاص والعام من قرائي أن كتاباتي يغلب عليها طابع النقد، بل والانتقاد أحيانا؛ ذلك أنني أمارس متعة القراءة لما يجري ويدور في بلادنا وبلدان العالم من زاوية أخرى وفقَ منظور يتماشى ومنهجيتي في القراءة والتحليل. واليوم، سأحاول قراءة خطاب "زينب العدوي" في إحدى الاجتماعات التي حضرتها بصفتها على هرم المسؤولية في تلك المنطقة/ الجهة، وهي التي، كعادتها، تضع النقاط على الحروف، وتكشف مكامن الخلل. إن الأسئلة التي طرحتها "العدوي" في اجتماعها المذكور كلها أسئلة لها أهميتها في تقويم التدبير الإداري وتقييمه وإصلاحه، بل إن سؤال: "فين مشاو فلوس الأكاديمية؟" يمكن عده سؤالا أكثر من أن يكون وجيها. أما عبارة: "الفلوس ديال الأكاديمية يْبانو فالمدارس ديالنا ولّا نْدير شغلي" فهي كلمة حق تتسم بالكثير من الجرأة، وتستحق التفعيل، ولاسيما مع صدورها من شخصية قادرة على القيام بشغلها/ عملها بكل جدية وتفانٍ وإخلاص؛ لأنها تحب هذا الوطن حبا حقيقيا نابعا من التربية التي تلقتها من لدن أسرتها الأصيلة. إن "زينب العدوي" لم تعرقل يوما أي مشروع من مشاريع الإصلاح والتنمية المجالية منذ توليها أول منصب في حياتها المهنية سنة 1984 إلى يومنا هذا، بل إن الجميع يشهد لهذه السيدة حرصَها الشديد على التفاني والإخلاص لهذا الوطن، وليس لأي شيء آخر، خاصة وأنها لا تعرف المجاملات وأساليب وفنون "الطلاء" و"الألوان المزركشة" التي توصف بها التدابير الإدارية السوداء في وطننا العزيز. لهجة "العدوي" الصارمة في اجتماعها الأخير ليس إلا نتيجة لبلوغ السيل الزبى ومجاوزة الحزام الطِّبْيَيْنِ في ملف من أعتى الملفات التي يعمها الفساد والاستبداد والاستفراد والاستئساد والاستحواذ والاستبلاد في المغرب منذ سنوات ليست بالهينة، وما قصة "المخطط الاستعجالي" للنهوض بأوضاع "المنظومة المهترئة" عنا ببعيد. وبدلا من أن يكون لزملاء المسؤولة المشار إليها "الذكورِ" من الجرأة والاتسام بالمسؤولية على وجه الحقيقة بقدر ما تتصف به كريمة الفقيه السوسي التنفزاطي الإسافني الإغرمي الروداني "أحمد بن عبد الله العدوي"، فإنهم يفضلون التواريَ عن الأنظار والبحثَ في ملفات بائدة أكل الدهر عليها وشرب ومات، بل إن بعضا منهم لا يتقنون إلا عرقلة مشاريع الجماعات والأقاليم حضريِّها وقرويِّها ويتقنون فنون وضع ملفات المواطنات والمواطنين في "ثلاجات المكاتب الإدارية" بمختلف أصنافها حتى لا يتسنى لأحدٍ القيامُ بمهامه في هذه الأرضِ على الوجه الأفضل. وإذا تأملنا في خطاب "العدوي"؛ فإننا لا بد أن نجد فيه إشارةً واضحة إلى فساد التدبير الإداري والمالي لملفات "منظومة التربية والتكوين" في مختلف مناطق المغرب، لا في الجهة التي تنتمي هي إليها فحسب، ولا أدل على ذلك من إشارتها الواضحة إلى التعليم الخصوصي في "العاصمة"، فضلا عن تردي أوضاع المدرسة العمومية المغربية ككل. إن الجرأة التي طرحت بها السيدة "العدوي" ملف "التعليم" بالجهة تتطلب من زملائها التشميرَ عن ساعد الجد فيما يتعلق بهذا الملف الأسود، بل تتطلب من "حكومة 2016/ 2021" جرأة قوية واضحة فيما يتعلق بملف "التربية والتكوين والبحث العلمي" بعيدا عن منطق "المحاباة" ولغة "المماطلة"، كما تتطلب إجراء تحقيقات عملية واقعية مصيرية من لدن لجان تفتيش وطنية لا علاقة لها بالمشرفين على تدبير هذا القطاع منذ عقود، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة والمساءلة، بل و"المحاكمة" إن اقتضى الأمر. وإذا كانت السيدة "العدوي" قد صرحت بأنه "كاين التلامْذ لي كيخلصو 25 درهم باش يديريو فوطوكوبي.. كلّ أستاذ كيطلبْ منهم عشرين درهم"، معلقة على ذلك بقولها: "هادي ما بقاتش مدرسة عمومية"، فإن الأمر لا يتعلق بالمؤسسات التعليمية العمومية التي يدرس فيها "أولاد الشعب" بالمناطق النائية بجهة "سوس ماسة" وحدها، بل إن فقراء "العاصمة الإدارية للمغرب" (وما أكثرهم) يُفْرَضُ عليهم الذهاب بأبنائهم إلى ما يسمى "المراجعة" لدى الأستاذ/ المعلم الذي لا يقوم بواجبه في "المدرسة العمومية" مقابل مبلغ لا يقل عن 150 درهم للشهر لفائدة تلاميذ السنة الرابعة من التعليم الابتدائي، مع تهديد التلاميذ المعنيين ب"الترسيب" في حال ما إذا لم يتوفر لديهم هذا المبلغ. "وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم" وملابسهم الأنيقة وروائحهم الزكية في "الاجتماعات" و"المكاتب الإدارية المكيَّفة" بعيدا عن المؤسسات التعليمية العمومية التي تنبعث منها الروائح التي ذكرتها "زينب العدوي" بكل جرأة، معتلين "المنصات" معتدين على "التدبير الإداري" البعيد عن الواقع المطل من "شرفات الأبراج العاجية" مصدرين لمذكرات تنظيمية "عن الوزير وبتفويض منه" لتوضع هي الأخرى في الرفوف؛ لكونها لا تلامس الواقع ولا تستشرف آفاق المستقبل. آن الأوان لتكون للمسؤولين الحكوميين من الجرأة ما اتسم به "محمد الوفا" عندما كان مكلفا بتدبير هذا القطاع، وعلى "رئيس الحكومة المعين" أن يولي هذا القطاع أهمية كبرى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان. علينا نحن "أبناء الشعب المسحوق/ المطحون" ألا نسهم في تغطية الشمس بالغربال أيضا، بل علينا أن نرفع السقف عاليا هذه المرة من أجل إيفاد "لجنة تفتيش وطنية" حقيقية تحت رئاسة "زينب العدوي" أول قاضية امرأة للحسابات، للسهر على التحقيق والبت في ملفات "التعليم" ولاسيما المتعلق منها بمسارات "فلوس التلاميذ" في قطاع "التربية الوطنية" ومآلاتها منذ عقود، وهي جديرة بذلك لأنها "المسؤول المناسب في الموضع المناسب". * رئيس المجلس التأسيسي للمنتدى المغربي للباحثين الشباب، باحث أكاديمي.